06-فبراير-2016

يتعرض طلبة الجزائر إلى تعقيدات إدارية مختلفة(فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

أنهكه التعب. لم تكن رحلة الدكتور عادل، 33 سنة، سهلة حيث قطع مسافة 810 كيلومترًا من مدينة ورقلة نحو العاصمة الجزائرية، وبدأت آنذاك معركته الأولى من حرب طويلة، قادها للحصول على نسخ رسمية من شهاداته الجامعية، هكذا تحدث لـ"الترا صوت". رحلة البحث عن وثيقة أصلية استمرت أزيد من ثمانية أشهر، ولا يزال الدكتور عادل، طبيب عام في إحدى مستشفيات الجنوب الجزائري، يكرر المحاولة. فترة طويلة قضاها يدق أبواب مديريات التربية في مدينته بمحافظة ورقلة والعاصمة الجزائرية. يتنقل من مكتب إلى آخر من أجل الحصول على الشهادات الدراسية، التي تمكنه من إتمام ملفه لمواصلة الدراسة في الخارج.

يعاني طلبة الجزائر تعطيلات وتعقيدات إدارية مختلفة من أجل الحصول على نسخ رسمية أو نهائية من شهاداتهم الجامعية

الحكاية بدأت قبل خمس سنوات، عندما راودت هذا الطبيب أحلام إتمام بحوثه العلمية في مجال الطب بفرنسا وهو يحتاج من أجل ذلك إلى شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) الأصلية، التي استلمها سنة 1996 لكنه أضاعها، وهو مطالب بإعادة استخراجها لكنه يلاقي صعوبات مختلفة من الإدارة الجزائرية. اضطر عادل إلى أخذ إجازة دون أجر، لمدة ثلاثة أشهر، من أجل التفرغ لإعداد الملف اللازم وكل الوثائق المطلوبة، إلا أنها فترة قصيرة بالمقارنة مع العراقيل والمعوقات التي عطلت مقصده بفعل ما أسماه "البيروقراطية التي تجذرت في الإدارة الجزائرية"، هكذا أضاع عادل سنتين ولا يزال ينتظر للحصول على كل الأوراق.

قصة عادل ليست الوحيدة، فكل من قام بالخطوة الأولى نحو إجراء مسابقة أجنبية أو الهجرة نحو الخارج وإتمام الدراسات العليا تعرض لصعوبات مشابهة. قصة محمد الطاهر، 32 سنة، "مأساوية" بعد ضياع ملفه بالكامل، وبدأت إثر ذلك رحلته من أجل تجديد كل الوثائق من شهادة الباكالوريا وشهادة "الليسانس" (البكالوريوس) وشهادة الماجستير، ليجد نفسه في مواجهة يومية مع عدو اسمه الإدارة، حسب تصريحه لـ"الترا صوت".

للحصول على نسخة أصلية من شهادة الباكالوريا مثلًا، لابد من تسجيل طلب إلكتروني ليتم الرد عليه بعد ذلك بثلاثة أسابيع أو شهر، ثم يتم تحويل الشهادة إلى مديرية التربية التابعة للمؤسسة التي تخرج منها الطالب في البكالوريا لتصديقها وتصبح صالحة في الخارج، ونفس الأمر بالنسبة لشهادة "الليسانس"، التي طريق الحصول عليها صعب المنال مقارنة بشهادة الباكالوريا وتستغرق حوالي 45 يومًا، لأنها ستوقع من أربع جهات إدارية مختلفة. أما شهادة الماجستير، فيتطلب استخراجها من جديد حوالي 120 يومًا، وكل ذلك من أجل التقدم لدراسة مرحلة الدكتوراه. يمر الملف بين وزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فضلًا عن وزارة الخارجية إن كان الملف سيحوًل إلى جهة علمية في خارج البلد.

لا تسلم الجامعات الجزائرية إلا شهادات مؤقتة لطلبتها عند إتمام سنوات الدراسة بنجاح ويتطلب الحصول على الشهادة النهائية عدة سنوات 

يرى بعض الطلبة أن الحصول على الشهادات الجامعية أصبح مؤرقًا، خصوصًا، وأن المؤسسات الجامعية الجزائرية لا تسلم إلا شهادات مؤقتة بعد إتمام سنوات الدراسة بمرحلة معينة، واستلام الشهادة النهائية يكون بعد سنوات تتراوح بين 4 و5 سنوات. في المقابل، لا تعترف بعض المؤسسات خاصة الأجنبية بالشهادة المؤقتة خاصة إذا تعلق الأمر بطلب الحصول على عمل، وهو ما تؤكده الطالبة إيمان علال، من جامعة البليدة بالجزائر، لـ"الترا صوت" وتضيف: "أضاع الكثيرون فرص عمل في الجزائر بسبب تأخر الحصول على الشهادة النهائية باعتبارها وثيقة رسمية تثبت تخرجهم من الجامعة".

وفي هذا الإطار، يقول الطالب عيسى مجرد لـ"الترا صوت": إنه "منذ أن تخرج من الجامعة في سنة 2012، لم يتحصل بعد على الشهادة النهائية، وكلما يقدم طلبًا للحصول على عمل يرفضون الشهادة المؤقتة فتضيع عديد الوظائف".

من المشاكل التي تواجه الطلبة الجزائريين أيضًا، اعتماد شهاداتهم خارج الجزائر. في هذا السياق تقول سامية حميش، الإعلامية المختصة في شؤون الطلبة والباحثين، "أحلام الكثيرين سقطت في الماء بمجرد عدم اعتراف بعض الجامعات الأجنبية بالشهادات الجزائرية"، وهو ما يعني أن الطالب الجامعي الجزائري يضطر إلى إعادة دروس خاصة، وتلقي دروس تحسين اللغة من أجل أن يحصل على شهادة تطابق نوعية الدروس ليتم الاعتراف به لإتمام الدراسات العليا".

وتطرقت الإعلامية حميش إلى وضع الكوادر والباحثين الجزائريين العائدين إلى أرض الوطن والحاملين معهم شهادات عليا من دول أجنبية، أنهم يجدون أنفسهم أمام مشكلة عدم مطابقة الشهادات العليا وعدم الاعتراف بها لانعدام الاتفاقيات العلمية بين الجزائر وبعض الدول وهو ما يغرق الباحثين عن العلم في دوامة اسمها "الشهادة".

اقرأ/ي أيضًا: 

أي مستقبل لدراسة العلوم السياسية في الجزائر؟

استنساخ الرسائل الجامعية في الجزائر.. أرقام مخيفة!