07-مايو-2022
حل الدولتين له تاريخ طويل ومتباين (Getty)

حل الدولتين له تاريخ طويل ومتباين (Getty)

حل الدولتين، هو مشروع يقول المناصرون له إنه يهدف لحل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إقامة دولة فلسطينية إلى جانب أخرى إسرائيلية على أرض فلسطين الانتدابية. هذا من ناحية اصطلاحية، أما الحل كما تطور اليوم فهو نتيجة لمسار تاريخي تضمن العديد من الطروحات والبرامج، سواء دوليًا أو إسرائيليًا أو فلسطينيًا. ورغم أن هذه المشاريع تتفاوت في تفاصيلها، وبعضها جرى القطع معه تمامًا، إلّا أن استعراضها هو الذي يوضح نشوء حل الدولتين كما نعرفه اليوم.

حل الدولتين، هو مشروع يقول المناصرون له إنه يهدف لحل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إقامة دولة فلسطينية إلى جانب أخرى إسرائيلية على أرض فلسطين الانتدابية

أول طروحات حل الدولتين جاء من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر في قرار 181، ويقوم أساسه على تقسيم أرض فلسطين إلى دولة فلسطينية تمثل 42% من فلسطين وتكون دولةً عربية، وأخرى يهودية على مساحة 57% من فلسطين، وأن يتم تدويل مدينة القدس وبيت لحم. تم تمرير هذا القرار في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، وفي حينه رفضته الدول العربية والإسلامية، وكذلك شعب فلسطين، فيما مارست أمريكا ضغطًا كبيرًا من أجل تمرير مشروع القرار، كما أن الحركة الصهيونية وافقت على القرار من ناحية شكلية، واحتفل به المستوطنون المتواجدون في فلسطين.

كانت الموافقة على مشروع القرار لحظة لتفجر المواجهة بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة في حينه، قبل أن تقوم العصابات الصهيونية بالتطهير العرقي لفلسطين فيما أصبح يعرف بالنكبة، حيث تم تهجير مئات آلاف الفلسطينيين وتدمير مئات القرى، ولينتهي مشروع قرار تقسيم فلسطين إلى تأسيس إسرائيل، وضم الضفة الغربية إلى الأردن، ويصبح قطاع غزة تحت الإدارة المصرية.

لم يعد حل الدولتين للظهور مرةً أخرى، إلّا بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، والذي أكملت فيه إسرائيل استعمار ما تبقى من فلسطين بالإضافة إلى هضبة الجولان وصحراء سيناء. وفي حينه صدر القرار الدولي 242 الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، واحترام سيادة الدول. ورغم أن هذا القرار رُفض فلسطينيًا إلّا أنه لاحقًا أصبح أساسًا لمشروع التسوية الفلسطيني الذي قادته قيادة منظمة التحرير.

أما مشاريع الإدارة الذاتية، وهي أقرب تصور للوضع الفلسطيني القائم الآن بإدارة السلطة الفلسطينية، فقد طرحت ضمن عدة مشاريع إسرائيلية في السنوات الأولى بعد نكسة حزيران، من قبل قادة إسرائيليين مثل موشيه دايان ويسرائيل غاليلي، الذين حاولوا طرح مشاريع إدارة ذاتية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال القيادات التي كانت موجودة في الأرض المحتلة. هذه المقترحات لم تحقق مبتغاها في لحظة طرحها، لكنها أصبحت تشكل أرضيةً للتصور الإسرائيلي حول حل الدولتين، وجوهره هو إدارة ذاتية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أي سيادة.

أما أول الطروحات الفلسطينية لمشروع حل الدولتين، فقد تمثل في طرح الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وبدعمٍ من قبل حركة فتح برنامج النقاط العشر عام 1974، وهو برنامج حل مرحلي، كانت أبرز بنوده القبول بقيام سلطة فلسطينية على أي أرض يتم تحريرها من فلسطين. في حينه تشكلت جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية وأصبحت تعرف بجبهة الرفض، التي اعتبرت أن هذا الطرح هو تراجع عن برنامج تحرير فلسطين. ولم يحقق هذا الطرح أي تقدم سياسي طوال سنوات طويلة، حتى جاء إعلان استقلال فلسطين في الجزائر عام 1988، والذي جاء هو الآخر في سياق القبول الفلسطيني بحل الدولتين، والاعتراف بقرار 242.

المحاولة الجدية للدفع قدمًا بحل الدولتين، جاءت نتيجة سلسلة من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، رافقتها مجموعة من التنازلات قدمتها قيادة منظمة التحرير من أجل الدفع نحو تحقيق هذا الحل. كان تتويج هذه السلسلة في أيلول/ سبتمبر 1993 بعد توقيع اتفاقية أوسلو، التي تنازلت فيها قيادة منظمة التحرير عن 78% من أرض فلسطين، واعترفت بها كدولة إسرائيلية، مقابل الموافقة على قيام دولة فلسطينية بشكل تدريجي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما لم يتحقق بطبيعة الحال.

 وكانت السلطة الفلسطينية هي نتاج هذه المفاوضات، باعتبارها مشروعًا مؤقتًا ضمن عملية السلام حتى الوصول إلى حل قضايا الخلاف النهائي وإقامة دولة فلسطينية بعد خمس سنوات. أما جوهر السلطة الفلسطينية، فهو مشروع إدارة ذاتية للفلسطينيين، دون أي سيادة أو مزايا الدولة، ومرتبط تمامًا بإسرائيل ويعتمد عليها من ناحية أمنية واقتصادية. وتقوم السلطة على التطلع لإقامة الدولة الفلسطينية، الذي تحول إلى هدف تعلن الحكومة الإسرائيلية علنًا أنها لن تسمح به، وتتمسك السلطة الفلسطينية  به حتى الآن كمصدر لشرعيتها.

تعرض نموذج حل الدولتين إلى انتقادات عديدة، أولًا باعتباره يفشل في مقاربة الصراع العربي الإسرائيلي أخلاقيًا

تعرض نموذج حل الدولتين إلى انتقادات عديدة، أولًا باعتباره يفشل في مقاربة الصراع العربي الإسرائيلي أخلاقيًا، ويتنازل عن الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية، ويتنازل عن حق العودة وفلسطينيي الداخل. كما تعرض إلى نقد جذري من ناحية أنه حل غير قابل للتحقيق، ويقوم فقط على تسيير الأمر الواقع من خلال نمط من الإدارة الذاتية الممول غربيًا. كما يشير مثقفون فلسطينيون وغير فلسطينيين إلا أن حل الدولتين انتهى تمامًا، بفعل تمدد الاستيطان وسياسات الضم التي حولت الضفة الغربية إلى قطع أرض منفصلة عن بعضها. حيث أصبح الواقع على الأرض بين النهر والبحر واقع دولة واحدة تحكمها إسرائيل بشكل كامل.