02-أكتوبر-2023
كاريكاتير لـ عماد حجاج/ الأردن

كاريكاتير لـ عماد حجاج/ الأردن

في عالم يبدو أحيانًا وكأنه مليء بالمستبدين والساسة الذين يتصرفون وكأنهم على قمم جبال من النجاح والإلهام، يصعب عدم التساؤل: هل يعيشون على كوكب الأرض أم أنهم في واقع آخر تمامًا؟

خرج علينا رئيس النظام السوري وزوجته بمشهد يشي وكأن البلاد على خير ما يرام، فأطل من الطائرة التي ستقله في رحلة عودته من الصين الشعبية مبتسمًا، وناطقًا بكلمة أو كلمتين من اللغة الصينية كتحية منه للشعب الصيني.

استجاش المشهد عاطفة الناس في سوريا وخارجها، وهم يعانون الأمرين في سبيل لقمة العيش الصعبة، فأغرقوا صفحاتهم على وسائل التواصل بالشتائم أو السخرية من الزيارة بكل نتائجها.

لطالما تمتع كل الطغاة بذوات نرجسية وأنانية مفرطة. تلك الذات الرئاسية، المعروفة بقوتها الخارقة وعظمتها الباهرة، تتصرف بثقة غير محدودة، مُعتقدةً أنها الشمس التي تدور حولها باقي الكواكب

لكن كل التعليقات أجمعت بأن رئيس النظام مغيب عن حقيقة ما يجري أو منفصل تمامًا عن الواقع، وأن ذاته الرئاسية تأبى أن ترى بوضوح ما ينتظر بلده من مصاعب ومصائب.

لطالما تمتع كل الطغاة بذوات نرجسية وأنانية مفرطة. تلك الذات الرئاسية، المعروفة بقوتها الخارقة وعظمتها الباهرة، تتصرف بثقة غير محدودة، مُعتقدةً أنها الشمس التي تدور حولها باقي الكواكب.

لا يكتفي الرؤساء المستبدون بالقرارات والأوامر العادية، بل يمتلكون قدرات غريبة لتغيير الواقع بمجرد رفع أياديهم. يتجاهلون العقوبات الاقتصادية التي قد تقع على بلادهم، ويبتسمون للكاميرات وكأنهم يلوحون لجمهورهم المحب.

هم بشر من لحم ودم مثلنا، ولكنهم يبدون وكأنهم نسخٌ طبق الأصل من أبطال أفلام الخيال العلمي.

لكن دعونا نُلقي نظرة عن كثب على هذه الذات الرئاسية. فلربما امتلكوا قدرات خاصة تجاوزوا بها إمكانات البشر العاديين؟ أم أنهم يمارسون فقط فنونًا سحرية لإقناعنا بأنهم يستحقون المزيد من الانتباه؟

هل يمكن للذات الرئاسية حقًا تحقيق مآثر سحرية؟ هل يسخرون بعض القوى الخفية التي يبدو أنها تُمنح فقط للمستبدين؟

منهم من يظن بأنه يستطيع تحويل اقتصاد وطن بضغطة زر، ومنهم من يبدو بأنه استمد قوته من تجاهله لقوانين السياسة والاقتصاد وضرب عرض الحائط بالأعراف الوطنية. هذا يجعلنا نتساءل: هل يُتعلم هؤلاء الزعماء سحرهم الخاص في مدارس سرية خلف الستائر؟ أم أنهم مجرد نسخ مهلهلة ومزيفة لأبطال خارقين عشوائيين يتواجدون في المكان والزمان المناسبين الذي ابتلينا بهما؟

الذات الرئاسية ليست قادرة على تحقيق مآثر سحرية أو استخدام قوى خفية والقادة السياسيين الحقيقيون يخضعون للقوانين والمؤسسات والتوجيهات الديمقراطية. أما بالنسبة للقوى الخاصة التي يروج بأن المستبدين يتمتعون بها فما هي إلا أوهام لا تستند إلى دلائل حقيقية.

في العصور القديمة، كان الفراعنة يدعون أنهم يمتلكون صلات خاصة مع الآلهة والقدرة على التحكم في الطبيعة والقوى الخارقة. هذا كان يعزز من سلطة الفرعون وهيمنته.

الإمبراطورية الصينية كانت تبني الصورة الدعائية للإمبراطور كشخص مرتبط بالسماء والأرض، مما يعني أنه يتمتع بتأثير خاص على القوى الطبيعية والكونية.

نعلم جميعًا أنه في مدينة زيان Xian شمال غرب الصين، في عام 246 قبل الميلاد، حين أمر الإمبراطور كين شين هوانج ببناء هذا الجيش، 8000 مقاتل، ليتم دفنه معه عندما يموت، وأمر حينها كين بأن لا يكون هناك جنديين مُتشابهين في هذا الجيش بأكمله، وهذا ما تم بالفعل ببراعة مثيرة للدهشة.

كان لدى بعض الفرس القديمة (الزرادشتيين) مفهومًا للملوك الذين يمتلكون "فريونان"، وهو نوع من القوى الخارقة تمكنهم من فهم وقراءة الأحداث المستقبلية واتخاذ القرارات الحكيمة.

الأمثلة كثيرة جدًا ولا تقتصر على الشعوب القديمة، فالحاضر يزخر بالشواهد الحاضرة في الأذهان، ويحفل بنهايات مرعبة خطها قلم القدر لبعض المستبدين. ورغم ذلك، يبدو أن التاريخ يأبى إلا أن يعيد نفسه.

يؤكد الكثير من المهتمين، بأن الربيع العربي سيعود مجددًا، وبقوة أكبر هذه المرة، لأن شروطه الموضوعية مازالت فعالة حتى الآن بل ازدادت شدة مع تدهور أوضاع المواطنين، لا ينحصر الأمر في الشأن السوري الذي يتربع على هرم الأخبار لضراوة تلك الحرب التي خاضها النظام ضد مواطنيه، بل يتعداها لبلدان شتى.

فهل من متعظ؟ وهل من حكيم؟!