05-مايو-2023
Getty

يمكن أن يعزز التطبيع مع نظام الأسد من استخدام السفارات ضمن جهود القمع (Getty)

يتقدم نظام الأسد، في طريق إعادة التطبيع معه وإعادة تأهيله، وتحديدًا على مستوى بعض الدول العربية، بعد قطع العلاقات معه، على خلفية قمعه الوحشي للثورة السورية منذ عام 2011، وبعد كل هذه السنوات رفض الأسد تقديم أي تنازلات خلال عملية التطبيع معه، مع استمرار العقلية الأمنية في حكم كل تصرفاته.

الوثائق تكشف عن استخدام نظام الأسد للسفارات في عمليات قمع وترهيب وتجسس

وفي هذا الإطار، كشف المركز السوري للعدالة والمساءلة عن مراسلات استخبارية داخلية، توضح كيفية استخدام النظام السوري لسفاراته في الخارج لملاحقة المعارضة السورية، والمتابعة الدقيقة والمراقبة والتجسس على الجاليات السورية بالخارج، في محاولة للسيطرة عليها.

وتحت عنوان "آليات المراقبة الخارجية وشبكة السفارات السورية في الخارج"، كشف التقرير عن شبكة مراقبة متطورة، مكونة من أجهزة مخابرات تابعة لوزارة الداخلية والدفاع في سفارات النظام في 17 دولة. 

Getty

ويوضح التقرير كيف كان التجسس على اللاجئين السوريين، أحد "أعمدة السياسة الخارجية للنظام السوري". حيث يشير التقرير إلى أن "تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع النظام وإعادة فتح السفارات سيوفر وسيلة حاسمة لإحكام قبضته على المواطنين السوريين في الخارج".

السفارات كمراكز للتجسس

اعتمد المركز على تحليل آلاف الصفحات والوثائق التي أخذت من مرافق تتبع للنظام السوري، وكانت صادرةً في الفترة الممتدة بين أعوام 2009 و2015. ورغم أن المركز الحقوقي ومقره واشنطن، نشر تقارير عدة عن الموضوع بين 2019 و2020، إلا أن الجديد هو 43 صفحة تتحدث عن ممارسات لم يتم تأكيدها في الفترة بين 2009 و2012. 

ويتعلق الأمر بعمليات تجسس تقوم بها أجهزة أمن النظام في عدد كبير من الدول، حتى التي تتواجد فيها جالية سورية صغيرة، كاليابان مثلًا.

Getty

وفي وثيقة تم تعميمها على رؤساء فروع الأمن السياسي، طلب رئيس الشعبة الحصول على معلومات حول "المحرّضين" المعارضين، في الدول التالية: فرنسا وبلجيكا وتركيا وروسيا ولبنان.

كما جاء في وثائق أخرى، أن سفارات وقنصليات النظام تعمل على مراقبة السوريين في بيلاروسيا وبلجيكا وقبرص ومصر وفرنسا واليونان والعراق ولبنان وروسيا والسعودية، بالإضافة إلى تركيا وأوكرانيا واليمن والمملكة المتحدة.

إدارة عمليات المراقبة 

وبحسب تقرير المركز الحقوقي، فإن النظام يحشد كامل موارده في المناطق التي تتواجد فيها الجالية السورية بشكل كثيف، لإدارة عمليات المراقبة، مثل تركيا ولبنان.

وفي إحدى الحالات في مطلع عام 2012، شاركت قنصلية النظام في غازي عنتاب بتركيا معلومات متعلقة بمعارض سياسي ورد أنه قام "بترديد عبارات سلبية ضد رئيس النظام وجيشه". وتكشف وثيقة أخرى اختراق عميل للنظام صفوف المعارضة، وعقده عدة لقاءات وحصوله على معلومات حول تشكيل تيار سياسي جديد معارض، وحضر العميل في وقتٍ لاحقٍ حفل انطلاق المجموعة المعارضة الذي نظمته في مدينة أنطاكيا التركية.

وتقدم الوثيقة دليلًا ملموسًا على أن النظام السوري دفع أموالًا وأرسل مخبرين من داخل سوريا إلى الخارج للتجسس على المعارضين. 

وفي لبنان، تشير وثيقة مؤرخة في آذار/مارس 2012 إلى معلومات عن اجتماعات للتنسيق المكثف بين جماعات المعارضة في طرابلس وعكار، حيث جُمعت عن طريق مراقبة السوريين الذين يرتادون مسجدًا في شمال البلاد.

كما جاء في إحدى الوثائق الصادرة في نيسان/ أبريل 2012 والموسومة بأنها عاجلة، وتدور حول تقديم طلب للحصول على معلومات عن سجين سوري في سجن سعودي، عبر سلسلة طويلة امتدت من سفارة النظام في الرياض، إلى وزارة الخارجية، قبل إرسالها إلى وزارة الداخلية في النظام، ورئيس شعبة الأمن السياسي، لينتهي بها المطاف عند رؤساء فروع الأمن السياسي في المحافظات.

Getty

مخاطر التطبيع مع نظام الأسد

ويرى التقرير مخاطرةً في إعادة عدة دول عربية التطبيع مع النظام السوري، مشيرًا إلى أنه سيؤدي إلى تنسيق أمني واستخباري متزايد، كما أنه يمكن النظام السوري، في دول كالأردن وتركيا ولبنان، التي تستضيف مجتمعة ما يقرب من 6 ملايين لاجئ سوري، من تعزيز قدرته على الانتقام من المعارضة السياسية.

وكجزء من أي تفاهمات تخص عودة اللاجئين من لبنان وتركيا، يحذر التقرير من أن عودة اللاجئين ستواجه تدقيقًا أمنيًا مكثفًا من قبل أجهزة مخابرات النظام. ونتيجة لذلك، يقول التقرير، إن "حجم المعلومات التي يمتلكها النظام عن السوريين في الخارج يجب أن يعزّز تدابير حماية اللاجئين وأن يردع التعاون السابق لأوانه في حملة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد".

طاقم السفارة.. أدوات للقمع 

وفي وثائق عديدة كشفها تقرير المركز، قام النظام السوري بحشد طواقم السفارات لاستهداف وقمع المشاركين في المظاهرات في الخارج. حيث أشار نشطاء المعارضة في المملكة المتحدة إلى قيام عملاء السفارة بزيارة منازلهم وتهديدهم.

ونشرت منظمة العفو الدولية، معلومات عن وجود عمليات مراقبة وترهيب من قبل أفراد من سفارة النظام، وقد وثقت المنظمة أكثر من 30 حالة لنشطاء يعيشون في أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية، تعرضوا للترهيب والتهديد بالقتل من قبل طواقم سفارات النظام بسبب نشاطهم المعارض، وفي حالات أكد الضحايا أن طواقم السفارة اعتدوا عليهم جسديًا، بينما تعرضت عائلاتهم في سوريا للترهيب والاعتقال وحتى التعذيب كإجراء انتقامي من قبل نظام الأسد. 

وفي ألمانيا، طردت السلطات أربعة من طاقم سفارة النظام لمشاركتهم في أنشطة "تتعارض مع وضعهم الدبلوماسي".

 

أصوات من تحت الركام

ترهيب الشهود

يؤكد المركز الحقوقي في تقريره، على خطورة إعادة فتح سفارات النظام في الخارج، إذ أن ذلك "يخلق عقبات أمام الملاحقات القضائية بموجب الولاية القضائية العالمية، فعلى سبيل المثال كان إحجام الشهود عن المشاركة في التحقيق بسبب مخاوفهم من مواجهة أعمال انتقامية أو تعرّض عائلاتهم في سوريا لأمر مماثل قد شكّل عقبة كبيرة أمام جمع الأدلة"، وهو ما جرى في محاكمة كوبلنز بألمانيا، عندما مثل كل من إياد الغريب والضابط المنشق أنور رسلان أمام المحكمة.

أما بما يتعلق بالمحاكمة المستمرة في فرانكفورت لعلاء موسى، وهو طبيب سوري سابق متهم بتعذيب ضحايا في مستشفيات عسكرية تابعة عن النظام، فقد تكرر الحديث عن تعرّض الشهود وذويهم لتهديدات أمنية تطلب منهم التراجع عن المشاركة في المحكمة، وأبلغ شهود عن تهديدات وترهيب لعائلاتهم في سوريا. 

وفي المحكمة السابقة، كشف شاهد عن تعرضه وعائلته لتهديدات عدة من قبل عناصر النظام في عدة دول أوروبية، وذلك من أجل ثنيهم عن الشهادة التي تكشف الجرائم التي ارتكبها موسى.

يمكن أن يعزز التطبيع مع نظام الأسد من استخدام السفارات ضمن جهود القمع

ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، إذ كشف أحد المدّعين في جلسات سابقة، عن اعتقال أمن النظام لابن شقيقته المقيمة في سوريا، بالإضافة إلى تعرّضه لمضايقات من قبل أشخاص يتبعون النظام، مع سلسلة مع رسائل التهديد على سيارته في مكان إقامته. ومؤخرًا، قامت النرويج بتسليم سوري مقيم لديها إلى ألمانيا لصلته بترهيب الشهود.