12-أغسطس-2020

صورة لنصر الله في حارة حريك جنوب بيروت عقب انفجار 2014 (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

في ظهوره الذي أعقب جريمة تدمير بيروت بدا حسن نصر الله حاله حال النخبة اللبنانية الفاسدة، التي لا تترك فرصة لتحويل النكبات والأزمات إلى مكاسب وإنجازات. فالنكبة الفجيعة بحسب توصيفه لها لم تكن سوى محنة إلهية، لاستنهاض التضامن الإنساني في نفوس اللبنانيين، التي طالما عملت الروح الطائفية على تمزيقه وتدمير وشائجه. فإذا ما قدر للروح الطائفية أن تقسم اللبنانيين بفعل تضارب المصالح، فإن فداحة الخسارات قد وحدتهم على صعيد المواجهة؛ المسارعة لإسعاف المصابين، التبرع بالدم، العمل على إزالة الأنقاض، ومن ثم البحث عن مكان مناسب لإيوائهم، الأمر الذي لا يسع السيد سوى الإشادة به ورفع القبعة لكل من ساهم في إنجاحه. 

 يصر حسن نصر الله على مقاربة السياسة بلغة القدرية الدينية، فالحادث الجريمة وفق مخياله السياسي  الديني لم يكن في حقيقته سوى نكبة من نكبات الطبيعة

على خط تسجيل المكاسب من وحي المأساة، لم يغب عن بال السيد حسن ترحيبه بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا لشيء سوى لرغبة منه بالتعامل معها كخطوة دولية على طريق اختراق الحصار الأمريكي، الذي تفرضه إدارة دونالد ترامب على الحكومة اللبنانية التي يرعاها حزبه. كل ذلك دون أن يأخذ بعين الاعتبار خروج ماكرون عن الأعراف الدبلوماسية، التي تمنع عليه الخوض في طبيعة العقد السياسي الذي يجمع بين اللبنانيين، ودون أن يلحظ حجم الغضب العارم الذي فجرته الزيارة، لناحية إصرار بعضهم لرفع هيمنة حزبه السياسي إلى مصاف الاحتلال الغاشم (العريضة المطالبة بالانتداب). في إشارة واضحة منهم لتفضيل الاحتلال الفرنسي لبلادهم على الاحتلال الإيراني بماركة حزب الله.

اقرأ/ي أيضًا: بيروت الصورة.. بيروت الواقع

في معاقرته للسياسة يصر حسن نصر الله على مقاربتها بلغة القدرية الدينية، فالحادث الجريمة وفق مخياله السياسي  الديني لم يكن في حقيقته سوى نكبة من نكبات الطبيعة كالزلازل والفيضانات، الأمر الذي يلغي عنه أو حزبه أية مسؤولية جنائية، مادام الأمر يقع خارج سلطته الفعلية، ويضعه في مصاف المحنة الإلهية أو القدر الإلهي الذي لا سلطان لأحد من البشر عليه. فهو كما يدعي لا علاقة له ولحزبه بأية علاقة رقابية أو أمنية على المرفأ، رغم تأكيد وزير الداخلية الأسبق أشرف ريفي، سيطرة الحزب على جزء حيوي من الميناء أمنيًا كما جمركيًا بما فيه العنبر 12، الأمر الذي يجعل من ادعاء معرفة السيد لمحتويات ميناء حيفا أكثر من محتويات ميناء بيروت مقاربة كوميدية تثير الضحك والتهكم.

لطالما كان أمين عام حزب الله مهمومًا بالمظلومية وتوظيفها كاستراتيجية دفاعية ضد أي نقد حقيقي، قد يطال موقعه الفاعل في إدارة منظومة الفساد السياسي وضمان هيمنته عليها. فإذا ما تم لومه على توظيفه لسلاحه المقاوم في معادلة السياسة الداخلية، اتهم الآخرين بالافتراء ورد عليهم بأن سلاحه للدفاع عن النفس لا للهيمنة، وإذا ما تم لومه لجهة خروجه عن الإجماع اللبناني في قضية الحياد تجاه التدخل في قمع الثورة السورية، خرج على الجميع بهرقطة الهجوم خير وسيلة للدفاع، فإذا لم يحارب الدواعش في سوريا فإنه سيضطر لمحاربتهم في لبنان.

لا يستخدم نصر الله المظلومية لتحويل كل نقد سياسي لحزبه إلى مجرد افتراء، يقتضي الرد عليه عبر القول الحق الذي يبين أوجه القصور التي تعتريه، بل يصر على تحويله إلى حرب لفظية كمقدمة للحرب الحقيقية، الأمر الذي يتيح له تذكير كل جماعة احتجاج بموقعها الضعيف في معادلة القوة، الذي يحتل فيه "الحزب الإلهي" موقع الهيمنة الكاملة على كل الأطراف. كما تذكيرهم بالكف عن توجيه النقد أو فضح الهيمنة وإلا تعرضوا للعقاب الماحق، المتمثل بالحرب الوجودية التي لن تبقي ولن تذر أحدًا منهم.

اقرأ/ي أيضًا: حسن نصرالله: ازدواجية القديس والشيطان

محق حسن نصرالله في خوفه من إجماع الناس على توجيه النقد له ولحزبه، سواء كان ذلك على شكل شتائم من النوع الثقيل، أو على نحو رمزي عبر تعليق صورته على أعواد المشانق. فمع دخول كل ناقد جديد لسماحة السيد، ينكشف لديه كم الأساليب الاحتيالية التي اتبعها حزب الله لإخفاء علاقته بالسلطة التي يهيمن على معظم مفاصلها.

لطالما قامت استراتيجية نصر الله بالحكم، عبر الظهور بمظهر المتعفف به، فبدلًا من مطالبته بالاستحواذ على معظم الحقائب الوزارية لنفسه، كان يفضل توزيعها على مروحة واسعة من الحلفاء الخانعين لسطوته. ففي حين كان لا يألو جهدًا للظهور في كل حدث احتجاجي ضد السلطة كما لو أنه هو الراعي أو الأب لذلك الحدث، فإنه في نفس الوقت لم يكن يدخر جهدًا للقضاء عليه من الداخل، سواء عبر العمل لشق صفوفه أو عبر ممارسته التشبيح على أصحابه على النحو الهمجي الذي مارسه على المعتصمين فوق جسر الرينغ، كما بقية الساحات الاحتجاجية.

كشفت رسالة بيروت الاحتجاجية على جريمة 4 آب الطبيعة العنفية لمظلومية نصر الله مع أبنائها.فأي المظلوميتان سوف تنتصر، مظلومية نصر الله التي تنذر بالموت، أم مظلومية أبناء بيروت التي تعد بحياة خالية من أكاذيب زعماء الطوائف، الذين لا يكفون عن سلب حياة اللبنانيين في الليل والمشي في جنازاتهم في النهار.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فوق ركام مرفأ بيروت

الإنسان بين الحرية والتكليف: محاولة الاكتمال