30-أكتوبر-2019

تستخدم الحاويات بشكل أساسي لتهريب البشر من شرق آسيا إلى أوروبا وأمريكا (PA)

مطلع الأسبوع الماضي، استيقظ إقليم إسيكس جنوب شرق بريطانيا، على نبأ العثور على 39 جثة، بحاوية خلفية لشاحنة تبريد مركونة بأحد أحياء غريز، أكبر مدن الإقليم.

كشف الأسبوع الماضي عن مأساة لتهريب البشر من آسيا إلى أوروبا، راح ضحيتها 39 شخصًا ماتوا داخل حاوية لشاحنة تبريد

وبعد التعيين الأوليّ للجثث، اتضح أنها لأشخاص من شرق آسيا، فيما كانت أسباب الموت هو الاحتجاز في درجة حرارة منخفضة، ضمن حادثة جديدة من حوادث تهريب البشر.

اقرأ/ي أيضًا: الهجرة على ضفاف المتوسط.. جحيم هنا وهناك

ولم يكن هؤلاء الضحايا أول من يطالهم الموت، وهم يلاحقون حلم الهجرة الضائع، فتهريب البشر عبر حاويات، وفي ظروف لاإنسانية لآلاف الكيلومترات بحرًا، إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية؛ هو المسلك الشهير للهجرة السرية واللجوء بالنسبة لمواطني شرق آسيا. ولا تقف مأساة هذا المسلك عند حصد الأرواح، بل تستمر مع الناجين الذين يصبحون عادة عبيد المهربين، بديون طائلة تثقل كاهلهم. 

قصة 39 جثة

صباح الخميس الماضي، 24 تشرين الأول/أكتوبر 2019، رن جرس شرطة مدينة غريز، شرق العاصمة لندن، حيث وُجد عدد من الجثث في حاوية شاحنة تبريد مركونة في إحدى أزقة المنطقة الصناعية.

هرع رجال الشرطة إلى مكان الحادث، ليجدوا 39 شخصًا مكدسين فوق بعضهم، كلهم موتى. 31 رجلًا وثماني نساء، من جنسية صينية وفييتنامية.

ثلاثة فيتناميين من بين ضحايا الحاوية

الشاحنة التي عرف أثناء البحث أنها مسجلة ببلغاريا، ويسوقها شاب من أيرلندا الشمالية لم يتجاوز 25 عامًا من عمره، عبرت ميناء زيبروغ البلجيكي يوم 22 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفيها 39 شخصًا.

وإلى الآن، لا يزال البحث جاريًا لرسم مسار دقيق للشاحنة قبل دخولها ميناء زيبروغ. لكن عبورها من هذا الميناء يطرح عددًا من الأسئلة عن يقظة الجمارك به، وعدم تدخلهم لوقف المأساة، حيث اكتفى رئيس جمارك الميناء المذكور بالتعبير عن حزنه للحادث، واعدًا بأنهم "جاهزون لتقديم يد المساعدة للشرطة البريطانية في هذه القضية".

من جهته سارع وزير الخارجية البلغاري، إلى التصريح بخلوّ مسؤولية بلده من الحادثة، مشيرًا إلى أن الشاحنة المذكورة منذ خروجها من حدود البلاد في 2017 لم يسجل لها دخول ثان، فيما عبر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عن تضامنه مع ضحايا هذه الحادثة، مؤكدًا على تتبعه تطورات الأحداث عن قرب.

 

 

"ليسوا شاحنة واحدة بل ثلاث!"، هكذا أعلنها ذوو ضحايا الحادث، موضحين أن عملية التهريب هذه كانت تضم شاحنتين أخريين ظل مصير أفرادها، الذي يتعدى الـ 100، مجهولًا.

"لقد رحل الآن، تاركًا فراغًا كبيرًا خلفه. لقد مات"، هكذا صرح والد دين تو، الشاب الفيتنامي الذي كان ضمن ضحايا شاحنة إسيكس. ودين تو، وكباقي ضحايا الشاحنة، ينحدر من أوساط فقيرة بفيتنام، تركها للبحث عن واقع أحسن.

ضحية أخرى كانت آنا ناهنغ، الفيتنامية ذات الـ19 ربيعًا، والتي دفعت 10 آلاف دولار ثمن التذكرة لتلك الرحلة المميتة، بحسب ما أعلنت عائلتها.

مأساة تتكرر

ليست شاحنة إسيكس حالة منفردة، بل هي التقنية المتبعة في تهريب البشر من شرق آسيا إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. هكذا تُذكر بما حدث سنة 2000، في ميناء دوفر، حيث لقي 58 مهاجرًا صينيًا حتفهم داخل حاوية، جراء الاختناق وارتفاع الحرارة. أداة جريمة دوفر كانت حاوية مملوكة لشركة هولندية، كشفت الكثير عن مسار تهريب البشر، والعصابة الصينية المسؤولة عنها: عصابة رأس الأفعى.

في عام 1993، كانت تلك العصابة نفسها مسؤولة عن حادثة "غولدن فانتور"، التي قضى فيها 10 لاجئين صينيينغرقًا في شواطئ نيويورك الأمريكية، بعد أن أجبروا على القفز رفقة 285 من مواطنيهم، من على ظهر السفينة، والسباحة إلى السواحل الأمريكية، في سيل تقدره الاستخبارات العسكرية الأمريكية بـ100 ألف مهاجر سري صيني يردون أراضيها كل سنة.

الهجرة السرية
في 1993 قضى 10 مهاجرين صينيين غرقًا قبالة السواحل الأمريكية

لاحقًا هذه السنة، كشفت السلطات الألمانية عن شبكة اتجار بالبشر، تتخذ من مجمع للأطعمة الآسيوية في قلب العاصمة برلين قاعدة لها. هذه الشبكة المختصة في تهريب المهاجرين من أوروبا الشرقية إلى ألمانيا، يصفها النائب العام البولندي ميشال سميتوفسكي، قائلًا: "إننا نتحدث عن الاتجار بالبشر وعبودية حديثة تطال حتى أطفالًا من عائلات فقيرة، ويتامى!"

ويجد ضحايا هذه الشبكة، من الذين فرض عليهم دفع مبالغ باهظة، بين 10 و15 ألف يورو، أنفسهم مرغمين على ارتكاب أفعال إجرامية كالسرقة والدعارة وترويج المخدرات لصالح ذات الشبكة من أجل دفع ديونهم.

بانوراما الهجرة السرية من شرق آسيا

حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، هناك طريقتان أساسيتان تعتمدهما شبكات الاتجار وتهريب البشر من شرق آسيا إلى أوروبا: الأولى عبر روسيا ودول البلطيق إلى أوروبا الغربية. والثانية عبر دول وسط آسيا إلى تركيا ومنها إلى البلقان وصولًا إلى نفس الهدف. بينما للولايات المتحدة، تكون عبر دول أمريكا اللاتينية ومنها برًا إلى الولايات المتحدة وكندا.

ويذكر ذات التقرير أن الوسائل المستخدمة في العملية تختلف حسب المنطقة المستهدفة، كما حسب السعر المدفوع من قبل المرشحين. لكن تنقسم إلى ثلاث وسائل: عبر الجو باستخدام وثائق مزورة والانتقال عبر بلدان لا تفرض تأشيرات لدخول أراضيها. أو عبر البر بقطع الحدود مشيًا على الأقدام. أو عبر البحر في حاويات معدة لنقل السلع يتكدسون فيها في ظروف لاإنسانية.

المُهرَّبون، وفقًا لتقرير منظمة الهجرة الدولية، أغلبهم من الصين، تحديدًا من مناطق فقيرة تتفشى فيها الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وكذا من كوريا الشمالية، ممن قادتهم الظروف السياسية وعدم الأمن الغذائي إلى ذاك المصير. وأكثرهم من النساء. فيما تكلف العملية الواحدة بين 10 إلى 50 ألف دولار، تختلف كذلك حسب طبيعة العملية والبلد المستهدف.

تكلف عملية التهريب الواحدة، ما بين 10 آلاف إلى 50 ألف دولار. وأغلب المُهرَّبين من الصين، وبعضهم من كوريا الشمالية

في عمليات محفوفة بالمخاطر، غالبًا ما تتم عبر مخيمات أشبه بمراكز احتجاز تديرها مافيات التهريب، كل شيء فيها مباح من العبودية إلى الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال، كما يرتبط نشاط هذه العصابات بتجارة الأعضاء وتهريب المخدرات والسلاح، يقحم فيها الضحايا عنوة بحجة قهر دفع الديون المترتبة عن عملية الهجرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فضيحة في برلين.. استغلال القاصرين جنسيًا مقابل المال

الاتجار بالبشر في العراق.. تورّط مسؤولين في الدعارة وسرقة الأعضاء