10-يونيو-2019

مظاهرة في وداع الساروت (فيسبوك)

في لحظة وصول خبر استشهاده، وقفنا جميعًا لنستدرك حقيقة وجودنا. جاء الخبر كالصاعقة، شطرنا ووضعنا أمام مرآته. لم نختبر مشاعرنا، كما فعلت بنا تلك اللحظة المعجزة. جمعنا موته، ووحّدنا في لحظة استثنائية، وكأنه يوقظ فينا ما نام وخبا من جذوة أحلامنا وانسانيتنا.

في لحظة وصول خبر استشهاد عبد الباسط الساروت، وقفنا جميعًا لنستدرك حقيقة وجودنا

كنا نعاني من ترف الملل، واللاجدوى، ونختلق مبررات لعجزنا، حين كان محاصرًا.

اقرأ/ي أيضًا: سيرة الساروت.. سيرة الثورة

كنا نهرب من أخبار الموت القادم من جهته، ونُغرِق أرواحنا في ماء المنفى.

كنا ندور على رحى التأقلم، وقراءة الواقع الجديد، حين كان وحيدًا لا جدار يستند إليه.

نزور معالم البلاد الجديدة، ونرطن بلغات لا تشبهنا، ونستمع إلى موسيقى شعوب غريبة، حين كانت حنجرته تغني للثورة.

ابن الثورة الحر، المجبول بعشق تفاصيلها.

كم خانوك.. وكم باعوك!

لكن موتك أيها المجنح، وحّد القلوب المتنافرة، ابتلع موتك مخالبنا وأنيابنا التي كنا نشهرها عند أي اختلاف، وعدت بنا إلى نقاء الزمن الأول.

موتك المعجزة غسل أرواحنا، وصفاء ضحكتك التي صارت شراعًا، أخذتنا جميعنا إلى سوريا.

فقدنا ذاكرة الكراهية، واجتمعنا على طبق الحزن الواحد.

كيف امتلكت الجرأة ايها الأسمر الصغير، لتصفعنا جميعا دفعة واحدة، وتوقظ فينا صورة البلاد؟ من أين لك تلك الشجاعة النادرة، لتذهب وحيدًا إلى الموت وتتركنا بلا حارس لأحلامنا؟ كيف انتقلت من طفل يلهو بالكرة، إلى عملاق يفرد جناحين من نور ليحتضن وجع شعب بأكمله؟

لا أعتقد بأن هناك من ادعى الحزن على رحيلك، نزل الدمع صافيًا وحقيقيًا، لأننا اكتشفنا في تلك اللحظة كم كنت تشبه بلادنا البسيطة، الصامدة، اليتيمة، المسروقة.

تستحق هذا الرحيل المهيب، وتستحق أن نبكيك ونبكي البلاد فيك.

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الباسط الساروت.. أيقونة الأيقونات السورية

الثورة السورية تخسر حارسها.. مقتل عبد الباسط الساروت في ريف حماة