24-مايو-2018

تذهب معظم صادرات داعش من التلك إلى أمريكا (Getty)

كشف تقرير نشرته منظمة غلوبال ويتنس، عن استغلال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أفغانستان، بالإضافة إلى تنظيمات مسلحة أخرى، لمجموعة من المعادن التي تستخدم في مستحضرات التجميل، من أجل تمويل نفسها، بعد أن تسيطر عليها بالقوة وتنقلها إلى باكستان للتصدير. وحسب هذا التقرير المترجم عن موقع Gizmodo، فإن نسبة غير قليلة من هذا الصادرات تذهب إلى أمريكا وأوروبا، ما يعني أن المستوردين من هذه البلدان يساهمون في تمويل داعش، ويشير التقرير أيضًا إلى علاقة التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، والمواقع التي يستهدفها بهذه الموارد. 


تكشف صور الأقمار الصناعية عن عمليات تعدين مكثفة تجري بالقرب من موقع الغارة الجوية الأمريكية لعام 2017 في مقاطعة نانكرهار في أفغانستان، وهو هجوم يتذكره معظم الأمريكيين فقط بسبب اللقب المرعب الذي أطلق على السلاح المستخدم: "أم القنابل". تم تفجير العبوة الناسفة (GBU-43 / B) التي يبلغ وزنها 20000 رطل، أم القنابل، فوق مجمع ضخم تحت الأرض، حيث كانت تختبئ مجموعة من المتمردين المشتبه بهم.

تذهب نسبة غير قليلة من المستحضرات الطبية التي يصدرها داعش إلى أمريكا

ووفقًا لتقرير شامل نشرته غلوبال ويتنس (Global Witness) يوم الثلاثاء، وهي منظمة دولية معنية بمراقبة الصراعات، تتصارع الدولة الإسلامية في أفغانستان وحركة طالبان في الوقت الحاضر من أجل السيطرة على الموارد المعدنية الغنية في البلاد في مقاطعة نانكرهار، وتعاني المجتمعات المحلية من عواقب ذلك الصراع. ويشرح التقرير الذي يحمل عنوان "سوف نسيطر على المناجم بأي ثمن"، بالتفصيل كيف يتم استخراج المواد التي يدور حولها الصراع في أفغانستان، مثل "التالك"، من قبل الجماعات المسلحة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية، وكيف تسلم إلى باكستان من أجل التصدير؛ قبل أن تجد طريقها إلى المنتجات الاستهلاكية التي تباع في الدول الغربية في نهاية المطاف، وفي الولايات المتحدة على الأغلب.

يستخدم التالك أو الحجر الأملس، المعروف باسم "بودرة الأطفال"، في مجموعة متنوعة من المنتجات، بما في ذلك مستحضرات التجميل والطلاء الزيتي. يمكنك العثور عليه أيضًا في الأطعمة المجففة والعلكة. ويستخدم كذلك في صناعة الورق وإعادة التدوير وفي المستحضرات الصيدلية وإنتاج المطاط والسيراميك وزيت الزيتون. ويوجد بداخل الأسلاك الكهربائية، ومواد التسقيف، وبلاط الأرضيات، كمادة مزيتة، أو كعامل مُلمع. اعتاد ليبرون جيمس رميها في الهواء كجزء من طقوس ما قبل اللعب. وقد تكون على جسدك الآن.

أكثر من 35% من التلك المستورد من الولايات المتحدة يأتي من باكستان، رغم أن منشأه ليس سرًا.  أشار تقرير المسح الجيولوجي الأمريكي في كانون الثاني/  يناير 2017 أن "كميات كبيرة من التالك الخام تستخرج في أفغانستان قبل طحنه وتصديره من باكستان". ووفقًا لغلوبال ويتنس، فإن كمية كبيرة من التلك التي تستخرجها الجماعات المسلحة من الجبال الأفغانية تُصدَّر إلى الولايات المتحدة عن طريق باكستان، وتنقل معظم المعادن بواسطة الشاحنات عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة. ويقال إن المعبر الحدودي في تورخام، الذي يحظى بمكانة عسكرية هامة لدى الجانبين ويستخدم من قبل قوات الناتو التي تقودها الولايات المتحدة لنقل الإمدادات إلى أفغانستان التي ليس لها سواحل، هو الممر الرئيسي. بيشاور، التي تقع على طول مدخل ممر خيبر - مسار طريق الحرير التاريخي - هي الوجهة الأولى للشاحنات.

اقرأ/ي أيضًا: تجارة الماس في إسرائيل.. أرقام مرعبة

وتشير التقديرات إلى أن أرباح حركة "طالبان" وحدها تقرب من الـ 300 مليون دولار سنويًا من المعادن المستخرجة في أفغانستان، بما في ذلك التالك، على الرغم من صعوبة تحديد النسبة التي تجد طريقها إلى الأسواق الغربية. وقال نيك دونوفان، مدير الحملة في غلوبال ويتنس: "من بين العائدات التي تأتي من التالك الأفغاني، يمكنك القول إن نسبة كبيرة تأتي في نهاية المطاف من المستهلكين الأمريكيين والأوروبيين"، إلا أن تحديد الشركات التي تستخدم شحنات معينة والتي تستفيد منها الجماعات المسلحة، أمر مستحيل عمليًا.

وتقول غلوبال ويتنس، "إن نقل المعادن إلى باكستان من قبل المتمردين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفساد مسؤولي الحكومة الأفغانية وتمكينهم، بالإضافة إلى دفع الأموال للمتمردين". ويتجلى ذلك في وثائق احتيالية يتم الحصول عليها من موظفي الجمارك والرشاوي المدفوعة في محطات الوزن على طول الطريق. وبحسب ما ورد، قد يتم ضمان المرور إلى باكستان بما لا يزيد عن 10 آلاف روبية باكستانية (نحو 90 دولارًا). تُشبِّه مصادر غلوبال ويتنس، التي تم حجب أسمائها بناء على رغبتها خوفًا من الانتقام، هذه التجارة بـ "نظام المافيا"، حيث يتم حماية الاستخراج غير القانوني من قبل السلطات الإقليمية وفي كثير من الأحيان بدعم من الناس، وكلاهما يمكن أن يستفيد ماليًا من هذه الترتيبات.

وخلص التقرير إلى أن المعادن المستخرجة من المناجم التي تسيطر عليها حركة طالبان ومتطرفو الدولة الإسلامية تنتهي تقريبًا إلى السوق الدولية، مرورًا بإيطاليا وأستراليا والصين. ولا تزال باكستان أكبر مَصْدَرٍ للتالك بالنسبة للولايات المتحدة، وتقدر منظمة غلوبال ويتنس أن 20 في المئة على الأقل من هذه الصادرات تستفيد منها الجماعات المسلحة.

لا تزال باكستان أكبر مَصْدَرٍ للتالك بالنسبة للولايات المتحدة

 في تقرير صدر سنة 2016، حددت غلوبال ويتنس اللازورد، وهو حجر أزرق لا يوجد تقريباً سوى في وادي نهر كوكشا بأفغانستان، على أنه  "معدن صراع"، وهو مصطلح يشير إلى الموارد الطبيعية المستخرجة في مناطق الحرب، والأرباح التي تؤجج انتهاكات حقوق الإنسان، وتديم التدمير والموت، ويتم الحصول عليها في بعض الحالات من خلال عبيد العمل.

ويقول دونوفان إن مقارنته بموارد صراعات أكثر شهرة ، بما في ذلك ما يسمى بـ"ألماس الدم"، الذي يستخرج لتمويل نشاط زعماء الحرب في العديد من البلدان الأفريقية، مثل أنغولا وسيراليون، هي مقارنة عادلة. ويضيف: "أود أن أشير إلى التالك على أنه أقل معادن الصراع في العالم بريقًا. لا يبدو الأمر وكأنه شيء يمكن مقارنته بالألماس، ولكن في الواقع هنا يكمن مربط الفرس؛ هناك الكثير من سلاسل التوريد التي تنتهي في نهاية المطاف في البلدان الغربية، أو في الصين، في الدول المستهلكة الكبرى، والتي تساعد في الواقع على تمويل الفساد والصراع في دول المنشأ".

اقرأ/ي أيضًا: مساعي طالبان للتفاوض مع واشنطن.. مناورة تكتيكية أم مشروع سلام؟

ويصور التقرير التدخل العسكري الأمريكي على وجه الخصوص باعتباره حلًا كارثيًا، حيث لن يكون هناك أي دعم محلي للشركات الأمريكية أو قوات الناتو التي حاولت، على نحو استعماري، السيطرة على المناجم. ويوصي التقرير بتقوية المجتمعات المحلية من خلال منحها حصة في عمليات التعدين القانونية. ومع ذلك، فهي تعترف بدون قيد بعدد من التحديات المقلقة؛ إذ لا يمكن لهذه الجماعات أن تصمد أمام قوات الدولة الإسلامية، والصراعات القبلية والاجتماعية الأخرى، فالمنطقة تجعل تحقيق التعاون أمرًا صعبًا.

ويتابع  التقرير: "هناك حاجة إلى ثلاثة عناصر رئيسية: قناة مناسبة لإعادة التوزيع العادل؛ والشفافية والرصد على المستوى المحلي؛ وفي بعض الحالات الملكية المجتمعية أو الإنتاج الحرفي القانوني". أما بالنسبة للحكومة الأفغانية، فإن منع نقل المعادن التي تستخرجها الجماعات المسلحة هي الخطوة الأولى التي يوصى بها. لكن في حين أنه من المهم أن تولد الحكومة إيرادات، وفقاً لما يقوله التقرير، ينبغي على المجتمعات نفسها أن تملك وتدير تلك المناجم، وليس الشركات الغربية.

في العام الماضي، اعتبر الرئيس ترامب، بإلحاح من  الرئيس أشرف غني أحمدزي بحسب ما تشير إليه التقارير، ثروة البلاد المعدنية الهائلة سببًا لاستمرار الحرب، التي هي الآن في عامها السادس عشر. وعلق قائلًا إن "المنتصر يفوز بالغنائم". وبغض النظر عن الدوافع، فإن بعض كبار مستشاري ترامب وشركائهم المقربين يحققون أرباحًا من استمرار التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة، خاصة ستيفن واينبيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة سيربيرس كابيتال، التي تمتلك شركة داينكورب، وهو مقاول عسكري كبير، وإريك برينس، مؤسس شركة بلاكووتر وشقيق وزيرة التعليم بيتسي ديفوس، المقربة من عائلة ترامب، وقد اقترحوا خططًا لخصخصة الحرب من خلال دمج المرتزقة الأمريكيين داخل قوات الأمن الوطنية الأفغانية.

يؤثر الصراع بين داعش وطالبان من أجل هذه المواد على حياة الناس في أفغانستان وأمنهم

تقول غلوبال ويتنس: "إن العمل العسكري بحد ذاته ليس سوى وسيلة، وقد يكون ضارًا للغاية إذا تم تنفيذه بصورة سيئة، خاصةً إذا لم يكن يخدم منهجًا متماسكًا لحل المشكلات الأساسية. أي جهد لتقييد التجارة لن يكون فعالًا على المدى الطويل إلا إذا كان مرتبطًا بإصلاحات أوسع نطاقًا، وذلك لضمان أن يكون لدى الناس سبب مباشر لدعم التعدين القانوني، وأن البديل عن سيطرة الجماعات المسلحة ليس سيطرة السلطة الفاسدة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

حروب الإمبراطورية الأمريكية المسكوت عنها.. غطرسة الجنرالات!

أين اختفت حركات مناهضة الحرب في الولايات المتحدة؟