25-أبريل-2019

يعد نموذج جنوب أفريقيا مثالًا على تحكم أقلية بأغلبية السكان (Getty)

في الواقع شهدت البشرية أكثر من نموذج لهذا اللون من التعصب، كما حدث في "جنوب إفريقيا" حيث كانت الأقلية البيضاء "من أصل أوروبي" تمارس اضطهادًا جماعيًا شاملًا ضد أغلبية أفريقية من سكان البلد الأصليين. وكما هي حال الأقلية اليهودية التي تعتبر مثالًا صارخًا لهذا اللون من تعصب الأقلية ضد الأغلبية، وكما في بعض بلدان الأنظمة العربية، حيث أفضت ممارسات بعض الأنظمة التسلطية إلى تحكم أقليات بالسلطة تحت عنوان القومية والعلمانية، لكنها بالحصلية مارست سياسات التمييز والقمع تجاه الأغلبية.

المركزية الإثنية هي نزوع مجموعة بشرية ما إلى اعتبار نفسها مجموعة مرجعية لسائر المجموعات البشرية وربما للعالم بأسره، وهذا يأتي عن شعور صريح أو مضمر بالتفوق

في دراسته لموضوع الأقلية يقول عالم الاجتماع الأمريكي وليم غراهام سمنر "إن المركزية الإثنية نزعة تعمل على تعزيز الأنا الجمعية لدى جماعة إثنية أو أقليات معينة، من خلال التمركز حول الذات كبعد أحادي يماهي بين الذات والآخر، بما يجعله امتدادًا لها من خلال جعل منظومة القيم التي تتبناها معيارًا أساسيًا للحكم على سلوك الآخرين، وتقوم بالتالي بترتيبهم وتصنيفهم في ضوء معاييرها".

 في الحصلية فإن المركزية الإثنية هي نزوع مجموعة بشرية ما إلى اعتبار نفسها مجموعة مرجعية لسائر المجموعات البشرية وربما للعالم بأسره. وهذا يأتي عن شعور صريح أو مضمر بالتفوق قد يتخذ أحيانًا شكل غطرسة وازدراء للآخر. حيث يكون منظار فهم هذه الأقلية للعالم من خلال مقولات وتعابير ومرجعيات وأحكام مطلقة نابعة من التجربة الذاتية والإطار الثقافي والقومي الخاص، من معيار أن ما يصلح للذات لا بد حتمًا أن يصلح للآخر. وكل هذا راجع للتثمين المبالغ فيه للتجربة التاريخية الذاتية.

اقرأ/ي أيضًا: النقاش عن الطائفية: اتهام الدين لتبرئة السلطة

هذه الأمور تحدث في المجتمعات التقليدية والمغلقة، وبخاصة في المجتمعات التقليدية حيث الولاءات الأولية راسخة وقوية، وفيها عادةً ما يكون الانتماء الديني والقبلي والإثني الأساس الذي تقوم عليه الدولة، وفي نفس الوقت فهي تكون عقبة أمام بناء دولة المواطنة العادلة، وهذا ما يؤدي في الغالب إلى سيادة الدولة التسلطية. وعادةً ما تكون جميع مكونات المجمتع مضطهدة ومنتقصة في حقوقها الأساسية وحرياتها العامة وخاضعة لهيمنة طبقة حاكمة تتكون من تحالف نخبوي سلطوي، لا علاقة له بمصالح مجموع الشعب من مكوناته، بمن فيهم الأقليات، فهم كغيرهم معرضون كأفراد للتهميش والقهر والاضطهاد، لكن للأقليات خصوصية فريدة عن باقي المكونات، تعود لخصوصية تكوينهم الديموغرافي والتاريخي، وهذا ما يخلق دينامية خاصة تتسبب بقلق وجودي يتخذ أشكالًا متنوعة في العلاقة مع "الآخر".

 وهذا ما يستغله المتسلط "الخارجي والداخلي" لتغذية النعرات والانقسامات الطائفية والعرقية لإحكام السيطرة على المجتمع، كما فعلت إسرائيل في قضية انفصال إقليم كردستان الأخيرة عام 2017، وبالطبع يتواطأ في هذه اللعبة زعماء محليون للاحتفاظ بنفوذم وأدوارهم، كما فعل رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني.

إن الجماعات وخاصة الأقليات المتصارعة، غالبًا ما ترفض أن تُقرب الطرف الآخر إليها أو أن تتسامح معه، إذ إن الطبيعة المغلقة للمعارضة التي تمارسها، والتي لا تستطيع الاستمرار بدونها ستنطمس كما يرى جورج سيمل، بينما يرى هوبزباوم أن بعض الجماعات تذهب حتى إلى اعتبار أنه من الحكمة وجود بعض الأعداء، لكي تفعل وحدة الجماعة فعلها، ولكي تبقى الجماعة واعية لهذه الوحدة باعتبارها مصلحة حيوية لها. ويحدث في مثل هذه الحالات أنه على النقيض من الصورة المثالية التي تبنيها الجماعات الأقلوية لنفسها، تقوم بتبخيس صورة الجماعات الخارجية (المختلفة قوميًا أو طائفيًا) من خلال إسقاط كل العدوانية عليها وتحميلها مسؤولية تردي أوضاعها ومأساتها الحالية. هكذا يصبح "الآخر" تدريجيًا جماعة "غريبة" بل ومصدر كل سوء، ومنبع كل تهديد لجماعة الانتماء الأقلوية. هكذا يتم تجذير الاختلاف والتباين وتصبح الأغلبية كجماعة خارجية، العقبة الوجودية الأساسية التي تقف في سبيل وصول الأقلية إلى أهدافها في الرفعة وتحقيق الذات. فيتم تحميلها كل الآثام والأوزار، في حالة من تفريغ كل المسؤولية الذاتية وكل السوء والشرورعليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أريد أن أبني كنيسة

العنصرية والطائفية كـ "نكتة مدرسية"