11-يونيو-2019

من وقفة في برلين (فيسبوك)

تشهد الساحات السّوشالميدية حربًا ضروسًا منذ إعلان نبأ استشهاد عبد الباسط الساروت. حظرٌ وتبليغاتٌ ومحاولاتُ منعٍ لكلّ المنشورات التي تحتفي بالشهيد، أو حضور تعليقاتٍ استفزازية تُحاول وصمَ كلّ من يَنْشُر وما يُنْشَر بالإرهاب والتدعش والتنصّر.. إلخ، وكأنّ الساروت بدأ حياته وأنهاها في التكفير والبطش بالأبرياء.

يدرك الذباب الإلكترونيّ الهائج أنّ السماح للساروت بالذهاب إلى ما هو ذاهب إليه أصلًا، يعني تأكيد القيم التي مثّلها

ثمّة من رأى الحملة منظمةً، وثمّة من ذهبوا إلى أنّ إدارة بعض مواقع الإعلام الاجتماعي، خصوصًا فيسبوك، اتّخذت قرارًا بالحدّ من حضور الرجل. وأيًّا تكن الحقيقة، ثمّة حربٌ مفتوحةٌ على اسم شخصٍ وصورته منعًا من تحوّله إلى رمز، دون تفكيرٍ من أصحاب الهجمات الذبابيّة أنّ الرموز لا تحتاج إلى منصّات إلكترونية على الإطلاق، فمنصاتها القلوب والأرواح، وما يجري هناك لن تجدي معه أزرار الحظر والتبليغ!

اقرأ/ي أيضًا: الساروت.. موت ثائر

الخطير في هذه القضية وجود جزء من شعبٍ يفرض على الجزء الآخر من الشعب نفسه صناعة رموزه، فالرموز الوحيدة التي يعرفها هؤلاء من إنتاجات وزارة الإعلام، وزارة الحقيقة في نظرهم وفي نظر رواية "1984" أيضًا، وكذلك التي تصنعها عبقرية إدارة التوجيه المعنوي (يا لقباحة الاسم!)، وما شابهها من إدارات لا يختلف القائمون عليها عن مسوخ كاريكاتيرات ناجي العلي. أما الرموز التي يصنعونها فلم تكن تغادر فضاء عائلة الأسد، من الأب إلى أبنائه إلى أبنائهم، ولعلّ أشهر الأيقونات التي يعرفها السوريون جيدًا تلك التي تضع حافظ الأسد إلى جوار ابنيه باسل وبشار باللباس العسكري، في محاولة لمحاكاة الثالوث المقدّس، ومؤخّرًا أضيفت إلى متحف الأيقونات الأسدية صور ملك التعفيش المسمّى بالنمر.

يدرك الذباب الإلكترونيّ الهائج أنّ السماح للساروت بالذهاب إلى ما هو ذاهب إليه أصلًا، يعني تأكيد القيم التي مثّلها منذ حُمِل على الأكتاف ودعا للتغيير، ويعني مشروعية الأحلام التي ناء بها ولم يبق في جسده بسببها موضع إلّا وبه رصاصة أو شظية، ولهذا يريدون قطع الطريق على الصورة والاسم، لكن أليس بينهم من يخبرهم أنّه يستحيل قطع الطريق على الرموز؟

ليس للفقراء المحرومين من خيرات بلادهم، والذين حُرموا من بلادهم كلّها فيما بعد، أن يحلموا أو يأملوا، وليس لهم وهم المهزومون كتابة تاريخهم، من أجل هذا يعرفون أن انقلابهم العظيم على كلّ ذلك الحرمان لا يحدث إلا بصنع رموزٍ تقول ما الذي أرادوه، وما الذي عاشوه. الرمز شكل من أشكال كتابة ما لم يكتب، وإعلان ما لم يُعلن.

الساروت العاشق والشجاع، الحائر والمخذول، يفعل في موته ما ينبغي على البطل أن يفعله حين يجعل من نفسه تكثيفًا لأحلام شعب، أمّا الحمقى فلا يزالون على عهدهم الأول حينما حملوا دلاء الطلاء، أولَ الثورة، وراحوا يمحون الشعارات على الجدران، ظنًّا منهم أنّهم يمحونها من القلوب.. هؤلاء الذين أبطالهم أسود ونمور لن يفهموا ما الذي يعنيه أن يكون العادي بطلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سيرة الساروت.. سيرة الثورة

عبد الباسط الساروت.. أيقونة الأيقونات السورية