05-يونيو-2022
غرافيتي لـ سمير قصير في إدلب

غرافيتي لـ سمير قصير في إدلب

في ذكرى اغتيال سمير قصير، نكتشف نحن الذين نتذكره أننا لا نحير كلامًا مفهومًا وواضحًا. نطالب بالعدالة، إنما لمن؟ لأفراد ذهبوا غيلة في بلد لا يكون المرء فيه متمتعًا بأي حقوق إن لم يكن محميًا بطائفته؟ وممن؟ من قتلة تكاثروا على مر السنين حتى بلغوا اليوم حجمًا أكبر من طائفة كاملة؟ هل نستطيع المطالبة بالعدالة والاقتصاص من قتلة سمير قصير وغيره، وما زالت ذكرى لقمان سليم تنز دمًا؟ ربما يجدر بنا أن نسأل أنفسنا سؤالًا محبطًا: من نحن لنطالب بحقنا في الاقتصاص؟

في ذكرى اغتيال سمير قصير، نكتشف نحن الذين نتذكره أننا لا نحير كلامًا مفهومًا وواضحًا. نطالب بالعدالة، إنما لمن؟

 

اغتيل سمير قصير وكثيرون غيره في حرب كانت تخوضها طائفة لإخضاع طوائف أخرى. سمير قصير لم يكن ابنًا لأي من الطوائف المتصارعة، مثل كثيرين غيره تشردوا في المنافي أو صاروا في القبور أو ما زالوا يجاهدون لتأمين عشاء الليلة. اغتيل سمير قصير تمثيلًا. كان يراد من اغتياله أن يحدث دويًا يخيف مقدمي الطوائف الأخرى وزعمائها. وقد تحقق هذا الأمر جزئيا: بعض الطوائف خضعت، وبعضها ما زال يعد العدة للثأر. وقد يلجأ، إذا ما تضافرت عوامل معقدة، إلى قتل بعض مقدمي الطائفة الخصم. لكن سمير قصير لم يكن من بين مقدمي هذه الطوائف، الخاضعة والممانعة على حد سواء. هكذا تبدو ذكراه سببا للحزن الخالص من دون أي إضافات.

هو القائل: "عودوا إلى الشارع"، وقد عادت إليه حشود لا يمكننا اليوم إحصاء أعدادها وتوجهاتها. لكن العودة إلى الشارع لا تعقبها عودة إلى الوضوح، بخلاف ما كان يدعو سمير قصير. العودة إلى الشارع اليوم هي إعلان يأس، كفر بكل مستقبل وحاضر. نعود إلى الشارع بعيون معصوبة. نريد هواء لنتنفس فقط، لكننا حتى في الهواء الطلق نفتقد إلى الهواء. نريد أن ننظر أبعد من أنوفنا، لكن الرصاص يستطيع أن يطفئ العيون عمدًا. لنقل إن هذا المثال ليس مجازيًا، لقد حدث فعلًا. نعود إلى الشارع ربما لنفتش عن سفينة تحملنا إلى عرض البحر: سفينة مجانين، تبحر من دون توقف ولا يستقبلها مرفأ ولا ترسو على بر. وقد يبدو هذا الاحتمال أفضل الاحتمالات التي قد تواجهنا. ذلك أن البقاء في بلد لم يعد يسمح لنا بالبقاء فيه على ما نحن عليه، ويريد منا أن نغير أفكارنا ونهجر ثقافاتنا وطريقة عيشنا، لا يقدم لنا أكثر من حكم بالإعدام. حكم بأن نعيش حياة آخرين لا نعرف من حيواتهم شيئا يعيننا على مجرد التنفس.

الأرجح أننا نخطئ كثيرًا حين نحسب أن قتلة سمير قصير إنما قتلوه لأنه كان عقبة أمام انتصارهم. أغلب الظن أننا في تلك الفترة من الأحلام كنا مجرد أضحيات جاهزة، يتم التبرع بحيواتها وأحلامها على مذابح طوائف، لم تحسن أن تتعايش وتتركنا لنعيش. لقد قتلوا سمير قصير لأن أمثاله ليسوا أحدًا، لم يكونوا خصومًا حقيقين لهم، قتلوه لأن قتله يحدث ضجيجًا لكنه لا يترك تبعات. وها نحن اليوم نطالب بالعدالة مع أننا ندرك في قرارتنا أن العدالة ليست مما نستطيع التنطح للحلم بتحقيقها. نحن كائنات هذه البلاد غير المرغوب بوجودها، يجدر بنا أن نمضي أعمارنا المتبقية في الحداد على من اغتيل، وندب من بقي حيًا.