12-مارس-2019

تعرف الجامعة المغربية تاريخًا متجددًا من العنف الدموي (DPA)

اهتز الرأي العام المغربي مجددًا من وقع العنف الجامعي، في تكرار معهود، كلما تناسى المغاربة فواجعه، طلت فاجعة أخرى، والفاعلون هم الطلبة الجامعيون، والضحايا منهم كذلك، والدولة والمسؤولون يتفرجون. 

قبل أيام انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا دموية لطالب ضحيةً للعنف المستدام في الجامعات المغربية

وقبل أيام قليلة، انتشرت على نطاق واسع بمواقع التواصل لاجتماعي في المغرب، صور لشاب في مقتبل العمر، منكفئ على وجهه على الرصيف، يسيل الدم من رأسه وجذعه وساقيه، وأذنه مقطوعة مع جرح غائر على مستوى القدم. مرفقة بنص خبر يقول: "طالب من جامعة فاس سايس، تعرض لهجوم ومحاولة اغتيال من تنظيم البرنامج المرحلي بجامعة فاس ظهر المهراز، وهو الآن يكابد جراحه القاتلة معلقًا بين الحياة والموت".

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. عندما تتحول الجامعة إلى ساحة صراع سياسي

وفي بيان وصفه البعض بـ"العبثي" يوضح رفاق الضحية، والذين يطلقون على أنفسهم "فصيل النهج الديمقراطي القاعدي بموقع سايس الشرارة"، أن ما وقع يدخل ضمن التضييق الذي يمارس عليهم من طرف "تحريفييِّ 1996"، الذي هم ليسوا إلا الجزء الآخر من الفصيل بالجامعة الثانية لذات المدينة، التي توصف بـ"العاصمة العلمية" للمغرب، أو هكذا يفترض بها.

وليس الحدث هنا إلا حادثة واحدة من بين عشرات الأحداث التي وسمت تاريخ الجامعة المغربية الدموي، ومهما اختلف الفاعلون فيه من ناحية التقسيم الفصائلي، تبقى أسباب العنف عبثية، لا ترقى لتبرير ما يقع. بينما سؤال "من المسؤول عن هذا العنف؟" ينتظر جوابًا يفترض به أن يقوم على مقاربة تشمل كل جذور المشكلة. 

"غيتوهات" أم أحياء جامعية؟

بوصف الساحة الجامعية في المغرب، يمكن الفصل بين طلبة المدن الجامعية وطلبة الآفاق، أي المدن المحيطة بالمركز الجامعي، في حين أن أغلبية الفصائل الطلابية، مكونها الأساسي من الطلبة القادمين من خارج المدينة الجامعية.

وهكذا فإن النشاط التنظيمي للفصائل الطلابية يكون مركزًا داخل مجمعات الأحياء الجامعية، لتصبح هذه الأحياء بحكم الأمر الواقع، تحت رحمة هذه التنظيمات التي تنقسم بشكل أساسي إلا ثلاثة تيارات كبيرة: 

  1. الشيوعيون القاعديون.
  2. الحركة الثقافية الأمازيغية.
  3. جماعة العدل والإحسان الإسلامية.

وفي حين تقبع هذه الأحياء الجامعية تحت واقع الأزمة المستشرية من الاكتظاظ فوق القدرة الاستيعابية إلى تردي المرافق الصحية والمطاعم، يمنح هذا الواقع مجالًا لتفشي سطوة هذه الفصائل، بالصراع على انتزاع امتيازات خدمية أكبر وأفضل أحيانًا للمنتمين إليها.

العنف الجامعي في المغرب
تعرف الجامعة المغربية تاريخًا موسومًا بالعنف الدموي بين الطلبة

كما تشتهر في المدن الجامعية بالمغرب، قاعدة ضمنية بأنه لن يحصل الطالب المقيم على وضع مريح في السكن الجامعي إلا إذا احتمى تحت مظلة أحد الفصائل.

يقول طالب جامعي كان ينتمي لأحد التنظيمات الفصائلية في الجامعة، تحفّظ عن نشر هويته: "إن دوافع الالتحاق بالفصائل مختلفة، لكن في الغالب ليس للأمر علاقة بالأفكار".

ويوضح المتحدث لـ"ألترا صوت" أن الأسباب الحقيقية لمعظم الانتماءات التنظيمية للفصائل في السكن الجامعي بالمغرب، إنما هي من منطلق الحصول على الامتيازات والعلاقات وكذا من أجل "الالتفاف حول مراكز القوى في الساحة الجامعية، ومن أجل الحماية"، على حد تعبيره.

ويلفت الطالب الجامعي إلى أن هذه الامتيازات لم تكن للفصيل بوصفه فصيلًا، بل خضوعًا لابتزاز القيادات الفصائلية القوية، "فهم يمتلكون القدرة على تعطيل كل المرافق إذا ما تم حرمانهم من الامتيازات"، كما قال.

"تفاهة العنف الجامعي"!

ويكشف الطالب الذي كان ناشطًا في فصيل الشيوعيين القاعديين بجامعته، عن أبعاد ما أسماه بـ"تفاهة العنف الجامعي"، قائلًا إن "هذه المواجهات الدامية كانت تقوم لأسباب مختلفة، مثل: حسابات سياسية حول السيطرة على الجامعة، وحول السيطرة على القواعد، أو حتى رد الاعتبار لأحد الرفاق". 

هذه التدافعات والصراعات التي تتحول أحيانًا كثيرة إلى كونها دموية، كما هو الحال في الحادث الأخير، تُهمّش الأدوار الفكرية والتثقيفية لهذه الفصائل، و"يصبح الاستقطاب الجماهيري قائم بشكل أساسي على عروض الامتيازات المادية"، يقول الطالب الجامعي.

وبحسب شهادة متحدث "ألترا صوت"، لم تكن ثمة لغة نقاش وحوار أو مناظرة بين الفصائل، فسرعان ما تتحول هذه المحاولات الخطابية إلى صدام مباشر بالأيدي، يفضي في كثير من الأحيان إلى ضحايا.

من ناحية حقوقية

يقر سعيد حداد، الناشط الحقوقي وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حديثه مع آلترا صوت، بأنه "لا يمكن فصل العنف الجامعي الآن عن تاريخ القمع الذي عرفته الحركة الطلابية، في شكل تنظيمها النقابي المتمثل في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطم)".

العنف الجامعي في المغرب
تدخل رجال الشرطة والإطفاء بعد أحداث عنف دموي بين الطلبة في الحرب الجامعي بالرباط عام 2011

ويوضح حداد: "مع بداية التسعينات، وانطلاق تجربة اللجان الانتقالية بقيادة الطلبة القاعديين أنصار الهيكلة، ستعرف الحركة الطلابية نهوضًا جماهيريًا، في تحدٍ للقمع المباشر، الذي سيعمل على توظيف قوى الإسلام السياسي لتكسير هذا النهوض".

 مستطردًا: "تم ذلك عبر شن مواجهات دامية مع المكونات الطلابية التقدمية، مات على إثرها اثنان هما المعطي بوملي بوجدة، ومحمد آيت الجيد بنعيسى بفاس، إضافة إلى عشرات المصابين، منهم من حمل عاهة مستديمة". لكن مع بداية الألفية الثانية ستنتقل ظاهرة العنف لأواسط المكونات اليسارية، وبزعامة ما يسمى بـ"البرنامج المرحلي"، تحت تبرير "محاربة البيروقراطية والتحريفية والرجعية".

ويُرجع حداد أصل مشكلة اتساع نطاق العنف الجامعي في المغرب، إلى أزمة بنيوية يعرفها القطاع التعليمي عمومًا، والجامعي خصوصًا، ومن جهة أخرى لضيق الأفق السياسي في المجال العام والشارع خارج أسوار الجامعة.

الأسباب الحقيقية لمعظم الانتماءات التنظيمية للفصائل في السكن الجامعي بالمغرب، تتمثل في الحصول على الامتيازات والعلاقات

"نبذ كل أشكال  العنف الطلابي، والقطيعة مع هذه الممارسات الدموية، هي السبيل الوحيد لا فقط لإنهاء هذا الوضع، بل لإنقاذ الجامعة من مشاريع الخوصصة التي تحاول الإيقاع بها، ومصادرة هذا الحق في التعليم من يد أبناء طبقات الشعب الفقيرة"، يختم سعيد حداد حديثه لـ"ألترا صوت".

 

اقرأ/ي أيضًا:

جامعات المغرب.. تاريخ موسوم بالدماء

عنف متجدد في المغرب.. حلق شعر "شيماء" وحاجبيها