23-أغسطس-2015

من مظاهرات حركة 20 فبراير في 2011 في الدار البيضاء (إلهام الراشدي)

يستعد المغرب في ٤ أيلول/سبتمبر الجاري لخوض انتخابات محلية هي الأولى من نوعها، بعد التعديلات التي أجريت على الدستور عام 2011، إثر الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد بتأثر من الربيع العربي بمشاركة عشرة أحزاب. 

 أصبح الشباب أكثر إقبالًا على السياسة بعد ثورات الربيع العربي

الانتخابات التي أُجلت لأربع سنوات، ستتوفر لوائحها على أسماء شباب يمثل كل منهم شبيبة حزبه، وبرنامجًا معينًا في صورة تعكس مدى الاهتمام بالمشاركة السياسية الفعلية عبر المقاعد المنتخبة. "الترا صوت" قابل عددًا من الشباب المترشحين من عدة أحزاب لمعرفة دوافعهم وغاياتهم التي تقف وراء مشاركتهم في الانتخابات الجهوية.

 حمزة بقّاش ، 28 عامًا، مترشح عن لائحة شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الدار البيضاء، يقول "أريد التغيير. ولا يمكنني ذلك إلا من خلال داخل الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني. يجب أن ننخرط في عملية تغيير حقيقي، وهذه فرصتنا المتاحة الآن خاصة بعد خطاب الملك محمد السادس الذي ألقاه بـ20 آب/أغسطس الماضي ووجه لنا فيه رسالة مفادها أن نصوّت ونحارب الفساد". 

ثم أضاف "نلحظ السنة تغييرًا واضحًا. أصبح الشباب أكثر إقبالًا على السياسة بعد ثورات الربيع العربي، نظرًا لشعورهم بالمسؤولية تجاه البلد والوعي بقضاياها الراهنة". يترشح بقّاش في لائحة الترشيح النضالي، الترشح الذي يؤهله للانتقال في فهم العملية الانتخابية والسياسة على مهل، وأوضح لنا هذه النقطة "لقد اتخذت قرار أن لا أترشح لمنصب بمسؤولية، بل بحاجة للتأطير والتكوين، وملامسة الواقع وهموم الناس. فنحن لن نحدث التغيير في يوم وليلة". 

وعن برنامج شبيبة الاتحاد الاشتراكي، بيّن بقاش أن "هدفه الرئيسي هو تدريب الشباب وتثقيفهم في تسيير وتدبير الشأن المحلي. إضافة لذلك، أن برنامج الانتخابات الجماعية برنامج غير موحد، إنما يتماثل مع احتياجات المناطق المنتخِبَة وفق الدراسات التي أعددناها مسبقًا". يتفاءل بقاش بنتائج الانتخابات المقبلة، على أمل أن يبدأ مسيرته في الإصلاح من التعليم أولًا. 

أما عماد بن نوح ، 25 عامًا، المترشح في لائحة "شبيبة الاتحاد الدستوري بطنجة"، يلفت إلى أن هذه الانتخابات بعد التعديل الدستوري سنة 2011 ستعرف اهتمامًا شبابيًا واسعًا، تطمح فيها شبيبة الاتحاد أن تقدم نموذجًا في السلوك الانتخابي الحضاري، بعد أن ترشح هو شخصيًا في مقعد متقدم، إضافة إلى مقعدين للشبيبة في مقاطعة طنجة. 

من بين ذلك، تم وضع 6 نساء على اللائحة، منهن 5 شابات (23- 27 سنة) في مقاعد متقدمة بما يضمن لهن النجاح في المجالس المنتخبة. وعن برنامج شبيبته قال "ستعمل الشبيبة على برنامج واحد داخل مقاطعة طنجة، وتركز على تنمية الأحياء والأزقة والعمل قريبًا من المواطن"، مضيفًا "نحن لا نتبنى رؤية كبيرة. سوف نحقق ما نحققه، ويكفي أن يكون رأينا مناسبًا للجميع خصوصا في تجربتنا الأولى هذه، ونقدم فيها الخدمات الممكنة، ونحارب الابتزاز الإداري في الرخص والمصالح والفساد داخل المقاطعة".

ويخلص بن نوح إلى أن مشاركة الشباب الآن أو حتى على الأقل اهتمامهم بالانتخابات، سيخلق نوعًا من تغيير الأفكار والاندماج بهذه العملية من شأنه أن ينهي حالة العزوف السياسي التي عاشها الشباب لسنوات طويلة.

المشاركات الشبابية في الانتخابات عتبة أولى لإنهاء حالة العزوف السياسي التي عاشها هذا الجيل لسنوات طويلة

وعن سبب ترشحه، يقول بن نوح "إن قاعدة العمل الجمعوي أو التطوعي تصبح ضعيفة ولا تغطي المطلوب، وتصطدم بحواجز أحيانًا كثيرة، وهنا تبرز الحاجة للبحث عن إطار سياسي حزبي، له إطار وطني ودعم معنوي ومادي يمنحنا سبل لتقديم خدمات عدة وسلاسة في التحرك"، كما "تخولني الانتخابات أن أشارك في صناعة قرارات المجلس، وصياغة الميزانية والخدمات الاجتماعية، وتمنحني بعض الصلاحيات إدارية ومعنوية يمكنني بها أن أخدم بها محيطي". 

الصحافي رشيد البلغيتي أشار إلى أن "الشباب المغربي غير منخرط فعليًا في المشاركة السياسية المباشرة، بمعنى أن الشباب أعداده قليلة جدًا وسط الأحزاب السياسية وقلة قليلة منه من تذهب لصناديق الاقتراع". ويوضح أن "الانخراط السياسي أوسع من مجرد العمل داخل حزب أو التصويت في صندوق اقتراع". وفي رأيه أن أكبر تعبير عن انخراط سياسي شبابي وجماهيري حدث سنة 2011، مع خروج الشباب المغربي بالآلاف إلى الشارع للمطالبة بتعديلات بشكل الحكم والدولة.

ويجد أن ما يحدّ من عزوف الشباب عن المشاركة أو التمثيل، هي القوانين الداخلية لبعض الأحزاب التي تفرض نسبة من التمثيلية للشباب داخل أجهزتها التسييرية، إضافة إلى "الكوتا" التي تمنح الشباب عددًا من المقاعد داخل مجلس النواب، الغرفة الأولى من البرلمان، عبر لائحة ترشيح وطنية، موجزًا الأمر أن عدد البالغين سن التصويت في المغرب يتجاوز 22 مليون مواطن، لكن عدد المسجلين في اللوائح هو فقط نصف العدد.

كريم مبروك ، 34 عامًا، وبعدما خاض تجربة سياسية في أحد الأحزاب لمدة عشرين سنة، يعتبر نفسه الآن أحد المقاطعين لهذه التجربة سواء بالإحجام عنها أو بعدم التصويت، والسبب هو الجدوى من المشاركة وفق ما أوضح لـ"الترا صوت"، إذ يقول "تتراكم الخيبات وتظل وجوه أثبتت تورطها في شبهات فساد هي المتحكمة الوحيدة في سير العملية الانتخابية ونتائجها".

ويرى مبروك أنه يجب التمييز بين فئتين من الشباب المترشحين "الأولى أن الشباب المترشحين في القائمة الأولى وهي قليلة، تترشح بدافع نضالي وضمن سياق حزبي دافعت عنه وآمنت بخطه، أما الثانية وقد تكاثرت اليوم بقوة بعد أن عاش وما زال المجتمع أزمة قيم حقيقية، مجموعة الشباب الانتهازي الطامح نحو تحسين وضعه الاجتماعي والمادي". 

ينفي مبارك أن يكون الشباب المغربي صانعًا للقرار "بالكاد تطالب هذه الشريحة بمنحها فرصة التواجد للمنافسة على المساهمة في صناعة القرار المدني أو المحلي، وذلك في ظل تحكم دوائر صناعة القرار في العملية الانتخابية وإملاء التوجهات العامة ووقوفها ضد أي تغيير حقيقي يلامس الحياة اليومية للمواطن". 

ويشير إلى أن شريحة عريضة من الشباب أصبح سؤالها "ما الجدوى من المشاركة السياسية؟"، إذا كانت هذه المشاركة لا تتعدى "التصويت" مع تحييد باقي الأدوار، من صناعة القرار السياسي إلى صياغته فتنفيذه، سواء داخل التتظيم الحزبي أو ضمن المؤسسات المعهود لها ذلك، ليظل الشباب رهينة البحث عن بديل في العمل المدني، ورهينة عدم الثقة بالأحزاب. 

ورغم أن حزب الأصالة والمعاصرة أعلن أنه يقدم للمرة الأولى لوائح مائة بالمائة للنساء وأخرى للشباب، وذلك من أجل "فتح المجال أمام برلمانييه للترشح في مناطقهم حتى يختبروا مدى نجاحهم في تواصلهم مع من وضعوا فيهم الثقة"، إلّا أن طارق التلاتي، مدير "مركز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية"، أشار في ندوة حول المشاركة السياسية نظمها المركز مع "منظمة الناس للناس" أن "العزوف عن المشاركة السياسية عند الشباب الذكور والإناث يعود أساسًا إلى انعدام الديمقراطية الداخلية للمؤسسات السياسية، المكلفة بموجب الدستور، أن تستوعب هذه الفئة من الشباب وهو ما يولد حالة من الغضب تجاه السياسيين الذين ليس لديهم أي مشاريع تستوعب طموحات الشباب، إضافة إلى غياب المساواة وغياب الأدوات التي تسمح لهم بالمشاركة في العمل السياسي اليومي".