15-ديسمبر-2016

احتجاجات حقوقية داعية إلى إلغاء العمل بقانون المجلة الجزائية في حالة القصر (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

قضت مؤخرًا المحكمة الابتدائيّة بالكاف (الشمال الغربي في تونس) بالإذن بزواج شاب عشرينيّ من فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا بعد اعتدائه عليها جنسيًّا والتسبب في حملها. وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعيّ بأصوات محتجة على قرار المحكمة، ما لبثت أن انتقلت سريعًا إلى شوارع تونس بعد أن تبنتها منظمات نسويّة وحقوقيّة.

قضت محكمة بزواج شاب عشرينيّ من فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا بعد اعتدائه عليها جنسيًّا والتسبب في حملها وهو ما أثار جدلًا في تونس

واعتمد القاضي المباشر للقضيّة في حكمه على الفصل 227 مكرّر من المجلّة الجزائيّة. إذ يصرّح الفصل في جزء منه أنّه "يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كاملة كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عامًا كاملة". هذا يعني أنّ ممارسة الجنس مع فتاة تحت سن الخامسة عشرة يعتبر جريمة موجبة للعقاب وإن حصل ذلك برضاها. لكن يمثّل الجزء الثاني من الفصل الأرضيّة التي بنت المحكمة قرارها عليها، إذ يصرّح أنّ "زواج الفاعل بالمجنيّ عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة".

يقول المدافعون عن الفصل المذكور إنّ هدف المشرّع هو حماية المجنيّ عليها من آثار الوصم الذي يمكن أن تتعرض له خاصة إن نتج عن الاعتداء حمل، إذ إنّ تزويجها من المعتدي يخفّف، حسب رأيهم، من الأثر الاجتماعيّ المترتب عن الاعتداء.

اقرأ/ي أيضًا: سرديات الاغتصاب والتحرش.. فتيات عربيات يكسرن الصمت

ويرى بعضهم صلاحيّة التشريع خاصّة في الحالات المشابهة لهذه القضيّة، حيث توجد علاقة مصاهرة سابقة بين العائلتين، كما أنّ المعتدي يقطن في نفس المنطقة التي تقيم بها الفتاة. ويمكن للزواج في هذه الحالة، خاصّة أنّ من شروطه موافقة الضحيّة وعائلتها، تجنيب العائلتين مشاكل محتملة.

في هذا الإطار، صرّح المحامي عبد الناصر العويني عبر إذاعة محليّة أنّ "القاضي لا يعطي إذنًا بالزواج إلاّ بطلب من أولياء الضحيّة أو في حال وجود مسائل خطيرة يمكنها المسّ من حياة الطفلة القاصر أو من مصلحتها أو استقرارها العائليّ". وأضاف أن "السلطة التقديريّة الموكلة لرئيس المحكة الابتدائيّة في هذه الحالة هي سلطة عامّة غير قابلة للاستئناف بأي شكل من الأشكال".

لكن يرى مناهضو القرار القضائيّ أنّ الزواج في هذه الحالة يمثّل طوق نجاة للجاني من جريمة يجب أن يحاسب عليها. إذ يؤكد أصحاب هذا الرأي أنّ الفتاة القاصر تعرضت للاعتداء مرتين، حيث تمت مواقعتها في المرة الأولى وزوّجت في المرة الثانيّة من "مغتصبها". ولاقى الحكم تنديدًا واسع النطاق، حيث نفّذت جمعيات من المجتمع المدنيّ وحقوقيّون مساء الأمس عديد الوقفات الاحتجاجية.

حملات افتراضية وحقوقية دعت إلى إلغاء العمل بقانون المجلة الجزائية في حالة القصر وتطبيق قانون حماية الطفل

وأصدرت جمعيات حقوقيّة بيانات مندّدة بالقرار. حيث نشرت جمعيّة "تونسيات" بيانًا عبرت فيه عن تنديدها الشديد بالجريمة النكراء التي تعرضت لها الطفلة، واعتبرت أنّ وضعيتها تتطابق مع الفصل 20 من مجلّة حماية الطفل التي تصنفها ضمن "الحالات الصعبة التي تهدد أمن الطفل وسلامته البدنية أو المعنوية"، وطالبت السلطات بـ"التسريع في تطوير قوانين تزيد في حماية المرأة والطفولة" وتواكب المقتضيات الجديدة لمنظومة حقوق الإنسان.

كما وقّعت 8 جمعيات ومنظمات، منها النقابة الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين، والمنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب، والمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة على بيان عبّرت فيه عن استغرابها من القرار واعتبرت أنّ فيه "تجاهلًا للمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان والحامية لحقوق الطفل"، كما أوضحت أنّ فيه "مسًّا من كرامة الطفلة والمرأة عمومًا وخرقًا للدستور التونسي الضامن لحقوق الطفولة وتشجيعًا على اقتراف المزيد من الاعتداءات"، وطالبت بالرجوع عن الإذن القضائيّ وإبطال الزواج وحماية الطفلة نفسيًّا واجتماعيًّا والحرص على استكمالها لتعليمها إلى جانب تنقيح الفصل 227 مكرّر.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. موجة غضب ضد "ماكياج" العنف المنزلي

أما عن الجانب الحكوميّ، فقد جاء في بلاغ إعلامي لوزارة المرأة والطفولة أنّها "تعبّر عن عميق انشغالها إزاء وضعيّة الطفلة"، كما دعت مجلس نواب الشعب للتعجيل في النظر في مشروع القانون الأساسيّ المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. حيث يلغي مشروع القانون المقترح الجزء المتعلق بإيقاف التّتبعات في حقّ المغتصب إذا ما تزوّج ضحيّته. كما صرّحت المندوبيّة الجهويّة لحماية الطفولة الراجعة بالنظر للوزارة أنّها فعلت كلّ ما في وسعها لمنع حصول الزواج لكنّ الإذن القضائيّ يتجاوز صلاحيّاتها القانونيّة. ذلك فيما قال كلّ من غازي الجريبي، وزير العدل، ووكيل الجمهوريّة في المحكمة الابتدائيّة في الكاف أنّه سيتم قريبًا رفع قضيّة لدى قاضي الأسرة لإبطال الزواج.

دعت الحكومة النواب التونسيين إلى تعجيل المصادقة على مشروع قانون القضاء على العنف ضد المرأة

وبموازاة التنديد والاستنكار الشديدين من جهة، والمساندة المحتشمة للقرار القضائيّ من جهة ثانية، عبّرت جهات رسميّة وأهليّة عن استعدادها لتقديم الرعاية التي تحتاجها الطفلة. حيث عبرت وزارة المرأة والأسرة والطفولة عن "التزامها عبر هياكلها وبالتنسيق مع مصالح الوزارات الأخرى المختصة بالتعهّد بمرافقة الطفلة الضحيّة من أجل توفير الإحاطة النفسيّة والصحيّة الضروريّة، وتقديم المساعدة الاجتماعيّة لها ولعائلتًها بما يضمن احتواءها وإدماجها اجتماعيّا". فيما عبّر مركز "منارة" المختص في تقديم الدعم للنساء ضحايا العنف عن استعداده لإعادة تأهيل الفتاة وتقديم الدعم لها خاصّة وأنّها تعاني من الأميّة، حيث لم تتلق قطّ أيّ تعليم مدرسيّ.

ومن الجدير بالذكر أنّ القضيّة ليست الأولى من نوعها. حيث عرفت تونس في السابق عدّة أحكام تقضي بتزويج المغتصبات من مغتصبيهن. ويمثّل مطلب تنقيح الفصل 227 مكرّر من المجلّة الجزائيّة أحد المطالب الرئيسيّة للمنظمات الحقوقيّة والنسويّة منذ سنوات. ويبدو بعد تقديم مشروع القانون الأساسيّ للقضاء على العنف ضدّ المرأة الذي سيناقش قريبًا في البرلمان، طبقًا لتصريحات عدد من النواب، والذي يحظى بمساندة واسعة عابرة للكتل والأحزاب، أنّ المطلب في طريقه للتحقّق. 

اقرأ/ي أيضًا:

العنف على رقاب 47% من التونسيات

المطلقات في الجزائر.. حقوق مهدورة وتحرش جنسي