09-أكتوبر-2017

يحتفل أمازيغ ليبيا بكثير من الحماس بثقافتهم الأمازيغية بعد 42 عامًا من التضييق (محمود تركية/أ.ف.ب)

كاباو، البلدة القديمة التي تطفو على قمة جبل نفوسة غرب ليبيا، كانت من أوائل المناطق الليبية التي انضمت مبكرًا إلى الثورة وحازت شهرة بسبب ذلك، يقطنها حوالي 10 آلاف شخص من الأمازيغ، يتكلمون لغتهم الخاصة ويتفردون بعاداتهم المميزة، وقد عانوا كثيرًا من القمع تحت حكم معمر القذافي.

برزت خلال السنوات الأخيرة المسألة الأمازيغية في ليبيا كقضية مثيرة للجدل بين الرأي العام وتعرف تجاذبات سياسية في المشهد الليبي

لكن بعد الإطاحة بالنظام الليبي، تحتفل ساكنة كاباو ومعها قرى ومناطق الغرب الليبي بغير قليل من الحماس بثقافتهم الأمازيغية بعد 42 عامًا من التضييق، حيث يخرج الآلاف منهم إلى الشوارع، في كل مناسبة أمازيغية كالأعياد ورأس السنة الخاص بهم، وهم يرقصون ويغنون أهازيج أمازيغية معلنين النصر، وفي ذات الوقت يرفعون أعلامهم الخاصة المخططة بالأخضر والأزرق والأصفر مع رمز تيفيناغ الأحمر الذي يتوسطها، بجانب علم الثورة الليبية.

وهكذا برزت خلال الآونة الأخيرة المسألة الأمازيغية في ليبيا، كقضية مثيرة للجدل بين الرأي العام، وتعرف تجاذبات سياسية في المشهد الليبي.

اقرأ/ي أيضًا: غدامس الليبية.. مدينة تفقد ملامحها

أصل القضية الأمازيغية

يعود الوجود الأمازيغي في ليبيا إلى آلاف السنين، ولما جاءت فترة الفتوحات وما بعدها، تبنوا الأمازيغ اللغة العربية ودخلوا الإسلام وتمسكوا بالمذهب الإباضي، لتختلط الثقافتين العربية والأمازيغية معًا في إطار من التدافع، أنتج تنوعًا ثقافيًا ولغويًا، إلا أن ذلك لم يؤد إلى صراع واضح بين الهويتين، سواء في حقبة المملكة السنوسية، أو أثناء تصفية الاستعمار، إذ لم يُظهر الأمازيغ آنذاك مطالب خصوصية أو انفصالية. وترجح تقديرات أن الأمازيغ في ليبيا يمثلون حاليًا ما يقارب نسبة %10 من إجمالي السكان.

وبحسب أنطونيو موروني أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة "بافيا" الإيطالية، والباحثة كيارا باغانو من "جامعة روما"، فإن القضية الأمازيغية في ليبيا، لم تطف على السطح سوى في السنوات القليلة الماضية بعد الإطاحة بحكم معمر القذافي، بوصفها "نتاجًا فرعيًا لسياسة التوحيد القسري التي فرضها النظام".

ترجح تقديرات أن الأمازيغ في ليبيا يمثلون حاليًا ما يقارب نسبة %10 من إجمالي السكان

ويقول الباحثان الإيطاليان في تقرير للتلفزيون السويسري إن "الأقلية الأمازيغية في ليبيا تعرضت في ظل حكم القذافي، على امتداد أكثر من أربعة عقود، إلى الإقصاء المنهجي من الحياة السياسية ومن التاريخ ومن ذاكرة الجماهير"، مضيفان أن "مجرد الإفصاح عن وجود أقلية أمازيغية في فترة النظام السابق، كان يُفهم باعتباره تمردًا سياسيًّا، ويتعرض قائلوه للقمع بناء على ذلك، وهو ما أدى بشكل تدريجي، عقب ثورة 17 فبراير (شباط)، إلى بزوغ ما يشبه "صحوة أمازيغية" تتبنى المظلومية التاريخية لهويتهم وتطالب بحقوق ثقافية ولغوية".

لكن رغم حالة الفوضى وانتشار السلاح في ليبيا، لم تظهر لدى أمازيغ ليبيا نزعة انفصالية تسعى مثلًا لاستغلال حالة التدهور، فقد شاركت قبائل جبل نفوسة بقوة مع باقي مكونات الثورة الليبية في إسقاط نظام القذافي، حيث كانوا جميعًا ضحية لعقود التهميش وسياسات القمع خلال العهد السابق، وأبدوا تعاونًا في تشكيل المجلس التأسيسي الليبي.

اقرأ/ي أيضًا: "ثاجماعث" أمازيغ الجزائر .. برلمان القرى

البحث عن الهوية

تبع انهيار حكم القذافي حربًا أهلية وفوضى مسلحة لا تزال جارية إلى الآن، بعكس ما كان يأمل الثوار في بناء ليبيا جديدة قوية، ومع ذلك فقد توفر جو من الحرية نوعًا ما، كنتيجة طبيعية لتوزع السلاح على الكل وغياب سلطة مركزية قوية، وهو ما ساهم في إطلاق "صحوة أمازيغية" في ليبيا، دشنت مرحلة جديدة في تاريخ أمازيغ جبل نفوسة، قادها "المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا".

تشكلت هذه الهيئة منذ اندلاع الثورة، حيث عملت على التنسيق بين مختلف الأطراف الأمازيغية المسلحة، والربط بين المجالس المحلية المديرة لشؤون المناطق الأمازيغية. وبعد هزيمة القذافي "أصبح المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا" قوة سياسية لا يمكن القفز عليها، وبات ممثلًا لمطالب الأمازيغ السياسية والثقافية في المشهد الليبي.

وعلى هذا الأساس، تم التنصيص في البند الأول من الإعلان الدستوري المؤقت، المصادق عليه من قبل المجلس الوطني الانتقالي في 8 آب/أغسطس 2011، على "الحقوق الثقافية لجميع مكونات المجتمع الليبي"، كما تشير مسودة الدستور الليبي الجديد، في المادة الثانية إلى أن الهوية الليبية "تقوم على ثوابت متنوعة، ويعتز كل الليبيون بكل مكوناتهم الاجتماعية والثقافية واللغوية"، مثلما تقر نفس المادة باللغة الأمازيغية ضمن اللغات التي يتحدثها الليبيون.

تشير مسودة الدستور الليبي الجديد إلى أن الهوية الليبية تقوم على ثوابت متنوعة كما تقر بالأمازيغية ضمن اللغات التي يتحدثها الليبيون

وكان المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، قد أعلن في شباط/ فبراير من هذا العام بدء التعامل باللغة الأمازيغية بشكل رسمي في المدارس والدوائر الحكومية في المدن والمناطق الليبية ذات الهيمنة الأمازيغية. موضحًا قراره أنه جاء بسبب "استمرار التعنت والإقصاء الممنهج للأمازيغ في ليبيا وتعثر عمل لجنة صياغة مشروع الدستور".

مصطفى أيوب، وهو طبيب في بلدة كاباو الأمازيغية، يقول لصحيفة "الواشنطن بوست" إنه لم يكن لديهم من قبل أي حرية في عهد القذافي، مردفاً "في كل مرة كنا نحاول الارتقاء كنا نسحق، الآن بدأنا نشم الحرية، وعلينا أن نلمسها ونتذوقها". ويسعى أيوب مع أهالي كاباو وممثليها السياسيين إلى الحصول على الاعتراف الصريح بالمكون الأمازيغي في دستور ليبيا الجديد.

وبالتوازي مع ذلك، يعمل نشطاء في كاباو وغيرها من مناطق جبل نفوسة بكل جهد لإحياء لغتهم الأمازيغية من جديد، بعد قرابة نصف قرن من الإهمال، وذلك من خلال إنشاء منظمات جمعيات تعليمية وتدشين قنوات إذاعية وإلكترونية، من بين هؤلاء النشطاء فادية سليمان، وهي معلمة بدأت في تدريس الأبجدية الأمازيغية لطلابها، تقول فادية للصحيفة الأمريكية "لقد وُضعنا في زجاجة مغلقة"، قبل أن تستدرك "لكن ذلك لن يعيقنا لأن هناك من الناس من لا يزالون يعرفون كيفية كتابة اللغة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللغة الأمازيغية تدخل الجامعات الليبية

أبرز 10 نقاط مثيرة للجدل في الدستور الليبي الجديد