19-نوفمبر-2023
مظاهرة لطلاب جامعة نيويورك تضامنًا مع فلسطين

مظاهرة لطلاب جامعة نيويورك تضامنًا مع فلسطين (Getty)

قبل أشهر من بدء العدوان على قطاع غزة، أشار استطلاع للرأي أصدره "معهد بيو للأبحاث" إلى تغيّر مشاعر الشباب الأمريكيين تجاه "طرفي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي" بصورة فاجأت الكثير من مراقبي الشرق الأوسط في النخبة الأميركية.

وعلى الرغم من أن الأميركيين يحملون مشاعر إيجابية تجاه الإسرائيليين أكثر من مثيلاتها تجاه الفلسطينيين، وهذا يعود إلى عوامل عديدة مرتبطة بالسياسات الأميركية الداعمة للكيان الإسرائيلي، ودور اللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي، وتأثير الدعاية الإسرائيلية ودورها في هذا السياق؛ فإن الأمر اختلف في السنوات الأخيرة، إذ تطوّر الموقف تجاه الفلسطينيين بين الشباب الأميركيين (بين 18 و29 عامًا) بصورة كبيرة بحيث أصبح 61% منهم ينظرون بإيجابية إلى الفلسطينيين، فيما تبلغ النسبة تجاه الإسرائيليين 56%، وهو ما يعني أن فئة الطلبة الجامعيين تشكّل النسبة الأكبر منهم.

أنشأ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو جبهة سرية للتجسس على الطلاب المؤيدين لفلسطين في الجامعات الأمريكية والتشهير بهم

تقول مجلة "The Nation" الأمريكية إن هناك نسبة متزايدة من الأمريكيين الشباب تتعاطف مع الفلسطينيين لأنهم يرون تشابهًا بين حركات العدالة الأمريكية، مثل "حياة السود مهمة"، والفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الممنهج من قبل الحكومة الإسرائيلية.

أما موقع "prospect"، فيقول إن الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا، لا يعرفون إسرائيل إلا تحت حكم اليمين المتطرف المصمم على حصر الفلسطينيين، داخل المناطق المحتلة، ضمن بقع جغرافية صغيرة جدًا، وإجبارهم على الرحيل إلى دول أخرى عبر مجموعة من الممارسات التي تجعل حياتهم لا تطاق.

جهود إسرائيلية لمواجهة تصاعد دعم الفلسطينيين داخل الجامعات الأمريكية

دفع تصاعد الدعم الداخلي في الولايات المتحدة للفلسطينيين، وتحديدًا ضمن فئة الطلاب الجامعيين، بإسرائيل إلى تعزيز جهودها الاستخباراتية لتطويق هذه الموجة المتفاعلة في الجامعات الأمريكية. والأمر ليس بجديد، إذ استخدم تحالف "إسرائيل في الحرم الجامعي" (منظمة غير معروفة لها صلات بالمخابرات الإسرائيلية) العديد من المخبرين على مدار سنوات عديدة، للتجسس على المجموعات المؤيدة للفلسطينيين الجامعات، وهذا ليس إلا جزءًا من عمل المؤسسات الأمنية لدولة الاحتلال.

وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، نشرت مجلة "The Nation" تقريرًا بعنوان "حرب إسرائيل على الناشطين الطلابيين الأمريكيين"، جاء فيه أنه: "في 11 أكتوبر الماضي، توقفت شاحنة بيضاء تشبه الصندوق أمام المدخل الرئيسي لجامعة هارفارد، وهو عبارة عن بوابة سوداء من الحديد المطاوع مزينة بإكليل أنيق من طراز النهضة الجورجية. كانت مثبتة على جوانب الشاحنة وظهرها ثلاث شاشات LED مبهرجة على شكل لوحات إعلانية تعرض صور عشرات الطلاب، وتحت وجوههم كانت هناك عبارة (أبرز معادي السامية في جامعة هارفارد)".

ترعى هذه الشاحنة مجموعة يمينية تدعى "Accuracy in Media"، وكانت أهدافها الطلاب الذين وقّعوا على رسالة برعاية "لجنة التضامن مع فلسطين بجامعة هارفارد"، جاء فيها أن: "أحداث اليوم لم تأت من فراغ. على مدى العقدين الماضيين، أُجبر ملايين الفلسطينيين في غزة على العيش في سجن مفتوح. لقد وعد المسؤولون الإسرائيليون بـ(فتح أبواب الجحيم)، وقد بدأت المجازر في غزة بالفعل".

وبعد مغادرة "هارفارد"، بدأت الشاحنة مهمة بحث وتدمير كارثية، حيث توجهت إلى منازل الطلاب لمعرفة مواقعهم وتدمير فرص عملهم المستقبلية. وقد تلقى بعض المستهدفين، في وقت لاحق، تهديدات بالقتل. بينما شعر آخرون بالقلق بشأن ما قد يحدث بعد ذلك، مع خسارة واحد على الأقل لعروض العمل، حيث قل أحد الطلاب المعنيين: "إن مسيرتي المهنية على المحك". ومع تزايد أشكال المضايقات التي يتعرض لها الطلاب المؤيديون للفلسطينيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يصبح السؤال حول ما إذا كانت المخابرات الإسرائيلية تقف وراء بعضها، أكثر إلحاحًا.

ويذكر كاتب التقرير أنه: "منذ شهر مارس، قمت بتفصيل العديد من عمليات التجسس غير القانوني والعمليات السرية التي تقوم بها "إسرائيل"، والتي تستهدف الأمريكيين في الولايات المتحدة، وكل ذلك دون أدنى تدخل من مكتب التحقيقات الفيدرالي، بما فيها قيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عام 2016 بإرسال عميل سري إلى الولايات المتحدة لتقديم معلومات استخباراتية سرية لحملة ترامب مقابل وعد بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل".

تضمنت عمليات التجسس السرية التي قامت بها "إسرائيل" داخل الولايات المتحدة، والتي استهدفت النشطاء الأمريكيين الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والقضية الفلسطينية، نشر عملاء من مجموعة "Psy-Group"، وهي جماعة سرية للحرب النفسية، للتجسس على الأمريكيين ومضايقتهم مع إخفاء دور "إسرائيل".

جبهة سرية للتجسس على مؤيدي فلسطين وترهيبهم

بعد ذلك، حوّل بنيامين نتنياهو اهتمامه سرًا إلى الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، ومجموعات الجامعات الأمريكية في الولايات المتحدة التي تناضل من أجل الحقوق الفلسطينية. وخوفًا من الدعم المتزايد للقضية الفلسطينية في الجامعات، أنشأ جبهة سرية للتجسس على هذه الجماعات ومضايقتها وترهيبها وتعطيلها.

ومن الأمور الحاسمة في هذا الجهد هو تحالف "إسرائيل من أجل الحرم الجامعي" (ICC) غير المعروف الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له، حيث استخدمت المنظمة المرتبطة بكل من المخابرات الإسرائيلية و"لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (أيباك)، مخبرين طلابيين ينتمون إلى منظمة جامعية يهودية مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة لجمع معلومات استخباراتية عن الطلاب والجماعات المؤيدة للفلسطينيين.

يتعاطف الشبان الأمريكيون مع الفلسطينيين لأنهم يرون تشابهًا بين حركات العدالة الأمريكية والفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع من قِبل حكومة الاحتلال

وتشير بعض التحقيقات إلى أن "إسرائيل" تدير، بشكل غير قانوني، عملية تجسس سرية في مختلف جامعات الولايات المتحدة. بينما من المحتمل أن يكون جاكوب بايمي، الرئيس التنفيذي الحالي للمحكمة الجنائية الدولية والمدير الميداني الوطني السابق لمنظمة "آيباك"، عميلًا سريًا لـ"إسرائيل". وبمجرد نقل البيانات الخاصة بالطلاب المؤيدين للفلسطينيين إلى المخابرات الإسرائيلية، يمكن استخدامها في عمليات سرية "لسحقهم"، على حد تعبير بايمي.

ويكمل كاتب التقرير قائلًا إنه في عام 2016، على سبيل المثال، أطلقت مجموعة "Psy-Group" الإسرائيلية المرتبطة بالموساد، "مشروع الفراشة" الذي تم تمويله سرًا من قبل مانحين يهود أثرياء في الولايات المتحدة، وكان من بين أهدافه استخدام معلومات زائفة لمهاجمة وتدمير سمعة أهداف المجموعة ووصمهم بـ"الإرهابيين".

وكان من بين الضحايا العديدين حاتم بازيان، المحاضر في "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي والقيادي في الحركة المؤيدة للفلسطينيين. ففي صباح أحد الأيام، بينما كان على وشك اصطحاب ابنته إلى المدرسة، وجد نشرة إعلانية على الزجاج الأمامي لسيارته وسيارات أخرى متوقفة على طول شارع حيه الهادئ في شمال بيركلي. وما أثار رعبه أن المنشورات احتوت على صورته مع تعليق مكتوب بأحرف كبيرة عريض: "إنه يدعم الإرهاب". كما تم تجميع ملف عن بازيان يتضمن بيانات كاذبة ومضللة بالإضافة إلى اتهامات زائفة بـ"معاداة السامية".

وأشار تقرير سري لمجموعة "Psy-Group" إلى أن بازيان: "حظي باهتمامنا الكامل في الأسابيع القليلة الماضية". كما أشارت الوثيقة إلى أنه: "يتم إجراء عملية استخبارات بشرية على الأرض على كل فرد من الأفراد المستهدفين".

ووفقا لبيمي، فإن مركز القيادة التابع للمحكمة الجنائية الدولية الذي يشبه غرفة الحرب، مع جداره من الشاشات المسطحة، يستخدم تكنولوجيا الاستخبارات الأكثر تقدمًا في السوق لأجل تنفيذ أغراضه. في ذلك الوقت، كانت تتضمن "Radian6"، الذي راقب المحادثة عبر الإنترنت في الوقت الفعلي من أكثر من 650 مليون مصدر لوسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك Facebook وTwitter وYouTube والمدونات والمجتمعات الأخرى عبر الإنترنت.

ودفعت المجموعة أكثر من مليون دولار لشركة استشارات سياسية رفيعة المستوى في واشنطن FP1، للترويج لمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تهاجم الطلاب الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية.

تتمتع المحكمة الجنائية الدولية، المختبئة خلف جدارها الرقمي المبهم، بالحرية في التشهير، وتوجيه اتهامات زائفة وشائنة بمعاداة السامية والإرهاب، تمامًا مثل شاحنة الاستقصاء في جامعة هارفارد (على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أن تلك كانت عملية تابعة للمحكمة الجنائية الدولية).

وأشار الكاتب إلى أن التخويف هو الهدف، وكل ذلك دون خوف من المحاسبة، أو الكشف عن صلاتهم المباشرة بالحكومة الإسرائيلية. وبمجرد أن تنتهي عملية جمع المعلومات، تتدفق البيانات من شبكة جواسيس الجامعات ومعدات المراقبة الإسرائيلية عالية التقنية، التابعة للمحكمة الجنائية الدولية، إلى رابطة مكافحة التشهير التي تستخدمها لإعداد تقريرها السنوي "النشاط المناهض لإسرائيل في الجامعات الأمريكية".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن رابطة مكافحة التشهير تعمل إلى حد كبير كمنظمة دعائية مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، إذ يقضي مديرها جوناثان غرينبلات معظم وقته في إجراء مقابلات وحوارات إعلامية حول الطلاب والجماعات المعارضة للاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وانتهاكاته حقوق الإنسان.

وتحدث الموقع عن القلق لدى منظمي تظاهرة "المسيرة من أجل إسرائيل"، هذا الأسبوع في واشنطن، حول قلّة الأعداد المتوقعة للمشاركة. ولذلك، عرضت المحكمة الجنائية الدولية دفع مبلغ 250 دولارًا لأي طالب مؤيد للاحتلال من أجل الحضور.

من المهم بالنسبة لإسرائيل إخفاء جميع الروابط الحكومية والمالية مع المنظمات الأمريكية التي تستهدف الأمريكيين سرًا. ولتحقيق ذلك، أنشأت وزارة الشؤون الاستراتيجية منظمة واجهة زائفة بريئة المظهر، "حفلة موسيقية" (كيلا شلومو سابقًا) التي من المفترض أنها "مؤسسة خيرية" إسرائيلية غير ربحية، وتم تمويلها بحوالي 35 مليون دولار من مجلس الوزراء.

كان أحد الأسباب الرئيسية لمحاولة إخفاء عمليات الوزارة في الولايات المتحدة خلف المؤسسة الخيرية الزائفة، هو القلق من احتمال اعتقال الأمريكيين بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA). وقبل اتخاذ قرار إنشاء الجبهة، حاولت الوزارة تمرير ملايين الدولارات إلى المنظمات اليهودية الأمريكية لدفع ثمن الدعم والتعاون في تنفيذ عملياتها السرية. وتضمنت إحداهما نقل الأفراد جوًا إلى إسرائيل لتدريبهم على أن يصبحوا "مؤثرين" سريين، ثم العودة إلى الولايات المتحدة لنشر الدعاية المؤيدة لـ"إسرائيل".

عزّزت "إسرائيل" جهودها الاستخباراتية لتطويق تصاعد الدعم الداخلي في الولايات المتحدة للفلسطينيين، وتحديدًا ضمن فئة الطلاب الجامعيين

وتقوم "إسرائيل" أيضًا، والكلام دائمًا، لكاتب المقال، بتوظيف يهود أمريكيين سرًا كجواسيس للعمل خارج سفارتها في واشنطن وقنصلياتها في جميع أنحاء الولايات المتحدة من أجل مراقبة زملائهم الأمريكيين سرًا، بما في ذلك الطلاب الذين تم فحصهم بدقة لضمان الولاء لإسرائيل.

وقد أمضى العديد من هؤلاء، الذين تم تعيينهم، سنوات في العمل والأنشطة المؤيدة لإسرائيل منذ أن كانوا في الكلية وقبل ذلك. وكان من بينهم جوليا ريفكيند، التي قادت مجموعة مؤيدة لإسرائيل في جامعة كاليفورنيا في ديفيس قبل أن تنتقل لتصبح ناشطة في "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (إيباك). وبعد تخرجها في عام 2016، وظّفتها إسرائيل وتم تعيينها في سفارتها في واشنطن. وتوضح ريكفيد طبيعة عملها بقولها إنها تقوم: "بشكل أساسي بجمع المعلومات الاستخبارية وتقديم التقارير إلى إسرائيل".

وعن الأساليب التي تستخدمها، تقول إن من بين الطرق التي تتجسس بها على النشطاء المؤيدين للفلسطينيين ولحقوق الإنسان الفلسطيني، هي حسابات فيسبوك المزيفة. وقالت: "لديّ حساب فيسبوك مزيف أتابع فيه جميع حسابات SJP (طلاب من أجل العدالة في فلسطين). لدي بعض الأسماء المزيفة، فاسمي جاي برنارد أو شيء من هذا القبيل".

وبحسب الموقع، فإنه بمجرد أن تجمع ريفكيند المعلومات الاستخبارية عن أهدافها، تقوم حينها بنقلها إلى رئيسها في السفارة، ثم يتم إرسالها إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية والمكاتب الأخرى عبر نظام مشفر آمن يسمى "الكابلات".

ويقول الموقع إنه منذ 7 أكتوبر الماضي، تكثّف المحكمة الجنائية الدولية وشبكات التجسس التابعة لها من عملها، إذ تعمل لأوقاتٍ إضافية بالتزامن مع تدخل ضئيل من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ويذكر الموقع أن هذه المواقف المرتبطة بالأعمال التجسسية الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة الأمريكية: "أحبطت حتى الرئيس السابق لقسم مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفيدرالي"، فحينما سأله صاحب المقال لماذا لا يتحدث أحد عن التجسس الإسرائيلي الضخم في الولايات المتحدة، قام بهز رأسه ببساطة وقال إنه لا أحد يستطيع أن يفعل أي شيء.". كما يؤكّد صاحب المقال أنه رفع قضايا إلى وزارة العدل بشأن الاحتلال، لكن تلك الملفات لم تفتح على الإطلاق.