16-يونيو-2021

لوحة للشاعرة

مشهد 1

 

المرأة التي تجلس مقابلي

في الباص

أحدهم يُحبُّها

تلك الابتسامة

التي تعلو وجهها

تدلُّ على ذلك.

أحدهم يحبُّها

رغم سمنتها المفرطة

ويجعلها تبتسم

عند الصَّباح

وهي في طريقها إلى العمل

حيثُ لا سبب يدعو للابتسام،

على الأقلِّ ليس في الصَّباح.

ها هي تتذكَّر الآن

كيف قبَّل كتفها

فيما كانت تدير له ظهرها

وهي مستلقيةٌ قربه،

أو ربَّما تقرأ رسالة

أرسلها لها الآن على موبايلها

ربما أرسل

قلبًا أحمر

تخرج منه قلوبًا حمراء صغيرة

لأنه كان ما يزال نائمًا

عندما خرجت،

أو كتب لها أنّها

كانت رائعةً ليلة أمس،

أو يطلب منها

أن تدِّعي المرض

وتغادر العمل باكرًا

وتلاقيه ليفطرا معًا

في المقهى

حيث لا تغيب الشمس

عن المقعد الذي في زاويته اليُسرى

أو ربَّما

غادرت فيما كان يأخذُ دوشًادون أن تترك له ورقةً باسمها ورقمها

وها هي تبتسم

وهي تتذكَّر مشاغبتها الصغيرة.

 

مشهد 2

 

المرأة التي تنتعل

حذاءً كعبه عالٍ

وتلك التي لون شعرها أزرق

وبقايا طلاء أظافرها

أسود،

الرجل ذو التاتو على رقبته

الذي يلقي بذراعه

حول كتف امرأةٍ ترافقه

ويرفع ذراعه الأخرى

ليمسك بيده

المسكة البلاستيكية المتدليّة من سقف المترو،

المرأة

التي يضع رجلٌ ذو تاتو على رقبته

ذراعه حول كتفها

تلف ذراعها حول خاصرته،

وذاك الذي يضع سماعاتٍ في أذنيه

ونظاراتٍ شمسيَّةً فوق عينيه

ليتجنّب

ألف نظرةٍ كنظراتي،

والنائم الذي يسند رأسه

على زجاج النافذة

بانتظار وصوله إلى محطَّته

التي ربّما فاتته ولم يوقظه

ليترجَّل

الشاب الذي يجلس قربه

وينظر في كتاب،

والزوجان اللذان صعدا الآن

هي تمضغ علكة

وهو أيضًا يمضغ علكة

وآثار حبّ الليلة الماضية

عالقةٌ على ابتسامتيهما،

كلُّهم استيقظوا

معي

في الساعة المبكرة نفسها

وربما بكوا أيضًا،

لا شيء يميُّزني إذًا.

 

حلمٌ قصير

 

الشّاب

الذي يجلس على طاولةٍ مجاورةٍ لها في المقهى

كتفه يكاد يلامس كتفها

يمكنها أن ترى شعيرات لحيته القصيرة

وعدُّها واحدةً واحدة

أذناه نظيفتان

وشعره ليس قصيرًا، وفيه بعض الشّيب

التيشرت البيضاء التي يرتديها

تفوح منها رائحة معطّر غسيل 

تتأمّل أظافر أصابعه القصيرة

وهو يرفع فنجان قهوته

عن الصحن

يرتشف منه مرَّتين

تستطيع تذوُّق طعمها المرّ

قبل أن يعيد الفنجان فوق الصحن

ثم يضع مرفقه على مسند مقعده

تكاد تمدُّ يدها خلف رأسه

وتلمس رقبته الطَّريَّة الخالية من الشَّعرِ

أو تمرّر أصابع يدها فوق أصابع يده

ثم تضع يدها على وجهه

تبقيها هناك بضعَ ثوانٍ

قبل أن تبعدها

وتحمل حقيبتها على كتفها وتغادر

كحلمٍ قصير.

 

بيانو

 

يدها اليمنى

مسدلةٌ

بموازاة جنبها الأيمن

طرف إصبعها الأوسط

يصل حتى أعلى ركبتها

يمرّ إبهام يدها على باقي أصابع يدها

وعندما ينتهي من الاطمئنان عليها

يلمس مع باقي الأصابع

قماش الفستان

ليتحقَّق من رقَّته

على فخذها،

أصابع اليد اليمنى نفسها

تصعد

لتتحسَّس أطراف خصلة شَعرٍ

تلفحها حرارة شمس الظُّهر الدّافئة

ثمّ تكمل حتى أسفل الخدِّ الأيمن

قرب الذّقن، عند الحنك

تقرصه قرصةً لطيفةً أكثر من مرَّة

بالابهام والسّبابة

ثمّ تنزل اليد

لتعدّل حِزام الحقيبة

عند كتفها الأيسر

وتستقرَّ ثوانٍ على الكتف

وتربّت عليه

قبل أن تهبط

عائدةً إلى جانبها الأيمن

بأصابع مرتخيةٍ

بعيدةً قليلًا عن بعضها البعض

بما يكفي ليمرّ الهواء بينها

ويحرِّكها كمن يعزفُ ببطء

على مفاتيح بيانو وهمي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فنّ زراعة القبور

أوف أيها الغد!