24-أبريل-2016

الجربا مع دحلان أثناء إعلان تياره من القاهرة (وكالات)

بات من الواضح أن مباحثات السلام "الروسية" المنعقدة حاليًا في جنيف، بدأت تخرج عن إطار التماهي مع الاعتراف بمن هم موجودون ويتفاوضون باسم الشعب السوري ممثلين عن معارضته، وهو ما بدا واضحًا في تلميحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حين تحدث عن إمكانية استبدال وفد "الهيئة العليا للمفاوضات"، بوفدٍ بديل عنها، في إشارة لـ"تيار الغد السوري" بقيادة الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، الذي خرج مؤخرًا من القاهرة، برفقة مستشار آل زايد المطرود من حركة فتح محمد دحلان، معلنًا عن تياره المعارض الذي بدأ يطفو إلى السطح معبرًا عن طبيعة المهام التي يمكن القيام بها، بل والغايات من وراء خلق مثل هذا التيار بدعم استخباراتي واضح من حلف/أحلاف الثورة المضادة، على الأقل هذا ما تشي به تلميحات لافروف الممتلئة ثقة بتوافر "البديل".

إعلان الجربا لتياره "المعارض" من القاهرة برعاية إماراتية ليس إلا إشهارًا لوكالة ارتزاق وتحالف إماراتي-روسي ضد الشعب السوري وثورته

إلا أن هذا التلميح جاء مسبوقًا بعدة تجهيزات عملت على رسم خطتها موسكو لتمهيد الطاولة لما هو "أعظم/أجرم"، قبل انعقاد مباحثات جنيف مطلع آذار/مارس المنصرم، عندما أعلن أحمد الجربا من القاهرة تأسيس "تيار الغد السوري"، برعاية روسية-إماراتية-مصرية، وعضوية معارضين سابقين في المجلس الوطني السوري، والائتلاف السوري المعارض، ومعارضين مستقلين، على ما ذكر خلال المؤتمر التأسيسي للتيار.

اقرأ/ي أيضًا: الجربا من القاهرة.. سلام للثورة المضادة

ولعل النقطة الأبرز، كانت في الحضور الدبلوماسي الذي شهده المؤتمر، بحضور ممثلين عن السفارة الروسية، وممثلين عن الرئاسة المصرية، وشخصيات دبلوماسية، تتلاقى مصالحها مع التحالف الروسي، حليف نظام بشار الأسد الأبرز.

من هذا الباب بات من المستحيل عدم تجاهل تأسيس الجربا منذ فترة قصيرة، لما يسمى "قوات النخبة"، والتي قال إنها ستحارب في محافظة الحسكة شرق سوريا ضد تنظيم داعش، إضافة إلى إعلانه استقالته من الائتلاف السوري المعارض، والهيئة العليا للمفاوضات، واستباقه للحديث عن أي ملفات فساد وارتباطات استخبارية تتعلق باسمه وبفترة تواجده في الائتلاف والهيئة، بل وقبلهما، بإطلاق عدة فقاقيع تمويهية ضد شخصيات سورية معارضة، على نسق تحقيق الضربة الاستباقية.

اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. في انتظار منطقة خضراء

وفي هذا الصدد يجب التذكير بأن الجربا أعلن خلال المؤتمر التأسيسي لتياره، عن دعمه لقوات سوريا الديمقراطية، العاملة تحت جناح حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، إضافة إلى ذلك تحدث الجربا خلال المؤتمر، عن نظام لامركزي تقوده حكومة مركزية مركزه العاصمة دمشق، وهو ما يطالب به الأكراد، بل ويسيرون في خطوات عملية نحو تطبيقه، إذ أعلنوا فيدراليتهم منذ شهر تقريبًا، طبعًا بمباركة الجربا، دون توافر أي وضوح فيما يختص بمستقبل المفاوضات على مصير النظام ورأسه، أو حتى وحدة سوريا والشعب السوري، الذي يحلو للجربا ومنشدي جوقته أن يصنفوه طائفيًا حينًا، وعرقيًا في أحيان أخرى، والأنكى أنهم يرسمون تحالفاتهم وغزلهم أو هجائهم لهذا الطرف أو ذاك في الساحة السورية بعيدًا عن الأرض، وحتى بعيدًا عن المعارضة، إنما بقرارات مباشرة شبه متوافق عليها روسيًا إماراتيًا!

يتمتع الجربا بسجل وافر من الترزق وتلقي التمويل وبيع المواقف منذ أن كان فعالًا في الائتلاف، بل وقبل ذلك بكثير

على ضوء المعطيات السابقة، أمسى من المتاح الحديث عن أن موسكو، بدأت ترسم ملامح معارضة جديدة، تلائم قياساتها ومصالحها واحتفاظها بقواعدها ونفوذها في "سوريا المفيدة" إلى جانب طموحات صقور نظام الأسد بدرجة تالية، بعيدًا عن كل ما يمت بصالح الحل السياسي، وبعيدًا أكثر عما يلائم أو يخدم وقف المقتلة السورية وتلقي كل مجرم حصاد جرمه. معارضة "جديدة" ممولة من أرباب الثورة المضادة وموجهة من أعتى داعمي الأسد! تلك هي المعارضة التي ينتظر الجربا توجيه الكرملين ومباركة آل زايد لكي يتزعمها، وهو الذي بدا من خلال مؤتمره التأسيسي، أنه البديل الذي لطالما انتظرته موسكو، أي تلك "المعارضة الكول" خفيفة الظل على مصالح كل من تقع مصلحته بتضاد مع مصلحة الشعب السوري المنكل به، والتي ترى في نظام الأسد حليفًا شرعيًا في محاربة كل ما يمت لثورة الإنسان السوري بصلة، لا شك بحجة التحالف في وجه "الإرهاب"، يبدو أن أطفال دوما والغوطة هم الإرهابيون، وليس من يقبضون ثمن دمائهم أو أولئك الذين يتلذذون بسفكها مع مطلع كل شمس على المحرقة السورية.

للإنصاف لا يمكن إلا الاعتراف بأن منسق وفد الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، أظهر دبلوماسية رفيعة المستوى في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه، قرار الوفد بتعليق المفاوضات، بعد مجازر النظام الأخيرة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، وتعامله مع الهدنة وكأنها مساحة تلهي وإشارة خضراء من المنتظم الدولي بتحقيق بعض الإنجازات على الأرض على قاعدة بشار الأسد "العبقرية" في عنجهيتها القائلة بأن "الهدنة ليست بالضرورة وقفًا لاستعمال السلاح"، هذا أزعج الروس كثيرًا، وهو ما جعلهم يستنجدون بتيار الجربا، فهنا تبرز الحاجة لمعارضة الارتزاق، تمامًا عندما تصدم إرادات الداعمين ومشاريعهم بمواقف معارضة موحدة من طيف واسع، ولا تهاون فيها فيما يتعلق بالدم السوري، يكون الجربا سيد الموقف لدى الممسكين بخيوط مسرح عرائس المعارضة الزائفة، أو لنقل الجاهزة للانطلاق ضمن أي مدى وفق ما تتلقاه من رشقات تمويلية، أو على وزن أي طبل يهواه الأسياد، هذه هي الحاجة التاريخية الملحة لأمثال الجربا، ويمكن إجمال مسلم ودحلان وغيرهم الكثير من المشتغلين في الحقل الاستخباري/السياسي، ولا نقول السياسيين.

اقرأ/ي أيضًا: كوميديا الثورة السورية

مثار السخرية في هذا المضمار أن كل هذا التعويل الروسي الإماراتي يحصل بينما التيار/تيار الجربا حديث النشأة، وظهر مستثمرًا منذ البداية، فهو ضم معارضين بارزين للنظام السوري مثل بهية مارديني، وعمار القربي، وهو بديل ترى فيه موسكو، سندًا لها في محاربته للإرهاب، وبذلك يكون أصبح لها أكثر من ذراعٍ عسكري في سوريا، ما يجعلها تشكل وفدًا جيدًا، غير الوفود السابقة التي ضمت قدري جميل، الابن المدلل عند موسكو، وهيثم مناع، نموذج المعارض المحبب على قلب الممانع، فهو يسير على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" تجاه الأسد ونظامه، متلحفًا بشعارات ديماغوجية لا تعدو كونها "مانشيتات" كتلك التي كانت لمسرح عرائس معارضة خروتشوف في مجلس الدوما السوفيتي.

لا الجربا ولا كل أرباب المال السياسي من شأنهم تمثيل الشعب السوري ومصالحه

وهنا يأتي دور الجربا، في أن يكون رئيس الوفد المفاوض الذي تفرضه موسكو، فالجربا لم يعلن عن أن "قوات النخبة" ستحارب إلى جانب قوى المعارضة السورية ضد النظام السوري وتنظيم داعش، بل قال إنها ستقاتل تنظيم الدولة فقط، أي أنها ستكون على حلف إلى جانب النظام السوري والمليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه، ليكون قائدًا لميليشيا تتبناها موسكو، لكن بربطة عنق من باب التنويع في وجوه التشبيح.

ولطالما ترافقت مسيرة الجربا بالانتقادات والتحفظات والتهم المثبتة والشائعات شبه المؤكدة، منذ أن كان رئيسًا للائتلاف، لكن الموجة الأخيرة من "التلميع الموسكوفي" للجربا أظهرت مدى هشاشته، وميوله نحو السلطة، تحالفه الأخير مع موسكو، ليس إلا طعنة جديدة في خاصرة الثورة، وانفتاح جيبه على المال الإماراتي كذلك، ففي الوقت الذي يحاول وفد الهيئة العليا للمفاوضات، الحصول على مطالب الشعب السوري الشرعية، يظهر الجربا غير مبالٍ، تلميذًا نجيبًا، ينفذ ما يمليه عليه أستاذه الروسي من وظائف وشيكه الإماراتي من مواقف، بينما لا يغيب عن الرجل أيضًا الغمز من البوابة الكردية للبيت الأبيض وفرنسا، بأن نحن هنا، عبرونا، معارضة بأسعار مخفضة!

اقرأ/ي أيضًا: 

سيناريوهات لقراءة "الانسحاب الروسي" من سوريا؟

انسحاب بوتين.. إعلان تأمين حدود "دولته" في سوريا

لماذا يتحدث دحلان؟