07-فبراير-2022

(Getty Images)

عشرات الجرائم السياسية في لبنان لم يتم الكشف عنها منذ انتهاء الحرب الأهلية في البلد في بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم. تتوزع هذه الجرائم السياسية على مرحلتين: المرحلة الأولى إبان تواجد القوات السورية على الأراضي اللبنانية وتدخلها في الحياة السياسية اللبنانية من ألفها إلى يائها. والمرحلة التالية هي تلك التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 وخروج القوات السورية من لبنان.

أشار تقرير رايتس ووتش إلى أن التمويل السخي والتدريب من المانحين لقوى الأمن والقضاء في لبنان لم يُؤدِّيا إلى سيادة القانون

اتسمت المرحلة الثانية منذ عام 2005 وحتى عام 2021 بحدوث جرائم سياسية واغتيالات بالجملة، وقد أصابت هذه الاغتيالات قيادات 14 آذار وثلة من الصحفيين والمفكرين مثل جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي وبيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم ومحمد شطح. وحتى اغتيالات لكوادر حزبية أو ضباط في الجيش اللبناني والقوى الأمنية كاغتيال رئيس جهاز فرع المعلومات اللواء وسام الحسن والنقيب وسام عيد واللواء فرانسوا الحاج. ومنهم من نجا من محاولات الاغتيال كمروان حمادة ومي شدياق وبطرس حرب والياس المر والعقيد سمير شحادة.

كذلك أثارت اغتيالات أخرى العديد من الإشكاليات والتكهنات وشكلت مثار جدل في الشارع اللبناني، ومنها جريمة اغتيال المصور "جو بجاني" في وضح النهار داخل سيارته وأمام منزله من قبل شخصين وبواسطة طلقات نارية من مسدس كاتم للصوت كما يظهر فيديو موثق للجريمة.

وفي العام 2020 اغتيل أحد مدراء المصارف، أنطوان داغر، داخل موقف سيارات في منطقة الحازمية في بيروت. وفي ذات العام، في شهر أيلول/سيبتمبر، اغتيل العقيد المتقاعد منير بو رجيلي، مباشرة بعد انفجار/تفجير مرفأ بيروت في شهر آب/أغسطس ليطرح علامات استفهام حول علاقته وموقعه الوظيفي داخل المرفأ. وقبلها بأربع سنوات، في عام 2017، توفى العقيد الجمركي المتقاعد جوزيف سكاف، والذي تشير الملفات إلى أنه كان على علم بمسألة نيترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت. تبع ذلك العام الماضي، في شباط /فبراير تحديدًا، اغتيال المعارض السياسي الشيعي والكاتب الصحفي لقمان سليم في جنوب لبنان حيث وجد داخل سيارته مقتولًا بست رصاصات في رأسه وظهره.

اغتيالات ومحاولات اغتيال سياسية وأمنية لم تستطع الأجهزة الأمنية التوصل إلى كشف خيوط واحدة منها على الأقل وتقديمها إلى الرأي العام أو سوق المتهمين والمجرمين إلى العدالة، مما يعني بطبيعة الحال أن لبنان بلد مفتوح على كافة الإحتمالات الأمنية وعلى رأسها عمليات التصفية الجسدية. وشكلت هذه القضايا رأيًا عامًا مناهضًا لما يجري من تفلت أمني، وسط سخط شعبي من عدم الوصول إلى نتائج في التحقيقات كما في أغلب التحقيقات التي تتولاها القوى الأمنية والمخابراتية في لبنان مما أوصل حالة الثقة بين المواطنين اللبنانيين والدولة إلى الحضيض. لكن هذا السخط لم يصل إلى ذروة متفجّرة، إذ سرعان ما تخفت حدة السخط، بعد تصدّر قضايا أخرى تؤثّر على المعاش اليومي للناس. 

في هذا الإطار، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا بعنوان "لبنان: تحقيقات حافلة بالعيوب في جرائم قتل ذات حساسية سياسية"، وأشار التقرير إلى أنه يجب على المانحين مراجعة المساعدات المقدمة إلى قوى الأمن الداخلي والقضاء في لبنان، لأنها لم تساعد في تحقيق سيادة القانون. 

. وقد راجعت هيومن رايتس ووتش التحقيقات الأولية التي أجرتها شعبة المعلومات التابعة لـ قوى الأمن الداخلي تحت إشراف النيابة العامة في أربع جرائم قتل يزعم ارتكابها على يد مجموعات لها صلات سياسية أو ذات نفوذ سياسي. لكن لم يحدد أي مشتبه به أو دوافع مما يثير التقاعس المتكرر في اتباع الإجراءات والخيوط الحساسة سياسيًا وتحديد المسؤولين عنها. وذلك يطرح تساؤلات حول الكفاءة المهنية والحيادية في استجابة أجهزة إنفاذ القانون في لبنان، وهو ما يعرض العدالة والمساءلة إلى الخطر.

وفي هذا السياق، قالت باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش، آية مجذوب، إن "جرائم القتل التي لم تحل والتحقيقات المعيبة فيها تذكر بالضعف الخطير لسيادة القانون في لبنان في مواجهة النخب والجماعات المسلحة غير الخاضعة للمساءلة"، وأضافت "قوى الأمن والقضاء، التي تحظى في أحيان كثيرة بتمويل سخي وتدريب من الدول المانحة، لديها القدرات التقنية للتحقيق في جرائم القتل، لكنها تقاعست عن تحديد أي مشتبه بهم في هذه القضايا الحساسة أو اتباع خيوط تحقيق واضحة".

وأفادت المنظمة إلى أنها قابلت أقارب القتلى، ومصادر قريبة من العائلات، ومحامين، وصحفيين، وخبراء في القانون الجزائي في لبنان، وراجعت ملفات قوى الأمن الداخلي المتوفرة ولقطات من مسرح الجريمة، وبعثت أيضًا برسائل إلى قوى الأمن الداخلي ووزارة العدل والنائب العام التمييزي تتضمن أسئلة حول سلوكهم أثناء تلك التحقيقات والإجراءات المعيارية للتحقيق في جرائم القتل، لكنها لم تتلق أي رد.

 

وتجدر الإشارة إلى أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني أجرت جميع التحقيقات الأربعة، وقال محامون، نقلًا عن هيومن رايتس ووتش "إن الشعبة تتمتع بأحدث القدرات التقنية للتحقيق في الجرائم المشتبه به". وذكر محامون وأقارب ومصادر مقربة من العائلات عدم جدية قوى الأمن في التعامل مع التحقيقات، والأهم من ذلك، عدم متابعة خيوط تحقيق مهمة لتحديد الدوافع المعقولة لقتلهم. وقد أعربت العائلات والمحامون أيضًا عن ارتيابهم بشأن عدم تمكن المحققين من تحديد أي مشتبه بهم، رغم ارتكاب جرائم القتل قرب مناطق سكنية مكتظة، أو في وضح النهار، أو حتى أمام الكاميرات. وقد وثق تقرير المنظمة عيوب التحقيقات كعدم الجدية والاستهتار والعبث بمسرح الجريمة وانتهاك القوانين وغيرها من المعايير المنتهكة.

في عام 2018 أعربت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن "قلقها بشأن ممارسة ضغوط سياسية على السلطة القضائية اللبنانية

ويشار إلى أنه في عام 2018 أعربت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن "قلقها بشأن ممارسة ضغوط سياسية على السلطة القضائية اللبنانية، لا سيما في تعيين المدعين العامين وقضاة التحقيق الرئيسيين، وإزاء الادعاءات بأن السياسيين يستخدمون نفوذهم لحماية مؤيديهم من الملاحقة القضائية". ونقلت وكالة رويترز عن مصدر في قوى الأمن الداخلي قوله "وزارة الداخلية تدرس تقرير هيومن رايتس ووتش لكن لا يمكننا الرد مباشرة وبسرعة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

طرد فتاة من وظيفتها بسبب الحجاب يُشعل مواقع التواصل في لبنان

مونيكا بورغمان تتسلّم الجائزة الفرنسية-الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون