17-مارس-2022
جيب عسكري سوري متهالك

جيب عسكري سوري متهالك

تعيد هذه اللحظة الحربية الصاخبة إلينا صورة جيوشنا العربية، لا سيما أننا نسمع طوال الوقت عن إرسال الأسلحة وإعادة دول كبرى النظر في إنفاقها العسكري، ومن بين ما يستعيده المرء ذكرى إشاعة قديمة تقول إن ميزانية الجيش السوري هي 90 % من الميزانية العامة لسوريا نفسها. المضحك في هذا طبعًا هو أن جميع السوريين يعرفون أن تلك النسبة الخرافية تذهب إلى النهب المشروع لنخبة الضباط، حيث يحولونها إلى قصور وسيارات فارهة، ويحولون الجنود معها إلى بستانيين وطباخين وخدمًا وسائقين شخصيين، في عبودية مؤقتة يعيشها الشباب السوري خلال فترة الخدمة الإلزامية.

كما يفعل الوجه الوحشي في قول فظائع هذا الجيش بمجازره بحق الناس والطبيعة، فإن هناك وجهًا كوميديًّا يقول ما يضيف إلى الغطرسة والعدوانية لمسات الدناءة والجشع

 

وتقل هذه الامتيازات مع تدني الرتب إلى أن تصل في نهاية الأمر إلى شيء من الرشاوى، لكن مع بقاء امتياز الاستعباد المؤقت، حتى لو على مستوى جندي مسخّر كسائق لعائلة الضابط.

وكما يفعل الوجه الوحشي في قول فظائع هذا الجيش بمجازره بحق الناس والطبيعة، فإن هناك وجهًا كوميديًّا يقول ما يضيف إلى الغطرسة والعدوانية لمسات الدناءة والجشع، ومن ذلك قصة عريف بائس، في ثكنة لا تتمتع بأهمية كبيرة كي تحصل على امتيازات في الطعام أو المعدات، ولهذا لم يجد ما يسرقه سوى البيض الذي قام بتهريبه في قوارير بلاستيكية تُستعمل عادةً للماء أو الكولا، بعد تكسير البيض، بيضةً بيضةً، وإدخال محتوياتها إلى القارورة من خلال قِمْع. وبهذه الطريقة المبتكرة ضمن أن يسطو على صناديق عديدة في قوارير لا تلفت الانتباه، يخرجهما في كيس، وفي البيت يحفظها في الثلاجة، وكلما اشتهت نفسُهُ البيض المقلي أسقطَه من القارورة سائلًا إلى المقلاة.

هناك الكثير من هذه الصور الهزلية لجيش يعرف كل من رأى جنوده ومعداته أنه لن ينتصر أبدًا، حتى لو سخّروا له ميزانيات العالم، ما دام قادته قادرين على أن يمكروا في سبيل سرقة ما يدعون أنه مدخرٌ للمعركة مع الأعداء المتربصين بنا، ومن يقول غير ذلك فليتذكر بالمشهد المتكرر دومًا للعساكر الذين يدفعون الشاحنة العسكرية الروسية المتهالكة زيل (ZiL) التي تعطلت بهم، إلى الدرجة التي تجعل من موضوع الإنفاق العسكري الذي يلتهم الميزانية فضيحة متجولة.

في هذه اللحظة نكتشف أننا لم نكن سوى الأعداء الذين طالما تحدثوا عنهم! والمأساوي أنهم حين قرّروا قتلنا بحثوا عن أبخس الأسلحة ثمنًا، ولهذا اخترعوا البرميل المتفجر

 

ما ينطبق على الشاحنات ينطبق على الملابس والبنادق والمقرات، وينطبق أيضًا على شحوب وجوه وهزال أجسام الجنود. في هذه اللحظة الحربية، التي نرى فيها الجيوش أدوات لتنفيذ الاستراتيجيات الأمنية لدولها، في مقابل جيوش أخرى تفعل ما بوسعها لتكون حصون بلدانها. في هذه اللحظة يمر أمامنا شريط علاقتنا مع جيوشنا الأبية التي لم تكن تريد سوى أن تحكم، ولم تتعامل نخبها مع مهمتها الجليلة بغير منطق المصلحة الخاصة، ناهيك أنها فوق هذا وذاك مبنية على أساس طائفي. في هذه اللحظة نوقن أنهم صنعوها لأجل التصدي لنا في اللحظة التي سنقرر فيها التغيير. في هذه اللحظة نكتشف أننا لم نكن سوى الأعداء الذين طالما تحدثوا عنهم! والمأساوي أنهم حين قرّروا قتلنا بحثوا عن أبخس الأسلحة ثمنًا، ولهذا اخترعوا البرميل المتفجر.

اقرأ/ي أيضًا:
حرب الضحيتين