29-مايو-2018

نساء يغسلن الملابس في ريف الناصرة 1900- 1920

ألترا صوت- فريق التحرير

للذاكرة الجمعية أهميّة بالغة عند شعوب العالم، كونها تُعتبر ركيزةً أساسية في تكوين الهوية الثقافية والوطنية لهذه الشعوب. وتتضاعف أهمية هذه الذاكرة عند الشعوب المُقتلعة بالقوّة من مكانها الأصليّ، باعتبارها رابطًا أساسيًا مع الأرض المُحتلّة. وفي هذه الحالة، تصير المهمّة الأساس عند هذه الشعوب هي صون ذاكرتها الجمعية، وكلّ ما يدلُّ على حقّها في أرضها المُحتلّة، وهذا ما توفّره المراكز البحثية والمؤسّسات المُختصّة بالدراسات والتوثيق، ولا سيما في الحالة الفلسطينية، إذ تصدّت هذه المراكز للروايات الصهيونية، وساهمت في صون الذاكرة الجمعية الفلسطينية، وكانت جزءًا أساسيًا في مشروع التحرر الوطنيّ الفلسطينيّ.

هنا إطلالة على 3 مراكز رئيسية في مجال أبحاث القضية الفلسطينية.


1- مركز الأبحاث

بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964، والاعتراف بها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطينيّ، كان لا بدّ للمنظمة من تدعيم قضيتها وفكرتها معرفيًا وعلميًا، لا لإثبات صحّتها فقط، إنّما للوقوف أيضًا في وجه ما تروّجه الأكاديمية الصهيونية من روايات مزيّفة ومتخيّلة تشتغل على إثبات صحّة فكرتها وحقّها في الأرض المُحتلّة، وطمس الهوية والذاكرة الفلسطينيتين. وانطلاقًا مما سبق، ولد مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير في سنة 1965 على يد فايز صايغ، قبل أن يتولى أنيس صايغ إدارة المركز في سنة 1966.

دخل المركز منذ تأسيسه في قلب الصراع الفلسطينيّ – الصهيونيّ، وكان جزءًا أساسيًا في مشروع التحرر الوطنيّ، وهدفًا رئيسيًا لدولة الاحتلال التي ما انفكّت تُحاول تقويضه بأي شكلٍ من الأشكال، باعتباره تهديدًا مباشرًا وصريحًا من شأنه كشف الزيف الذي تروّجه عبر ترسانتها الأكاديمية التي تضمّ مفكّرين ومؤرّخين صهاينة. بدأت تلك المحاولات في تاريخ 1969، حين أُلقيت قنبلة متفجّرة على مدخل مبنى المركز. تلاها انفجار طرد بريديّ يحتوي عبوة ناسفة بين يدي أنيس صايغ في تاريخ 1972. وبعد سنتين من تلك الحادثة، أصابت عدّة صواريخ مبنى المركز، مُلحقةً به أضرارًا مادّية طالت أقسامًا مختلفة منه بالإضافة إلى المكتبة. ولكنّ الضربة الموجعة كانت في نهب القوّات الصهيونية لمحتويات المركز في عام 1982 أثناء اجتياحها لمدينة بيروت.

أصدر المركز منذ تأسيسه وحتّى توقّفه عن العمل- بفعل ما طاله من هجمات كان آخرها عبر سيارة مفخخة تلت عملية النهب التي تعرّض لها- ما يزيد عن 300 كتابًا بحثيًا يتمحور مضمونه حول القضية الفلسطينية وأبعادها. بالإضافة إلى إصداره لدورية "شؤون فلسطينية" الشهرية. وتأسيسه لمكتبة احتلّت طابقين من مبنى المركز المؤلّف من 6 طوابق آنذاك، ضمّت فوق رفوفها ما يزيد على 20 ألف مجلّد وكتاب باللغة العربية والإنجليزية والعبرية. أضف إلى ذلك عدد من الوثائق والصور والمخطوطات التي ضمّتها المكتبة أيضًا.

 

2 – مؤسّسة الدراسات الفلسطينية

عند أي محاولة جادّة منّا لفهم القضية الفلسطينية والصراع العربيّ – الإسرائيليّ، لا بدّ من التوقف، والتوقف طويلًا، عند ما تنشرهُ "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية"، لا باعتبارها أوّل مؤسّسة بحثية معنية بدراسة هذه القضية والتأريخ لها وحسب، بل باعتبارها مؤسّسة علمية مستقلّة تجاوزت في نشاطها البحثيّ نطاق التخصّصات الضيّقة والمغلوطة والمنحازة. ولهذه الأسباب، كان لتأسيسها في سنة 1963 على يد قسطنطين زريق، ووليد الخالدي، وبرهان الدجاني، أهمية كبيرة وبالغة، ذلك أنّها تمكّنت منذ تأسيسها وحتّى الآن من منافسة ما يُعرف بأنّه جوهر قوّة دولة الاحتلال الإسرائيليّ، أي مراكزها البحثية التي أُسِّست لغرض ترسيخ "فكرة إسرائيل"، وإضفاء الشرعية على هذا الكيان، ووأد الذاكرة الفلسطينية أيضًا. وهو ما تصدّت له المؤسّسة عبر إصدارها لما يزيد عن 700 مؤلّف تنوّعت مضامينه بين بحثيّ وتوثيقيّ وآخر مرجعيّ.

المؤلّفات هذه التي صدرت باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، والتي اتّسمت بالدّقة وشدّة الموضوعية، لم تقدّم ما يساعد المطّلع على القضية الفلسطينية على فهمها بالشكل الصحيح فقط، بل أطاحت بـ "فكرة إسرائيل"، ونسفت الرواية الصهيونية، وثبّتت أركان الرواية الوطنية الفلسطينية، متوسّلةً في ذلك التوثيق والبحث والتأريخ والدراسات المُعمّقة التي تناولت هذه القضية، أضف إلى ذلك الصراع العربيّ – الإسرائيليّ، من جوانبه المختلفة، تاريخيةً كانت أو سياسية واجتماعية وقانونية. هكذا أتاحت المؤسّسة للمواطن الفلسطينيّ والعربيّ على حد سواء الاطّلاع على أبعاد هذا الصراع وتطوّراته. ووفّرت، علميًا وبحثيًا، ما يطيح بالرواية الصهيونية ويؤكّد الحقّين، الفلسطينيّ والعربيّ، في الأوساط السياسية والثقافية العالمية، إذ إنّ المؤسّسة تملك مكتبًا في العاصمة الأمريكية واشنطن وآخر في العاصمة الفرنسية باريس، يصدر عن الأوّل كتبًا ومجلّة باللغة الإنجليزية، بينما يصدر عن الثاني كتبًا باللغة الفرنسية.

ناهيك عن مكتب القدس الشرقية الذي يُصدر دوريّتي Jerusalem Quarterly ودورية "حوليات القدس" التي توقّفت عن الصدور في عام 2014. ومكتب بيروت، مقرّ المؤسّسة، الذي يُصدر دورية "مجلّة الدراسات الفلسطينية"، والمُجهّز بمكتبة مُتخصّصة بالقضية الفلسطينية والصراع العربيّ – الإسرائيليّ تضمُّ 70 ألف مجلد، بالإضافة إلى مئات الخرائط والصور والوثائق والأرشيفات.

 

3 - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"

تأسّس "المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيلية - مدار" في فلسطين المحتلّة في سنة 2000، ومنذ ذلك التاريخ، يصبّ المركز اهتمامه كاملًا في متابعة الشؤون الإسرائيليّة ومستجدّاتها، ومن ثمّ تحليلها وقراءتها قراءة مُعمّقة تتناول الجوانب المختلفة في المشهد الإسرائيليّ الاقتصادي والسياسيّ والاجتماعيّ. ويتيح المركز بذلك للقارئ الفلسطينيّ والعربيّ على حدٍّ سواء الاطّلاع على المشهد الإسرائيليّ بصورة موسّعة. بالإضافة إلى تقديمه لما يُساعد في فهم بنية المجتمع الإسرائيليّ وسياساته الخارجية والداخلية – الأمنية بعيدًا عمّا تسعى دولة الاحتلال إلى ترويجه عن نفسها.

يتركّز النشاط البحثي في المركز على إصدار الكتب البحثية والعلمية المُتخصّصة على نحو دقيق بالشأن الإسرائيليّ العام. بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات التي يعقدها بصورة دائمة لمناقشة التطوّرات والمتغيّرات السياسية منها والاجتماعية داخل كيان الاحتلال. ويصدر المركز تقريرًا سنويًا إستراتيجيًا يستعرض من خلاله أيضًا المتغيّرات الحاصلة في المشهد الإسرائيليّ، وذلك بعد إخضاعها لدراسة وتحليل يكشف عن مآلاتها وأبعادها السياسية والاجتماعية. بالإضافة إلى أنّ المركز يصدر دورية متخصّصة بالشؤون الإسرائيلية، وهي الأولى من نوعها عربيًا، والوحيدة أيضًا. فضلًا عن تأسيسه لوحدة متخصّصة بترجمة الكتب والدراسات إلى اللغة العربية. وإتاحته لآلاف العناوين المتخصّصة في الشأن الإسرائيليّ في موقع الإلكتروني تحت عنوان "بنك معلومات مدار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 كتب أساسية عن القضية الفلسطينية

القدس من خلال 4 مذكرات شخصية