07-أغسطس-2018

مخيم الزعتري (تصوير: ناثان هاريسون)

"الله يحبكم كثيرًا لأنهُ اختاركم من الناجين، ونحن أيضًا نحبه لذات الأسباب"، هذا ما قالتهُ معلمة الفلسفة الفرنسية حين أخبرتُها عن سبب لجوئنا إلى فرنسا، عن الحرب والموت وصفقاته الفاشلة.

يشّن بعض المعلمين نوعًا من الحرب النفسية على اللاجئين الأطفال في الدول العربية

اليوم تحديدًا تذكرت شخصيّةً لم أكن لأتذكرها لولا أسلوبها الجشع، أخلاقها التشبيحيّة وتصرفاتها غير المنطقيّة أبدًا.

اقرأ/ي أيضًا: مطر في مخيم الزعتري

كنّا قد لجأنا إلى الأردن بعد يومٍ كاملٍ قضيناهُ سيرًا على الأقدام، وبعدها ثماني ليالٍ بردها قارس في مخيّم للاجئين السوريين يقع شمال شرق الأردن في محافظة المفرق؛ مخيّم الزعتري.

بعد معركة الزعتري والهروب من الموت، دخلنا معترك الحياة في الأردن، وقبل كُلِّ تلك المعارك كانت معركةٌ هي الأكبر، ليس القصف ولا الحصار، بل التهديدات التي كانت تطال والدي، أبي الذي كانَ يكتب حينها ولا يزال، ضد النظام الدكتاتوريّ القمعي المجرم نظام الأسد.

كانت المدّة التي عشناها في الأردن، ثلاثة أعوامٍ ونصف تقريبًا، دخلنا المدارس الأردنية في بادئ الأمر، ثُمَّ جرى فرز للطلاب السوريين إلى مدارسٍ أخرى غير التي دخلها جميع اللاجئين وقتذاك. "عاتكة بنت عبد المطلب"، تلك هي المدرسة التي حضنت جميع الطلاب السوريين الذين يسكنون في محافظة الزرقاء. إن لم تخنّي ذاكرتي.

ريم نصر أو رنيم نصر، لا أتذكر اسمها جيدًا لكنني أذكر كيف أنها كانت تستعمل طريقتها القمعيّة في تعليمها لنا، معلمة اللغة الإنجليزية حاصلة على شهادة تشبيح ليسَ أكثر، ليست شخصية مهمّة أبدًا، هي محض نموذج عن الأشخاص الذين يفشلون في أداء مهمة نبيلة مثل التعليم.

ترفع يديها الاثنتين مخاطبةً إيانا بطريقةٍ مخابراتية مستفزة جدًّا، تشدد على الحروف تمنعُ الطالبات من مخالفةِ رأيها، تتحدّث بفوقية من تخرج من مدرسة البعث.

"شو خلاكم تطلعوا من سوريا، إيش جابكم لعنا؟ ومالو بشار، سوريا جنة وهو فيها.. بدكم حرية.. بدكم حرية؟". تخيلتها لوهلةٍ ببدلةٍ عسكرية تقف على أحد الحواجز في إحدى المحافظات السورية توبخ "الرايح والجاي" بالألفاظ البذيئة: "بدكن حريّة يا كلاب؟ الأسد أو نحرق البلد. قول ربك بشار".. والكثير من الجمل اللاإنسانية كانت تطن في رأسي حينما تبدأ بالحديث.

تقص علينا الكثير من القصص الخيالية، بالتأكيد، عن بطولات أبناء عمّها الذين يعيشون في الشام. تقول إن الحرب ما دامت من صنع أيديكم "بتستاهلوا إذًا".

لا أدري لماذا أكتب عنها! ولا أعرف إن كان كلامي سيؤثر كما كانت "تدبح قلوبنا بكلامها" كما كنّا نقول أنا وصديقاتي.

التهديد والبذاءة في الألفاظ بمثابة طعنات لمهنة نبيلة كمهنة التعليم

خرجتُ من المدرسة، مدرسة عاتكة بنت عبد المطلب، وكنت أسمع الكثير القليل عنها من بعض الطالبات اللواتي ظللن على تواصل معي. تقول إحداهن بحرقة: "المس رنيم قالت يلا روحوا ع أوروبا أصلًا هن عم ياخدوا السوريين ليصيروا خدم". والكثير أيضًا، الكثير من الحقد والتشبيح واللامنطق في كلامها الموجه لفتيات لا يبلغن من العمر 16 عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في البازار اللبناني

نظام التهديد والتعليم الأسود والبذاءة في الألفاظ، وطعن مهنة نبيلة كمهنة التعليم، لا يجب السكوت عن أمورٍ كهذه أبدًا، لأنَّ جيلًا كاملًا كاد ينجو لكنَّ حربًا نفسيةً كتلك التي يصنعها معلمون ومعلمات في مدارس البلدان الشقيقة دمّرت خطط النجاة كلّها. ولأننا اليوم في بلادٍ بعيدة، يُسمح لنا من منابرنا الصغيرة أن نكتب ونعبّر عمّا رأيناهُ من ظلمٍ وإساءةٍ وقهر..

من أجل تلك الأمور كلها أنا أكتب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حدث في المنفى

اقتل سوريًا... أسبوع الكراهية