09-ديسمبر-2017

راج إعفاء الجبير منذ الصائفة الماضية (أ.ف.ب)

ذكر مؤخرًا موقع "ميدل إيست آي" البريطاني  أنه تمّ تعيين خالد بن سلمان نجل العاهل السعودي وزيرًا للخارجية بدل عادل الجبير، وذلك نقلًا عن مصدر دبلوماسي تحفظ في الكشف عن اسمه، فيما لم تعلن بعد وكالة الأنباء السعودية الخبر، على الرغم من تداوله في عدة مواقع وفي جنبات منابر التواصل الاجتماعي، ويبدو أنّ القرار تم اتخاذه فيما يُنتظر الإعلان عنه خلال الأيام القادمة.

يبدو أن قرار تعيين خالد بن سلمان وزيرًا للخارجية كان مقررًا منذ فترة لكن ولي العهد كان يتحين الموعد المناسب كي لا يظهر إعفاء الجبير كإقرار بالهزيمة الدبلوماسية السعودية

وهو قرار غير مفاجئ، حيث سبق وذكرته مجلة "اتلانتيك" الأمريكية في الصيف الماضي، فيما يبدو تمّ تأجيل تنفيذه حينها، ربّما لأنّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان كان يحتاج ضمان تأمين ظهره في واشنطن بوجود شقيقه الأصغر، أو ربّما كان يتحيّن الموعد المناسب كي لا يظهر إعفاء الجبير إقرارًا بالهزيمة الدبلوماسية السعودية، وهو في الحقيقة كذلك، في عديد الملفّات ومنها ملف حصار قطر الملفق إضافة للملفين اليمني والسوري.

اقرأ/ي أيضًا:  محمد بن سلمان.. صعود سريع لأمير طائش يهدد البلاد والمنطقة!

ولعل السّهام المتصاعدة من واشنطن الآن وتحديدًا من الكونغرس ووزارة الخارجية تجاه السياسات السعودية تجاه قطر واليمن، لا تمثل فرصة سانحة لابن سلمان للتسويق مجدّدًا  بذات الأدوات لسياسته الخارجية خاصّة في ظلّ الانتقادات الموجّهة إليها من الحلفاء قبل الخصوم. إذ وجّه مؤخرًا وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون انتقادًا حادًّا غير مسبوق للدبلوماسية السعودية، حينما طالبها بأن تكون "أكثر ترويًّا وتدبرًا فيما يتعلق بالسياسة في اليمن وقطر ولبنان وأن تفكر في عواقب أفعالها".

ليتأكّد بذلك أن غطاء الحماية الذي يوفّره دونالد ترامب للأمير المغمور ابن سلمان، لا يعني ورقة بيضاء أمريكية له للتهوّر والعربدة، خاصة وأن ترامب الذي يعاني ضغوطًا داخلية بخصوص علاقته بالرّوس، غير مستعدّ للمغامرة كثيرًا لصالح حليفه خاصّة في مواجهة الكونغرس الذي صعّد بالذّات من لهجته تجاه الرياض عبر تحذيرها بسبب الوضع الإنساني في اليمن.

فشلت الخارجية السعودية مع الجبير على مختلف الأوجه وتلقت انتقادات حادة من الحلفاء قبل الخصوم

إعفاء الجبير أو انهزام الدبلوماسية الخرقاء

الحديث عن فشل السعودية في مختلف الملفات الحارقة في المنطقة خلال الفترة الماضية هو خلاصة لنتائج ديبلوماسية جمعت بين الرّعونة والتهوّر دون أي ضوابط، مما جعل الرياض تخسر المزيد من مجالات النفوذ وقدرات التأثير بسبب خياراتها وذلك لفائدة طهران التي وجدت خصمًا طائشًا، بل ويصفه الحليف الأمريكي نفسه بأنه غير متروّ. إذ عمّ الفشل السعودي مختلف الملفّات، بداية من حصار قطر، وذلك بعدم بلوغ الرياض وبقية دول الحصار للأهداف المعلنة منه، والتي جوهرها إخضاع الدّوحة لإملاءات وصفها الوسيط الكويتي نفسه بأنها تمسّ من استقلالية البلاد وسيادتها.

كما تتلقّى الرّياض الّصفعة تلو الأخرى في اليمن في ظلّ استفحال الكارثة الإنسانية هناك بسبب الحصار المطبق الذي لم يجبر الحوثيين على الاستسلام، وقد جعلت هذه الكارثة السعودية في خانة المتّهم الأوّل في المنابر الدولية الأممية، إذ سبق وأن صنّفت الأمم المتحدة، التحالف الذي تقوده الرياض في القائمة السّوداء. واشتدت في الأثناء شوكة الحوثيين الذين استطاعوا استهداف مطار الرياض بصاروخ باليستي، ويُضاف مؤخرًا إلى هذه النكسات السعودية في اليمن مقتل علي عبد الله صالح، الذي كانت تعوّل عليه الرياض وشريكتها أبو ظبي في إعادة ترتيب أوراق حربهما.

اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان يستخدم سلاح المجاعة لتدمير اليمن.. نازيّة جديدة والجوقة تصفّق!

أمّا في لبنان، قامت الرياض بخطوة تعكس بوضوح سياستها المتهوّرة، سرعان ما عادت بنتائج عكسية، حين احتجزت رئيس الحكومة سعد الحريري وأجبرته على تقديم الاستقالة، لتتوسط فرنسا لعودته إلى بيروت أين تراجع عن استقالته دون أي تغييرات لقواعد اللعبة في المشهد اللبناني ودون ضمانات من حزب الله، بينما وجدت السعودية نفسها في منطقة التسلّل خاصة بعد الضغوط الأمريكية والفرنسية لعدم إدخال لبنان محرقة في غنى عنها، خاصة بعد الإجماع اللبناني الرّافض للغطرسة السّعودية.

وفي الملفّ السّوري، فرضت السعودية ضمنيًا سقفًا للمعارضة في مفاوضات الحلّ النهائي، وهو ما جعل قادة المعارضة الذين تصدّروا طاولة المفاوضات في مراحل جنيف الفارطة، ينكفؤون ويفضّلون الاستقالة على المشاركة في وفد أشرف، بالنهاية، عادل الجبير على تحديد أعضائه. ولا يُنتظر أن تحقّق الرياض أي مكاسب في مواجهة خصمها الإيراني في سوريا.

وفي خضمّ ذلك، تسارع السّعودية بخطى حثيثة في اتجاه التطبيع مع الكيان الصّهيوني، وفي الضغط على الفلسطينيين للقبول بمبادرات السّلام التي يرعاها ترامب، فيما لم يكن الموقف السعودي من اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان  مفاجئا، وهو موقف يراوح بين البرود وغضّ البصر بداع شبهة الموافقة.

منذ بضع سنوات، كان القرار السعودي في السياسة الخارجية مشتركًا بين أمراء مخضرمين على رأسهم وليي العهد الراحلين سلطان ونايف، ووزير الخارجية سعود الفيصل وأخرين، وبغضّ النظر عن مضامينها، فهي ظلّت سياسة غير متهوّرة وغير مغامرة بدون حساب، فيما بات اليوم القرار السعودي بيد الأمير الطائش ابن سلمان ويعاضده الجبير الذي لم يستطع أن يملأ ثقل سعود الفيصل، ومعهما مستشارين برتبة متهوّرين على غرار ثامر السّبهان وسعود القحطاني. ويظلّ السؤال، في الأثناء، هل يقدر خالد بن سلمان الذي لم يتمم الثلاثين من عمره، والذي لم يشغل إلا بضع أشهر سفيرًا في واشنطن، أن ينجح فيما فشل فيه صاحب الخبرة الدبلوماسية لعقود، أي عادل الجبير؟

هل يقدر خالد بن سلمان الذي لم يشغل إلا بضع أشهر كسفير، أن ينجح فيما فشل فيه صاحب الخبرة الدبلوماسية لعقود، عادل الجبير؟

ذريّة سلمان يعزّزون نفوذهم

يعكس، في خضمّ ذلك، التعيين المنتظر لخالد بن سلمان استمرار نهج شقيقه الأكبر وليّ العهد محمد بن سلمان في تعزيز نفوذ إخوته على حساب عمومته وذريّتهم، حيث ستصبح لأوّل مرّة في تاريخ المملكة وزارتي الدفاع والخارجية بيد ذريّة ملك واحد. هكذا يواصل ابن سلمان في تغوّله وتأمين المراكز الحيوية لرجاله المخلصين، وذلك بالتزامن مع استمرار اعتقال عشرات الأمراء بتهمة الفساد، والتي تستهدف في جوهرها تحييد الأمراء المعارضين لخطط ابن سلمان ونواياه للصعود للعرش. إذ تتصاعد حالة الحنق داخل الأسرة الحاكمة، خاصّة وأنّ ابن سلمان اعتمد أساليب التعذيب والمساومة تجاه الأمراء المعتقلين، وهو ما يفرض عليه تشديد محيطه، بداية من حمايته الشخصية التي أوكلها لمرتزقة "بلاك ووتر"، وصولاً لحماية مراكز القرار عبر تعيين تابعين لمشروعه.

ولعلّ تبعية السياسة الخارجية السعودية لمشروع الإدارة الأمريكية، ولزوم مباركة واشنطن للقرار السعودي، يتبيّن وضوحًا بما قد بات عرفًا أحدثه الملك سلمان، وهو أن يكون وزير الخارجية ضرورة سفيرًا سابقًا بواشنطن. حيث كان عادل الجبير سفيرًا في الولايات المتحدة لنحو 8 سنوات قبل تعيينه وزيرًا للخارجية في تشرين الأول/أكتوبر 2015، والآن خالد بن سلمان الذي يستعدّ لقيادة الخارجية هو سفير بلاده في واشنطن منذ نيسان/أبريل الفارط. فيما يبدو المرور على سفارة واشنطن وتشبيك العلاقات فيها كدرس تحضيري وإلزامي قبل تولّي وزارة الخارجية.

 

اقرأ/ي أيضًا:  

انهيار أسهم وقلق مستثمرين.. حملة الاعتقالات السعودية تحدث هزة اقتصادية

"حرب العرش".. الأمير متعب و5 أمراء نقلوا إلى المستشفيات نتيجة التعذيب