يبدو أن الاتفاق الذي أُعلن عنه اليوم بين واشنطن وموسكو والذي ينص على وقف إطلاق النار في سوريا لمدة أسبوع، يوضح مدى جدية الطرفين على تسوية الصراع، كل حسب مصالحه وأولوياته. وبالرغم من عدم اليقين من نجاح هذه الخطوة تبعًا لمحددات كثيرة ومعقدة، إلا أن الوصول إلى هذه النتيجة في هذا التوقيت يعني الشيء الكثير، فبعد مباحثات استمرت لأسابيع طويلة ونقاط خلاف متعددة وتعنت من قبل الطرفين تمت الهدنة.
تركيا بدورها بدت براجماتية واعية لأولوياتها المتمثلة بدحر الأكراد وإنهاء حلمهم، فعملت على كسب ودّ بوتين الذي وافق بعد رفض متكرر على دخول الأتراك معركة الشمال
بداية لابد لنا من قراءة هذا الاتفاق ضمن سلسلة التغيرات والتحولات الكبيرة التي حدثت على الداخل السوري من إعادة تموضع أطراف في الصراع إلى اتفاقات وتفاهمات بين خصوم الأمس، فتصالح الأتراك مع روسيا وإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتقارب الحاصل بين أردوغان وطهران وتدخل أنقرة في الحرب السورية، كل هذا كان له الأثر الأكبر في الوصول إلى التهدئة، فقد برز عنصر التخصصية واختيار مناطق النفوذ للاعبين هناك، وظهر على السطح وجود تنسيق متقدم، ففي دمشق وريفها استعاد النظام داريا والمعضمية وها هو يحاول بسط نفوذه على حي الوعر في حمص ليكمل عقد ما بات يعرف بسوريا المفيدة، وينشط كذلك في حلب لمحاولة إخراج المدينة من قبضة فصائل المعارضة المسلحة ليحقق انتصارًا هامًا ونوعيًا في المعركة.
تركيا بدورها بدت براجماتية واعية لأولوياتها المتمثلة بدحر الأكراد وإنهاء حلمهم، فعملت على كسب ودّ بوتين الذي وافق بعد رفض متكرر على دخول الأتراك معركة الشمال، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة كانت بعيدة عن هذا التفاهم، إلا أن لها حسابات أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: الثورة السورية العظيمة دائمًا
فتنطلق مقاربة الولايات المتحدة في الأزمة السورية هذه الأيام بعدم تغليب طرف على آخر من جهة، ومحاولة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية لتحقيق نصر -ولو كان رمزيًا- لدعم الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية القادمة. هذه الأسباب دعت واشنطن لتمرير دخول الأتراك إلى الحدود الشمالية السورية والتخلي عن الأكراد، ووصولًا إلى هذا الاتفاق الذي يجعل الروس في صف إدارة أوباما الراحلة في حربها على "الإرهاب"، ليصبح جميع الفرقاء خلف رؤية الولايات المتحدة للتخلص من "داعش".
التوقيت الذي أُعلن فيه الاتفاق أتى بعد يوم واحد من مقتل أبو عمر سراقب وأبو مسلم الشامي أحد أبرز قادة فتح الشام "جبهة النصرة" بغارة جوية "مجهولة"، فهل لهذه الحادثة أثر على اتفاق اليوم خصوصًا وأنه لطالما كانت جبهة النصرة وتصنيفها محط خلاف بين واشنطن وموسكو، فهل أعلنت هذه العملية ومن بعدها الاتفاق نية الولايات المتحدة تصفية الفصائل الإسلامية المسلحة، والاتجاه نحو تسوية القضية السورية مع الروس، أم أن ما حصل مجرد تكتيك آني لحين تغير الأوضاع الميدانية.
الواضح من أخبار الأوضاع الميدانية أن المعارضة السورية المسلحة بدأت تخسر مواقعها في حلب، وعاد الحصار المفروض عليها من قبل قوات النظام، فيما تركيا تبدي حيادًا سلبيًا تجاه المعركة التي يبدو أنها اختارت تقديم مصالحها على حساب تقديم الدعم للمعارضة.
في سوريا اليوم يمكن وصف ما يحدث بمثل عربي قديم، يقول: "كل يغني على ليلاه".
اقرأ/ي أيضًا:
حلب تحاصر من جديد
الاختلاف بين تركيا وأمريكا في الشمال السوري
بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس