26-يناير-2024
باختصار ما هي الإبادة الجماعية

(Getty) اعترف في الإبادة الجماعية لأول مرة كجريمة بموجب القانون الدولي في عام 1946 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة

الإبادة الجماعية هي الأفعال المرتكبة عن قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، وتقوم على قتل الجماعة، أو التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة، أو تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة بهدف تدميرها الجسدي كليًا أو جزئيًا، أو فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل المجموعة، أو نقل أطفال المجموعة قسرًا إلى مجموعة أخرى.

وتم التوافق على تعريف جريمة الإبادة الجماعية، الذي يظهر في المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، لتعكس "حل وسط" بين أعضاء الأمم المتحدة عام 1948، وتم استخدام تعريف الإبادة الجماعية بنفس المصطلحات الواردة في اتفاقية الإبادة الجماعية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 6) الصادر عام 2002، وكذلك في الأنظمة الأساسية للسلطات القضائية الدولية والمختلطة الأخرى. كما قامت العديد من الدول بتجريم الإبادة الجماعية في قوانينها المحلية.

مصطلح الإبادة الجماعية، تبلور نتيجة أهوال جرائم الحرب العالمية الثانية، ونظم في اتفاقية عام 1948

الإبادة الجماعية.. تاريخ المصطلح

أول من صاغ كلمة إبادة جماعية، هو المحامي البولندي رافاييل ليمكين، في عام 1944، داخل كتابه "حكم المحور في أوروبا المحتلة". 

ويتكون المصطلح، من الكلمة اليونانية genos، والتي تعني العرق أو القبيلة أو الجماعة، واللاحقة اللاتينية cide، والتي تعني القتل. 

طور المحامي اليهودي البولندي ليمكين مصطلح الإبادة الجماعية، ردًا على أهوال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الهولوكوست، وأعمال القتل الجماعي فيها على أساس العرق أو الدين، وبناءً على الأمثلة السابقة من التاريخ عن القتل الذي يهدف إلى تدمير مجموعات معينة من الناس. ويشار عادةً إلى ناميبيا، التي كانت خاضعة للاستعمار الألماني، والجرائم التي ارتكبت بحق شعب "الهيريرو" و"الناما"، ما بين 1904 و1908، كأول إبادة جماعية في التاريخ الحديث.

وفي أعقاب تطوير المصطلح، قاد رافاييل ليمكين حملة للاعتراف بالإبادة الجماعية وتصنيفها كجريمة دولية.

واعترف في الإبادة الجماعية لأول مرة كجريمة بموجب القانون الدولي في عام 1946 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد تم تدوينها كجريمة مستقلة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 (اتفاقية الإبادة الجماعية).

ورغم التصديق الدولي على الاتفاقية، إلّا أن ليمكين قاد جهدًا شخصيًا من أجل إقناع الكونغرس الأمريكي، بالموافقة على هذه الاتفاقية، وهي المهمة التي فشل بها، إذ رفض مجلس الشيوخ مجرد الاستماع إليه وهو يتحدث، وأثار اعتراضات مفادها أن مثل هذا القانون قد يترك الولايات المتحدة عرضة للملاحقات القضائية بسبب إبادة الأمريكيين الأصليين والفصل العنصري.

وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية: "توفي ليمكين عام 1959، فقيرًا وكاد أن يُنسى. حضر سبعة أشخاص جنازته. لقد أنهى حياته بخيبة أمل لأنه رأى أن التصديق الأمريكي أمر حيوي لنجاح الاتفاقية. ومن وجهة نظره، فإن الولايات المتحدة وحدها هي التي تمتلك القوة والمكانة الدولية اللازمة لفرض الاتفاقية وجعلها قاعدة عالمية".

وبحسب الصحيفة البريطانية: "لم يصدق مجلس الشيوخ على اتفاقية الإبادة الجماعية حتى عام 1988، واحتاج الأمر خطًأ كبيرًا لتحقيق ذلك. قبل ثلاث سنوات، كان رونالد ريغان قد حضر حفلًا في مقبرة في بيتبورج بألمانيا، ولم يكتشف إلا لاحقًا أن 49 عضوًا من فافن إس إس [قوة نازية] دُفنوا هناك"، مضيفةً: "لم يكن ريغان في السابق مهتمًا بالضغط من أجل التصديق على اتفاقية الإبادة الجماعية، لكن البيت الأبيض سارع إلى عكس مساره في محاولة لاستعادة ثقة اليهود الأمريكيين".

وعندما صدق مجلس الشيوخ الأمريكي على الاتفاقية، جعل الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الأمريكي، لكنه أغلق الطريق على محكمة العدل الدولية. إذ حمل التصديق، إضافة نص يشير إلى أنه لا يمكن رفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة دون موافقة حكومتها.

وحتى نيسان/أبريل 2022، انضمت 153 دولة إلى اتفاقية منع الإبادة الجماعية. وفي وقت سابق ذكرت محكمة العدل الدولية أن الاتفاقية تعتبر من أجزاء القانون الدولي العرفي العام. وهذا يعني أنه سواء صدقت الدول على اتفاقية الإبادة الجماعية أم لا، فإنها جميعها ملزمة، من الناحية القانونية، بمبدأ أن الإبادة الجماعية جريمة محظورة بموجب القانون الدولي. 

وتشير اتفاقية الإبادة الجماعية، في مادتها الأولى، إلى أن الجريمة يمكن وقوعها في سياق نزاع مسلح دولي أو غير دولي، كما يمكن أن تحصل في حالة السلم، ولكنها حالة أقل شيوعًا.

قصور الاتفاقية

ورغم أهمية اتفاقية الإبادة الجماعية، إلّا أن ملاحظات عدة، تشير إلى قصور في داخلها، مثل الإشارة المتكررة، إلى أنها تستبعد الجماعة السياسية أو الاجتماعية من قائمة الضحايا المحتملين للإبادة الجماعية.

ويقول إرنستو فيرديجا، الأستاذ في جامعة نوتردام والمتخصص في الإبادة الجماعية: "التعريف القانوني الحالي يحدد مجموعة ضيقة جدًا من فئات الضحايا: العرقية والعنصرية والقومية والدينية، لكنه لا يأخذ في الاعتبار الأشخاص المستهدفين بسبب وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، أو هويتهم السياسية، أو غير ذلك".

بالإضافة إلى إلى وضعها شرط "القصد" أو "النية" في الاتفاقية، وهو الجزء الذي يتعرض للانتقادات نظرًا لصعوبة إثبات النية عادةً، أو نتيجة إثبات حدوث إبادة جماعية، لكن بدون وجود نية لها، مثلما حصل في حكم المحكمة في قضية البوسنة.

قضايا الإبادة الجماعية

تم الاستناد إلى اتفاقية الإبادة الجماعية لأول مرة أمام محكمة دولية في عام 1993، عندما جادلت حكومة البوسنة والهرسك أمام محكمة العدل الدولية بأن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاقية.

وخلال التسعينيات، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة محاكم منفصلة ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وكلاهما ساهم في توضيح العناصر المادية لجريمة الإبادة الجماعية وكذلك المعايير التي تحدد المسؤولية الجنائية الفردية عن ارتكابها. على سبيل المثال، ذكرت المحكمة الرواندية، أن الإبادة الجماعية شملت "إخضاع مجموعة من الناس لنظام غذائي الكفاف، والطرد المنهجي من المنازل وخفض الخدمات الطبية الأساسية إلى ما دون الحد الأدنى المطلوب"، كما قضت بأن "الاغتصاب والعنف الجنسي يشكلان إبادة جماعية... طالما تم ارتكابهما بنية محددة لتدمير مجموعة معينة مستهدفة، كليًا أو جزئيًا"، كما كان الحال في الصراع الرواندي، حيث نظمت الحكومة، التي تهيمن عليها مجموعة الهوتو العرقية، عمليات اغتصاب جماعي للنساء من عرقية التوتسي على يد رجال مصابين بفيروس نقص المناعة.

وفي 1 تموز/يوليو 2002، صدر نظام روما الأساسي ودخلت المحكمة الجنائية الدولية، التي أقرتها حوالي 120 دولة في روما عام 1998، حيز التنفيذ. ويشمل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية جريمة الإبادة الجماعية، ويتبنى النظام الأساسي نفس تعريف الجريمة كما ورد في اتفاقية الإبادة الجماعية. 

وفي عام 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس النظام السوداني السابق عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غربي السودان. وصدرت مذكرة اعتقال ثانية بحق البشير، بتهمة الإبادة الجماعية، في عام 2010. وفي عام 2019، رفعت غامبيا دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية ضد ميانمار، متهمة إياها بارتكاب الإبادة الجماعية بسبب اضطهادها المنهجي لأقلية الروهينجا المسلمة.

وفي عام 2021، اعترفت ألمانيا رسميًا بارتكاب جرائم إبادة جماعية أثناء استعمار ناميبيا. وقتل المستعمرون الألمان عشرات الآلاف من شعب هيريرو وناما هناك في مذابح أوائل القرن العشرين.

ورغم الاعتراف الألماني بالإبادة الجماعية، والإشارة إلى وجود اتفاق حول تعويضات تدفع لصالح ناميبيا عن الحقبة الاستعمارية، إلّا أنّ هذه المبالغ المالية لن تدفع بشكلٍ مباشر، وستقدم على مدار 30 عامًا ضمن مشاريع تشارك فيها الحكومة الألمانية.

كما أن "الإعلان المشترك"، الذي تم التوصل إليه عام 2021، بين الحكومة الناميبية والألمانية، لم يصادق عليه، لأن المجتمعات التي تعرضت للإبادة، مثل قبائل هيريرو وناما، ترفضه وتطالب بالمشاركة المباشرة في المفاوضات والتعويضات.

وتقول تقديرات أممية عن الاتفاق: إنه "لا يتضمن أي تدابير تعويض فعالة ولا يوفر الوسائل اللازمة للمصالحة"، وأشارت إلى أن "برامج التعويضات، لا تنصف مدى الضرر الذي لحق بالضحايا".

وعلق رئيس جمعية الإبادة الجماعية الناميبية والذي يعود إلى قبيلة هيريرو ليدلو بيرينجاندا، على الاتفاق، بالقول: "في الواقع، نحن لا نقبل هذا العرض لأن شعبنا فقد أراضيه وثقافته وفر الكثير منهم إلى بوتسوانا وجنوب إفريقيا وتم نقل بعضهم إلى توغو والكاميرون". مشيرًا إلى "ضرورة قيام ألمانيا بإعادة شراء أراضي الأجداد التي أصبحت الآن في أيدي المجتمع الناطق بالألمانية، الذي يشكل أقل من 1% من السكان".

كما يشار إلى الإبادة الجماعية في تيمور الشرقية، وفي كمبوديا، وغواتيمالا ضد المايا، وترحيل الشيشان والإنغوش وتتار القرم، بالإضافة إلى جرائم ألمانيا النازية، سواء في المحرقة أو بولندا أو كرواتيا أو الأسرى السوفييت، وغيرها من النماذج على الإبادة الجماعية.

وعن غزة، قال راز سيجال، مدير برنامج دراسات الإبادة الجماعية في جامعة ستوكتون، إنها "حالة نموذجية للإبادة الجماعية". ويرى سيغال أن القوات الإسرائيلية تستكمل ثلاثة أعمال إبادة جماعية، هي "القتل والتسبب في أضرار جسدية جسيمة، وإجراءات محسوبة تؤدي إلى تدمير المجموعة". ويشير إلى المستويات الهائلة من الدمار والحصار الشامل للضروريات الأساسية، مثل الماء والغذاء والوقود والإمدادات الطبية، كدليل.