18-فبراير-2023
زلزال تركيا

الوفد الإسرائيلي كان أول الوفود التي أوقفت عملها في تركيا (Getty)

"وقفت الليلة على أرض تركيا ولم أصدق ذلك. يصعب عليّ أن أصف بالكلمات المشاهد، الكارثة، الدمار، الركام. على الرغم من كل الصعوبات، تمكنت من العثور على نقطة مضيئة: مهمة الإنقاذ والمساعدة الطبية "أغصان الزيتون"[اسم عملية الإنقاذ من قبل الجيش الإسرائيلي]".

هذه الكلمات كتبها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي ران كوخاف، عبر تويتر خلال زيارته إلى تركيا بعد الزلزال.

المهمة الإسرائيلية السريعة، كانت أقرب إلى عملية بروباغندا إسرائيلية، حيث ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية، على عمل فريق الإنقاذ وقامت بمقابلة أعضاء من الفريق وتابعت عمله بشكلٍ مستمر، أمّا خبر انسحاب الفريق، فلم يحظى بتغطية إعلامية واسعة إسرائيليًا

التغريدة جاءت، بعد الإعلان عن انتهاء مهمة الوفد الإسرائيلي المتواجد في تركيا، يوم الأحد، والمشارك ضمن عمليات إزالة الأنقاض، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، فجر يوم الإثنين الماضي، ليكون بذلك الفريق الإسرائيلي، أول فريق إنقاذ يغادر تركيا (مع بقاء الوحدة الطبية).

كلمات كوخاف هذه، أتت ضمن محاولة إسرائيلية للاستثمار في ركام الزلزال، فلإسرائيلَ تاريخ طويل مع الركام، ويعرف كوخاف نفسه الركام جيدًا، رغم ادعائه الصدمة أمام الركام التركي. كيف لا وهو الذي يخدم في جيش الاحتلال منذ 34 عامًا، حيث بدأ مقاتلًا مع سلاح الجوّ، واشتملت سنوات خدمته على مهامّ قتالية في جنوب لبنان وفلسطين.

Earthquake Hits Turkey And Syria

 

لإسرائيل تاريخ معروف مع الركام، ولها علاقة وثيقة معه  إلى حد الاستثمار به. فقبل أربعة أعوام، عندما ترشح رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس، لانتخابات الكنيست لأول مرة، اشتمل المقطع المصور الدعائي لقائمته على صور جوية لمدينة رفح في قطاع غزة، وذلك بعد عملية قصف طويلة صبيحة أحد أيام الجمعة في حرب عام 2014 على قطاع غزة، محاولًا أن يستعرض إنجازاته، ومقدمًا دعايته الانتخابية، القائمة على الركام حرفيًا، حيث قاد هيئة أركان الاحتلال خلال تلك الحرب، وكانت مادته الدعائية الأولى.

أما على وقع الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، فكانت المهمة الإسرائيلية السريعة، أقرب ما تكون إلى عملية بروباغندا إسرائيلية، حيث ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على عمل فريق الإنقاذ وقامت بمقابلة أعضاء من الفريق وتابعت عمله بشكلٍ مستمر، وجرى تضخيم هذه المشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر حسابات ناطقة بالتركية. أمّا خبر انسحاب الفريق وعودته، فلم يحظ بتغطية إعلامية واسعة إسرائيليًا، خاصةً أنه حصل بعد أقل من أسبوع على الزلزال.

زلزال تركيا 2023

نفذت عمليات الإنقاذ من قبل جنود في جيش الاحتلال، ضمن عملية "أغصان الزيتون"، بحسب تسمية جيش الاحتلال لها، بالإضافة إلى منظمة إيهود هتسلا، ومن المقرر أن يبقى في تركيا وحدة طبية تابعة لجيش الاحتلال. وعزت وسائل إعلام إسرائيلية سبب إنهاء المهمة "بوجود تهديد أمني كبير"، على حدّ تعبيرها، دون إيضاحات فعلية حول ماهية هذا التهديد الأمني.

وإجمالًا، يتكون الوفد التابع لجيش الاحتلال من جنود الاحتياط في قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقد عمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية والسفارة الإسرائيلية في أنقرة وقيادة الجبهة الداخلية في الجيش المسؤولة فعليًا عن معظم عناصر الفريق الإسرائيلي. وما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية، هو أن الوفد الإسرائيلي، كان الوحيد الذي رافقته وحدة مسلحة، وهي وحدة شالداغ (قوة نخبة سلاح الجو).

ومثل كل الأشياء في إسرائيل، فإن الطابع الأمني يطغى على عمل الوفد، وقد كان حاضرًا في حتى في عمليات الإنقاذ، كما لم تفوت دولة الاحتلال الفرصة لاستعراض تقدمها التكنولوجي في جانيه العسكري، إذ تحدثت تقارير إعلامية، عن مساهمة وحدة استخبارات سلاح الجو الإسرائيلي 9900، من خلال قدراتها الجوية والفضائية في عملية الإنقاذ بتركيا، وهي تقنية تستخدمها القوات الخاصة الإسرائيلية في الأصل، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية.

لم يكن هذا التدخّل الإسرائيلي في شكله ودوافعه غريبًا على دولة الاحتلال. ففي دولة استيطانية، تُعد الثقافة العسكرية عاملًا مكونًا أساسيًا فيها، ما ينعكس على كافة المناحي الأخرى. فقد ترأس الوفد الضابط في جيش الاحتلال غولان فوش، وفوش هذا قد تجند في جيش الاحتلال ضمن كتيبة المظليين 890، التي قاد سرية منها في جنوب لبنان، كما خدم في لواء جفعاتي وغيرها، قبل أن يتحول إلى قيادة الجبهة الداخلية في دولة الاحتلال. أما بعد تسريحه من الجيش، فقد عُيّن قائدًا لوحدة الإنقاذ الوطنية في إسرائيل. أما الوفد الطبي في عمليات الإنقاذ في تركيا فكان على رأسه الضابط في الجيش الإسرائيلي إلعاد إدري.

الغسيل الأزرق

مشاركة جيش الاحتلال، في عمليات الإنقاذ في تركيا، لم تكن استثنائية من ناحية المشاركة أو شكلها، فإسرائيل تعمد باستمرار إلى إرسال فرقها إلى أماكن الكوارث في العالم، في هاييتي ونيبال وأوغندا وغيرها، ضمن ما يمكن وصفه بـ"الغسيل الأزرق"، والذي يعني توظيف إسرائيل لهذه العمليات الإغاثية ضمن محاولة التغطية على جرائمها، وتبييض تاريخها، القائم على الاحتلال والقتل والتهجير المستمر منذ 100 عام.

زلزال تركيا 2023

واستخدم مصطلح "الغسيل الأزرق"، في عدة مقالات صحيفة، للإشارة إلى الحملات الإسرائيلية، التي تعمل على إظهار المشاركة الإسرائيلية المؤثّرة من خلال الإمكانات التكنولوجية والطبية المتوفرة لديها، في حملات إنقاذ على مستوى العالم، ومن بينها عرض الخدمات على دول لا تربطها بها أيّ علاقة، وذلك بهدف التستر على حملات القمع الممنهج والعنف الاستعماري المتلازم معها. وكان مسؤول طبي في الجيش الإسرائيلي، قد أشار سابقًا، إلى أن هذه التحركات "تساهم في جهود العلاقات العامة الإسرائيلية".

والمشاركة الإسرائيلية، تغلف رسميًا وإعلاميًا، باعتبارها تمثيلًا لـ"القيم الإسرائيلية" واليهودية، مع الحديث عن أهمية هذا العمل في إنقاذ الأرواح، وهذا ما تكرر على رئيس لسان الوزراء الإسرائيلي ورئيس هيئة الأركان ووزير الأمن.

يتجلى ذلك، في افتتاحية صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، فقد امتدحت الصحيفة السلوك الإسرائيلي، معبرةً عنه، بالقول: "في هذه العملية، اكتسبت إسرائيل سمعةً باعتبارها رائدةً في البحث والإنقاذ. في حين أن هذه البعثات قد يكون لها تأثير دبلوماسي قصير المدى فقط في تحسين العلاقات مع الدول المتضررة، فقد كان لها بالفعل تأثير طويل المدى على تعزيز سمعة إسرائيل".

وبالتأكيد تسعى إسرائيل إلى أحداث تأثير دبلوماسي، ولو أظهرت الصحيفة أنه قد يكون قصير المدى، خاصةً مع عودة الحرارة من جديد إلى العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ومحاولة دفع ذلك بشكلٍ أكبر، كما أن "سمعة إسرائيل"، تظهر كجملة فضفاضة في افتتاحية الصحيفة، لكن إسرائيل بما هي دولة استعمار استيطاني، لا تعمل كجمعية خيرية في المنطقة، وسمعة إسرائيل، تعني هنا محاولة ترويجها في المنطقة، التي يرفض معظم سكانها التطبيع معها ويرونها الخطر الأول على أمنهم، بحسب أرقام المؤشر العربي.

هذه البروباغندا الإسرائيلية التي جاءت فوق ركام كارثة الزلزال الذي وقع فجر الإثنين الماضي، تزامنت مع عملية إعدام، نفذها جيش الاحتلال، فجر يوم الإثنين نفسه، وأثناء اللحظات التي كانت الأرض في جنوب تركيا وشمال سوريا ترتجّ على وقع الهزّات الارتدادية، اقتحمت قوة من جيش الاحتلال، مدينة أريحا، وقتلت خمسة فلسطينيين من بينهم أشقاء. كان الجيش الإسرائيلي "ينقذ تركيا ويحوّل الضفة الغربية إلى ركام" بحسب عنوان في "هآرتس": ينقذ أطفالًا من تحت الزلزال، ويقتل مثلهم في فلسطين، ينتشل جثث أتراك قضوا تحت حطام منازلهم، ويخطف عشرات الجثث لفلسطينيين ويحجزها في الثلاجات، ينبش بين الركام في جنوب تركيا، بينما يهدم بآلياته العسكرية مئات بيوت الفلسطينيين كل عام. 

بينما يعود الجيش الإسرائيلي من تركيا، من فوق الركام، فإن فرقًا من الجيش الإسرائيلي تتحضر لتحويل منازل الفلسطينيين إلى ركام

بينما يعود الجيش الإسرائيلي من تركيا، من فوق الركام، فإن فرقًا من الجيش الإسرائيلي تتحضر لتحويل منازل الفلسطينيين إلى ركام، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، يصب كل تركيزه على عمليات هدم وإغلاق منازل الفلسطينيين، على امتداد فلسطين، من عكا إلى جنين والقدس، فيما تترك غزة مع الركام منذ سنوات، مع جولات دورية ومستمرة من الحرب، تضاعف من كمياته.