26-يناير-2021

احتجاجات في عشرات المناطق الروسية (Getty)

شارك عشرات الآلاف بالاحتجاجات التي دعى لتنظيمها زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني على مستوى الاتحاد الروسي، في واحدة من موجات الاحتجاج العديدة التي ينظمها الروس بشكل دائم ضد فساد الطبقة الأوليغارشية الحاكمة، إلا أن الاحتجاجات التي خرجت السبت كانت مختلفة عن سابقتها بعدما وصفتها الصحافة الغربية بأنها واحدة من أكبر موجات الاحتجاج ضد سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال السنوات الماضية.

شارك عشرات الآلاف بالاحتجاجات التي دعى لتنظيمها زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني على مستوى الاتحاد الروسي

عشرات المدن والبلدات تتفاعل مع دعوة نافالني للتظاهر

بحسب ما أشار موقع ذا موسكو تايمز الإلكتروني، فإن عشرات الآلاف من الروس شاركوا في الاحتجاجات في أكثر من مائة بلدة ومدينة على مستوى الاتحاد الروسي، والتي دعا إليها الناشط السياسي نافالني بعد اعتقاله من قبل السلطات الروسية في إحدى مطارات موسكو أثناء عودته من برلين التي كان يخضع في مستشفايتها للعلاج من محاولة اغتياله بسم غاز الأعصاب نوفيتشوك الذي يعود للحقبة السوفياتية في آب/أغسطس الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: أبرز معارض سياسي في روسيا في المستشفى بعد حادثة "تسمّم" خطيرة

وعلى الرغم من وصول درجات الحرارة في بعض المدن إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر، كما الحال مع  مدينة ياكوتسك في سيبيريا، إلا أن هذه الأجواء شديدة البرودة لم تمنع الحشود من المشاركة في الاحتجاجات التي شهدت زخمًا إضافيًا بعد مشاركة الآلاف في المدن التي تشهد احتجاجات دائمة، بما فيها العاصمة موسكو إلى جانب سانت بطرسبرغ وإيكاترينبرج.

وقالت وسائل إعلام روسية إن السلطات المحلية اعتقلت يوليا نافالني في اليوم الذي استبق الاحتجاجات، بالإضافة لاعتقالها عددًا من مساعدي نافالني، من بينهم مساعدته البارزة ليوبوف سوبول، وعشرات النشطاء المنظمين للاحتجاجات على مستوى الاتحاد الروسي، مشيرةً إلى أن الاحتجاجات تخللتها اشتباكات بين المحتجين وقوات الشرطة، التي استخدمت العنف المنفرط خلال تفريقها للتجمعات الاحتجاجية.

وكانت السلطات الروسية قد اعتقلت نافالني عندما كان عائدًا من برلين قبل أكثر من أسبوع، وكان من المفترض أن تحط الطائرة التي استقلها نافالني مع زوجته في مطار فنكوفو قبل أن تقوم السلطات الروسية بتحويل مسار الطائرة إلى مطار شيرميتيوفا في العاصمة الروسية، وقالت السلطات الروسية إن اعتقال نافالني جاء بسبب انتهاكهم شروط الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ الصادر في عام 2014.

وكان القضاء الروسي قد أدان نافالني بتهم جنائية مرتبطة بالاختلاس والاحتيال، وأصدرت حكمًا بحقه لخمسة أعوام مع وقف التنفيذ، بالإضافة لثلاث سنوات ونصف، وهو ما دفع بالمعارض الروسي لوصف الأحكام بأنها "ذات دوافع سياسية"، وفي عام 2018 رفض ملف ترشحه لانتخابات الرئاسة الروسية بسبب التهم الجنائية التي يواجهها.

اشتباك أمريكي – روسي

على الرغم من الانتقادات الغربية التي وجهت للسلطات الروسية بسبب استخدامها للعنف المفرط في قمع الحركة الاحتجاجية الأخيرة، فإن موسكو دافعت عن موقفها بالإشارة لاستخدام المحتجين العنف في الاشتباكات التي اندلعت مع قوات الأمن، وبحسب رئيس مجلس حقوق الإنسان في الحكومة الروسية فاليري فادييف فإن السلطات الروسية أطلقت سراح معظم الأشخاص الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات الأخيرة.

في مقابل ذلك دافع فادييف عن حملة الاعتقالات التي تخللت الاحتجاجات، بعدما أشار إلى أن الاحتجاجات المنظمة "غير قانونية"، متذرعًا بأن تنظيمها جاء أثناء مكافحة فيروس كورونا الجديد، كما أنه اتهم تطبيق تيك توك للفيديوهات بتحريضه القاصرين على المشاركة في الاحتجاجات، لافتًا إلى أن السلطات الروسية ستحقق في دور التطبيق الصيني بالتحريض على الاحتجاجات.

وفيما يبدو أنه إشارة على عودة الصراع الدبلوماسي الأمريكي – الروسي إلى ما قبل عام 2016، وجهت وزارة الخارجية الروسية اتهامات للدبلوماسيين الأمريكيين بنشرهم خارطة للأماكن التي ستنظم فيها الاحتجاجات قبل يوم من تنظيمها، الأمر الذي ردت عليه السفارة الأمريكية بالقول إن نشرها للخارطة يعتبر من الأمور الروتينية للبعثات الدبلوماسية في معظم الدول من أجل سلامة المواطنين الأمريكيين.

الاشتباك الدبلوماسي الأحدث بين واشنطن وموسكو وصل إلى مرحلة متقدمة مع تغريدة المتحدثة باسم السفارة الأمريكية ريبيكا روس التي أعربت من خلالها عن دعم بلادها للاحتجاجات السلمية وحرية التعبير، متهمة السلطات الروسية بالقضاء على الحريات المدنية والسياسية، وهو ما دفع بالمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لوصف تصريحات الدبلوماسية الأمريكية بأنها "تدخل غير مباشر" في الشأن الروسي الداخلي.

ما علاقة قصر بوتين السري بالاحتجاجات؟

كان للتحقيق الاستقصائي المرتبط بأحد قصور بوتين السرية دور بارز في تأجيج مشاعر الغضب لدى الروس ضد فساد النخبة الحاكمة، إذ أن التحقيق الذي نشره مركز مكافحة الفساد في روسيا، وهو منظمة غير حكومية يديرها نافالني عينه، سلط الضوء على أحد قصور بوتين السرية في منتجع غيلينجيك على البحر الأسود، بكلفة مالية تقارب 1,37 مليار دولار، تم الحصول عليها من شركات النفط الروسية ورجال الأعمال المقربين من بوتين.

التحقيق الذي نشر بعد اعتقال نافالني بيومين تقريبًا، تضمن عرضًا لأهم الوثائق المالية والتفاصيل الداخلية للقصر، وأوضح نافالني الذي ظهر يعلق على الوثائق في الفيديو المصور أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يمتلك 70 كم من الأراضي الخاصة المحيطة بالقصر، مضيفًا أن القصر محاط بـ"أسوار منيعة وميناء خاص وقوات أمن خاصة وكنيسة ونظام تصاريح خاص ومنطقة حظر طيران، وحتى نقطة تفتيش حدودية خاصة به"، وأنه يضم كازينو وملعب هوكي الجليد وحقل كروم لصناعة النبيذ تحت الأرض.

ووصف نافالني القصر بأنه "دولة منفصلة داخل روسيا"، قبل أن يضيف مشيرًا لبوتين بقوله "في هذه الدولة هناك قيصر واحد"، وسجل فيديو التحقيق الاستقصائي الذي تبلغ مدته 113 دقيقة 89 مليون حتى لحظة إعداد التقرير، ووصف الكرملين المعلومات التي وردت في الفيديو بأنها "غير صحيحة".

نافالني يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي

تقول مجلة ناشيونال أنترست الأمريكية إن حادثة اعتقال نافالني بالإضافة للتحقيق الاستقصائي الذي قدمه المعارض الروسي بأسلوبه الشعبوي، كانا من أبرز العوامل التي أدت إلى مشاركة الآلاف بالاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها روسيا، وتضيف مشيرة إلى أن الاحتجاجات كشفت عن جانبين منفصلين في شخصية بوتين يتمثلان بتحوله من "المايسترو الجيوسياسي إلى السارق" أولًا، وتحوله كذلك "من القيصر المنيع إلى السياسي الكسول".

وتشير وكالة بلومبيرغ الأمريكية في تقرير لها إلى المتابعة الواسعة التي يحظى بها نافالني من قبل الروس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موضحة أن هذه المتابعة الواسعة سمحت له بإيصال رسالته السياسية المعارضة للكرملين على نطاق واسع متجاوزًا بذلك القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التابعة للحكومة الروسية، فقد أشار استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا المستقل أن الروس اختاروا نافالني كواحد من الشخصيات العامة الأكثر تأثيرًا في روسيا بدلًا من بوتين.

وتضيف موضحة أن شخصية نافالني التي تجمع بين الكاريزما وطريقة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي لتجاوز القيود التي يفرضها الكرملين، جعلت منه الزعيم المعارض الأكثر وضوحًا بين المعارضين الروس المنقسمين فيما بينهم بالأصل، مشيرةً إلى أنه المعارض الوحيد لسياسات بوتين الذي يملك قاعدة شعبية يمكنها أن تساعده في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في أيلول/سبتمبر القادم.

كان للتحقيق الاستقصائي المرتبط بأحد قصور بوتين السرية دور بارز في تأجيج مشاعر الغضب لدى الروس ضد فساد النخبة الحاكمة

في حين لا ترى وكالة أسوشيتد برس الأمريكية أن الاحتجاجات الأخيرة قد تشكل خطرًا على مستقبل بوتين في السلطة، إلا أنها توسعها على هذا النطاق الواسع على مستوى الاتحاد الروسي، وتحدي المحتجين للسلطات الروسية التي هددت باتخاذ إجراءات عقابية ضد المشاركين في الاحتجاجات، وخصيصًا طلاب الجامعات، تعكس حالة الغضب الشعبي من النظام السياسي الفاسد برئاسة بوتين خلال العقدين الأخيريّن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 أليكسي نافالني.. معارض شاب يهدد عرش بوتين

ملف تسمم أليكسي نافالني يهدد إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا