23-نوفمبر-2015

عربات أمن مركزي أمام جامعة القاهرة (Getty)

الله لا يريد قرارًا رئاسيًا حتى يطبع نوره على قلوب عباده، ولا ينتظر لفتة طيبة من رئيس جامعة تمنح العابدين حق الصلاة جهرًا. في هذه الحالة تصبح صلاة بقرار جمهوري، وسجدة بـ"تصريح أمني"، وركعة لمدير أمن الجامعة، وليست لله وحده.

عبر طلاب جامعة القاهرة عن غضبهم من هدم مسجد كلية التجارة، الذي اعتبرته إدارة الجامعة "إخوانيًا صرفًا"

في جامعة القاهرة، أصبحت كل الصلوات سرية، ذكر الله لا يمرّ هنا إلا بـ"موافقة رتبة ميري"، ولا يبنى مسجد جديد إلا بطلب من "أمن الدولة".

ما الذي يجري الآن؟

الركوع بـ"تصريح أمني".. والسجود بـ"قرار جمهوري"

أرادت جامعة القاهرة أن تصنع "جيتو مغلق" لمن يسمع أذان الظهر فتحرّضه نفسه (الأمّارة بالسوء) على أن يصلي، ساهمت في إنشاء مسجد كبير (يسع ألفًا ومائتي مصلٍ في جامعة تضم مائة وثمانين ألف طالب، وثمانية عشر ألف عضو هيئة تدريس!) يفتح قبل الصلاة بخمس دقائق، ويغلق بعد كل صلاة مباشرة لكي لا تتحول الصلاة إلى مظاهرة أو وقفة احتجاجية ترفع "كف رابعة"، وحضر افتتاحه شوقي علام، مفتي مصر، ومختار جمعة، وزير الأوقاف.

ثم بدأت حملة غلق مائتين وخمسين مصلية، وعلّقت أغلب الكليات على أبواب "الزوايا" ورقة تقول: "السعي إلى صلاة الجماعة في المسجد بجوار كلية تجارة، حيث لن يسمح في هذا المكان أو في طرقة من طرقات الكلية. الالتزام بذلك واجب تجنبًا لحدوث أية تعقيدات أو مشكلات تعطل تحصيل العلم".

لم يكن مسجد كلية التجارة، الأقدم داخل الجامعة، بعيدًا عن يد الإدارة الهندسية التي تباشر الهدم والبناء.. فاغتالته بالجرافات، وسوّته بالتراب.

هل خططوا لطرد الله؟ وهل كانوا يعرفون أنهم يحتكرونه في مساجدهم، ويحظرونه عن التجول في الجامعة رغم أن نبيه قال: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»؟

لأن المفتي ووزير الأوقاف "خدم السلطان" ليس أكثر، مجرّد موظفين لدى الدولة، يمدّون أياديهم لتقاضي راتب، ويتورّطون في قضايا فساد أيضًا، لجأت الدولة – كأي دولة تحب الإجراءات والموافقات و"تزبيط الشغل" - إلى دار "الإفتاء"، لاستطلاع رأيهما الشرعي في "غلق المساجد والمصليات"، فصدرت الفتوى تقول: "إغلاق المصليات المنتشرة فيها، حثًا للطلاب على الصلاة في المسجد الجامع، وحضًا على المشي للمسجد وعمارته، وإغلاقًا لباب تستخدم فيه هذه المصليات المتناثرة في نشر الأفكار المتطرفة بين الطلاب والطالبات، وفي هذا تحقيق المقصود للشريعة الإسلامية من صلاة الجامعة في المسجد".

استند "علام"، مفتي الجمهورية، حسبما قال، إلى تفرقة الأئمة بين المسجد والمصلى، وقال: "المسجد وقف لله تعالى لا يجوز تحويله عن مسجديته، بخلاف المصلى فإنه لا يأخذ حكم المسجد في ذلك، بل يجوز تغييره، وهذا هو المعتمد عند أصحاب المذاهب الفقهية المتبوعة، وهذه المصليات في الجامعة غاية ما يمكن أن تكون قد خصصت من قِبَل الإدارة للصلاة، فتأخذ بذلك حكم المصلى، وليس له حكم المسجد، لأنها أجزاء من المدينة الجامعية لم يقصد بها المسجدية عند بنائها ابتداءً".

الرجل خائف على ثواب صلاة الجماعة الذي يقلّ ويتناقص ويتوارى بسبب "صلاة الزوايا"، أو هكذا يريد أن يقول، الجامعة تقول إنها اتخذت هذه الخطوة إقامة للشريعة وإحياء لسنة الجماعة، وزير «الأوقاف» ضلّ الطريق وألقى خطبة عصماء في "جمعة الافتتاح". هل نصدقهم؟

بالطبع لا، حين ترحّب الدوائر الدينية المقرَّبة من النظام بقرار رسمي بإغلاق المساجد وحظّر الصلاة التي جعل الله لها الأرض – كلها – مسجدًا وطهورًا لا بد أن تتحسّس مسدسك، فقد تحوّلوا إلى شيوخ السلاطين، لا رجال الله المقرّبين على الأرض.

حركة "أبناء الأزهر الأحرار" دخلت على خط الأزمة، وقالت إن قرار مجلس جامعة القاهرة بغلق جميع مصليات ومساجد الجامعة، يأتى فى إطار حرب على المقدسات الإسلامية، مشيرة إلى أن شيوخه يتنافسون على تقديم القرابين، حتى ولو كانت لتعطيل شعائر الدين.

وتساءلت في بيان: "إذا كان أي مبنى بالجامعة يأخذ سنوات لحين نهايته، فلماذا تمّ الانتهاء من المسجد الجديد بهذه السرعة؟.. أداء الحكومة مريب، وكل غرضها غلق المصليات والمساجد عداء للدين وخوفًا من طلاب الإخوان".

فيما عبر طلاب جامعة القاهرة عن غضبهم من هدم مسجد كلية التجارة، الذي اعتبرته إدارة الجامعة "إخوانيًا صرفا"، ونظمت حملة "أرض الجامعة جامع" صلاة جماعة في ساحات الكليات، اعتراضًا على القرار، الذي قيّموه بـ"رغبة حكومية في مكافحة سيطرة التيار الإسلامي على المساجد"، وصلى الطلاب في المقدمة، ومن الخلف طالبات يحملن لافتات تطلب بإعادة "فتح المساجد".

يمكن أن تدوّن مشهدين أمامك لكي تفهم ما جرى ويجري.

الأول مشهد هدم مسجد كلية تجارة، كان مهيبًا وضخمًا ومرعبًا، بيت من بيوت الله يتهاوى بلا سبب، وجرارات تفضّ الناس من حوله، بل تفضّه من كتبه وسجاجيده، ومئذنته، كأنه "قلعة العدو الحصينة" المسؤولة عن تخريج "جيوش الظلام الجرارة".

المشهد الثاني لفرد أمن يقف على باب مسجد، يطالع وجوه الطلاب، يعتقل الملتحي، ويمنع من لا يعتبره مسلمًا قوي الإيمان تقبل دعوته، تنفيذًا لتعليمات وأوامر رتبة أعلى منه، كل ذلك بمباركة "المفتي" الذي منح تأشيرة مساواة المسجد بالتراب.. وجعله "نسيًا منسيًا"!

لقد صار بيننا من يمنح "حق الصلاة" و"صك الغفران".

فصل ثمانية طلاب بتهمة "توزيع مصاحف وأحاديث"

في جامعة القاهرة، أصبحت كل الصلوات سرية، ذكر الله لا يمرّ هنا إلا بـ"موافقة رتبة ميري"

بينما تعلن جامعة القاهرة انتخاب رئيسًا لاتحاد الطلاب، كان ثمانية طلاب يحاولون الوصول إلى الدكتور جابر جاد نصار، رئيس الجامعة، بحثًا عن قرار فصلهم، الذي صدر وضاع من شؤون طلاب كلية الحقوق في ظروف غامضة.

القصة تعود إلى صدور قرار مفاجئ بحرمان ثمانية طلاب بكلية الحقوق من دخول انتخابات اتحاد الطلاب بعدما قدموا أوراقهم لمكتب "رعاية الشباب"، المسؤول عن الأنشطة الطلابية، وختموا أوراقهم، وحصلوا على موافقة من الشؤون القانونية تفيد بأنه "لا عقوبات تأديبية تمنع ترشحهم".

وبحثًا عن السبب وراء "الفصل الغامض"، قال الدكتور عبد المنعم زمزم، وكيل كلية الحقوق لشؤون التعليم والطلاب بجامعة القاهرة، لـ"ألترا صوت" إنه تم استبعاد الطلاب الثمانية – من بين مائة وسبعة وثمانين طالبًا وطالبة قدموا أوراق ترشحهم - لتورطهم في الغش داخل اللجان خلال امتحانات العام الماضي، وأضاف: "لهذه الأسباب لا يصلحون لخوض الانتخابات أو تمثيل الكلية طلابيًا".

في الوقت الذي أكد فيه "زمزم" إن الطرد من الانتخابات يرجع لـ"الغش داخل اللجان"، كان الطلاب الثمانية على باب مكتب الدكتور جابر نصار، يطلبون الاطلاع على "قرار الفصل" والحصول على نسخة منه للطعن ضده، والاستئناف أمام مجلس الجامعة حسب ما تسمح لهم اللائحة الطلابية وقانون الجامعات.

وتقول رانيا محمود عبد ربه، الطالبة المفصولة، لـ"ألترا صوت" إن القرار مخالف لقانون الجامعة، الذي ينصّ على أن قرار الفصل لا يصدر مباشرة، إنما يسبقه التحويل للتحقيق ثم حضور مجلس تأديب أمام عميد ووكلاء الكلية، وهو ما لم يحدث.

وتروي "رانيا" ما جرى في التحديد يوم استبعادهم من انتخابات اتحاد الطلاب: "فوجئنا بعدم وجود أسمائنا في الكشوف النهائية للمرشحين لاتحاد طلاب كلية الحقوق، سألنا مكتب شؤون الطلبة: لماذا؟.. كان الرد إنه صدر قرار أمس بفصلنا من الكلية لمدة أسبوع".

وتضيف: "طلبنا – الطلاب الثمانية – الاطلاع على قرار الفصل، رفضوا، وأطلعونا على ورقة مدوَّنة بخط اليد تقول: وقّع قرار الفصل بناء على قيامهم بتوزيع منشورات دينية ومصاحف يوم الأحد الموافق الثامن عشر من أكتوبر".

ابحث عن يوم الثامن عشر من أكتوبر في أجندة الأحداث السياسية المصرية ستجده صباح اليوم الثاني في انتخابات البرلمان، الذي صدر قرار من شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، باعتباره "نصف يوم" فقط للطلاب والموظفين. أكثر من ذلك، إن قانون ولائحة الجامعة لا يوقعان عقوبة لمن يوزع المصاحف والمنشورات الدينية.

تؤكد "رانيا" أن الطلاب الثمانية من دفعات مختلفة، ولا علاقة لهم ببعضهم من الأساس، ولا ينتمون لحركات ثورية، وتتساءل باستغراب: "إذا كان اليوم الدراسي لم يكتمل، والجامعة أغلقت أبوابها.. فمتى وزّعنا المنشورات الدينية والمصاحف والأحاديث؟ ولماذا لم نحوّل للتحقيق؟ ولماذا لم تمنعنا الكلية من تقديم أوراقنا للانتخابات منذ البداية؟ ولماذا أعلن وكيل الكلية أن الفصل بسبب الغش ثم غيّرت الكلية أسبابها فما بعد".

كانت الجامعة وضعت شرطًا مطاطًا في اللائحة يفرض على الطلاب المرشحين "الانتظام في النشاط"، وجرى استبعاد بعض الطلاب الذين ليست لهم أنشطة تذكر، فأوضحت "رانيا": "كل المستبعدين (المفصولين) لهم أنشطة طلابية، ومنهم عضو اتحاد طلاب سابق. بالإضافة إلى أن الكلية كرّمتني ومنحتني شهادة تقدير على مشاركتي في الكتابة بالمجلة التابعة لها".

المفصولون ينتمون لجميع القوائم المرشحة على مقاعد اتحاد الطلاب، وهي "هنغير" و"سفراء" و"حقوق فوق الجميع"، التابعة لحزب "مستقبل وطن"، الذي يرأسه محمد بدران، رئيس اتحاد طلاب مصر السابق.

ويروي علي أحمد قناوي، عضو اللجنة الفنية باتحاد طلاب "حقوق" السابق، والذي تمّ فصله أيضًا، تفاصيل ما جرى، قائلًا: "ليست لي علاقة بأي أعمال شغب تجري في الجامعة، ولا أتدخل في توزيع منشورات دينية أو غير دينية، ولا أنتمي لحزب أو حركة سياسية ولا أحد من الطلاب ينتمي لها.. أنا كنت عضوًا في اللجنة الفنية، لا علاقة لي إلا بمسرح الكلية".

ويضيف "علي" لـ"ألترا صوت": "الكلية رفضت منحنا قرار الفصل للاستئناف، وهو ما يثير القلق لأننا لم يتم إنذارنا أو منحنا فرصة للدفاع أو إبلاغنا بقرار الفصل في وقت مبكر، وما سمعته من موظف بالجامعة أنهم (مش عايزين الطلاب دول يدخلو الانتخابات هذه السنة بناء على توصيات أمنية)".

ممّا مرّ به "علي" خلال محاولاته هو ومن معه لمعرفة أسباب الفَصْل الغامض، وسر هروب رئيس الجامعة من مكالماتهم، يقول: "سمعت من القائمين على مكتب شؤون الطلاب أنه لا يوجد قرار فصل صدر، ولا تم فصلنا، كل ما جرى أن الكلية أرادت استبعادنا من الانتخابات وفشلت في إيجاد طريقة إلا إبلاغنا بفصل (وهمي) وتمزيق أوراق ترشحنا لحين انتهاء الانتخابات".

اقرأ/ي أيضًا:

الفصل التعسفي..سلاح السلطة في وجه طلاب مصر

اتحاد طلاب مصر..الطريق مفتوح ل"شباب السيسي"