11-أكتوبر-2022
جون دبفات

لوحة لـ جون دبفات/ فرنسا

1

كل هذا الشقاء بدأ بملاحظتي للأشياء الصغيرة

لانعكاس صورتي في مصباح سقف الغرفة

وكيف جسدي -المثير في أحيان أخرى-

يبدو معقوفًا مثل كعكة مقضومة

لاحظت أيضًا أن أظافري لا تطول أبدًا

وأني لا أكثر الكلام إلا معك...

أود أن أتحدث معك

عن امرأة أمضت عمرها بالبحث عن البحر

وحين وصلت

اختارت لنفسها حجرًا أسود لبرد قدميها

وعادت لتبحث (مجددًا)

عمن يقدر نعومتهما...

ربما أخبرك أيضًا عن امرأة

كتبت كل ما تعرف

عن نفسها على أوراق وأحرقتها

كي تصبح قادرة على كتابة رواية.

حاولت أن أفهم هوس النساء بتجميل أظافرهن

كلما ازدادت المرأة قوة أهملت أظافرها

النساء القويات يجرحن بسكونهن

يخدشن لامبالاة الآلهة

بعيونهن الخاليات من الكحل والدهشة

يتحولن مع الأيام لأشجار سنديان عتيقة

وتنبت فوق صدورهن طحالب خضراء

أحاول أن أصف لك

نظراتهن الخالية من الكحل والدهشة

التي تمر كخيط الضوء

من فوق الحطام

وتنتهي في مكان وجد فقط في قلوبهن..

أحاول أن أخبرك عن ذلك المكان أكثر

ترتحل نظراتي فوق تقاسيم وجهك

لكن الأشياء الصغيرة تخطفني مجددًا

وأسقط في الدمعة المحفورة فوق شفتك العليا

تلك الدمعة التي تشبه بحيرة

في مكان

وجد في قلبي أنا فقط.

 

2

قليلة هي المرات التي لفظت فيها اسمك

وكثيرة هي الأسباب التي تحرمني من نطقه

ربما لأن صداه مدوّ

وفمي الصغير يكبل الصدى.

ربما لأنه يتفجر كالينابيع في حلقي

ولا سبيل للسيل أن ينسكب في مستنقع ضوء

لاسمك رهبة..

وكل ما بي صغير ومتعب

لاسمك هبوب

وأنا قطرة معلقة في أسفل ثمرة

لاسمك رحمة

تحاكي في مزاجيتها رحمة الآلهة

لاسمك ساعاته..

وكأنه يحتفظ بسطوته لليلة مُرّة

حيث يهبني أفيونه

فأردده بإصرار محتضر على البوح

وأهذي..

حتى يسلبني النوم إياه.

 

3

ربما كنت أخبّئك من الحزن

حين اختطفتك وأنت في الأربعين

من أمام الباب المخلوع

لطفولتك

لبستُ ملابس مهرّج وحوّلتك إلى طلاء

رسمت به ضحكة حمراء عريضة

تمتدّ من طفولة لا أذكرها

إلى حياة أتمنّى أن أنسى معظمها

وضعتك جنب الرسائل الموجّهة لله

في وعاء الأرز الأسمر

لامرأة أصبحت تخاف الفرح

بنفس القدر الذي تخاف به السمنة

كلّ شيء يتباطأ حين نقترب من الأربعين

حرق السعرات الحرارية

اللذّة

الخوف

كلّ شيء يصبح حقيقيًا

مثل لمعة سكّين تحت برق الذاكرة.

 

حاولت أن أخبّئك في ضحكة طفلتي

ظنًّا مني أن الحزن لا يقترب من الأطفال

ولكن طفلتي كبرت فوق رقعة شطرنج الخيارات...

وجدكما الحزن في قلبي معًا

وأعادكما إلى طفولة ذات باب مخلوع.

 

في الليل حين تنقطع الكهرباء

أفتح يدي، وأتركك

تمشي فوق تشقّقات بطني

أشعر بخطواتك داخل رحمي

لكن حُفر الأمومة لا تنتهي

وكذلك سقوطك الحرّ فوق

كلّ الحيوات التي عشتها

سقوطك الحرّ فوق حياة

وحيدة أودّ أن أتمسك بها.

 

4

 

"اتركوا جميع الأشياء خلفكم في حالة الهبوط الاضطراري"

أستعيد هذه الجملة وأنا أهوي في داخلي

أُفرغ جيوبي من الأحجار

وأدعها تسقط تباعًا

 

حجر لأول الكلام

جلبْتُه لأمي بعد أن خطوت خطواتي الأولى

لم أكن أعلم أنه سيبقى

في حلقها إلى الأبد

 

حجر لأمومتي النّهِمة

عثرتُ عليه

وأنا أتشبّث بالأرض

قبل أن يبتلعني رحمي

 

حجر لآخر الكلام

للحب الذي جاء بنصف ابتسامة

وملعقة خشبية طويلة

لتحريك الخوف

فوق شمعة الليل الطويل

 

حجر للصمت

للسقوط الحر

لإدراكنا أن الخط الذي كان يفصلنا

عن أشيائنا

اختفى

 

حجر تلو الآخر

هكذا بكليّتنا

نسقط وفق التعليمات

في حالة الهبوط الاضطراري.