11-نوفمبر-2015

كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة(بشير بالطيب/أ.ف.ب)

تختلف انتخابات الطلبة في تونس عن باقي المواعيد الانتخابية الأخرى. لا أحد من أطراف الصراع في هذه الانتخابات يقبل النتيجة، عادة، ولا تحالفات تعقد على خطى الأحزاب السياسية. هو صراع أزلي متواصل، في الأغلب إيديولوجي، لكنه لا يخلو من أسباب أخرى، بعضها تاريخي راكمته السنوات والبعض الآخر، وهو الأقل بروزًا، على علاقة بمصالح الطلبة ومشاغلهم.

اقرأ/ي أيضًا: لا تغير جذريًا بعد الثورة في نقابات طلاب تونس

عادت الانتخابات الطلابية التونسية إلى زخمها، الذي عرفته في الثمانينيات والتسعينيات، مؤخرًا وتحديدًا بعد الثورة

منذ أيام، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس تاريخ 13 من تشرين الثاني/نوفمبر موعدًا لإجراء انتخابات ممثلي الطلبة بالمجالس العلمية بكافة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. ينطلق التصويت ابتداء من الساعة التاسعة صباحًا ويتواصل إلى حدود الرابعة ظهرًا. وينص بلاغ الوزارة أن تمثيل الطلبة يكون على أساس طالبين أو ثلاثة منتخبين بكل مؤسسة تعليمية (طالبين بالنسبة للمؤسسات التي تؤمن تكوينًا في مرحلة الإجازة/البكالوريوس فقط و3 طلاب بالنسبة للمؤسسات التي توفر تكوينًا في مراحل الإجازة والماجستير والدكتوراه).

قدمت المنظمات الطلابية ترشحاتها يومي 6 و7 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري وتم تعليق قائمات المترشحين يومي 9 و10 من نفس الشهر وتنتظم الحملات الانتخابية خلال اليومين المواليين. ويشرف على هذه الانتخابات، بمختلف مؤسسات التعليم العالي في تونس، رؤساء الجامعات وعمداء ومديري المؤسسات التعليمية وباقي الطاقم الإداري.

عادت الانتخابات الطلابية التونسية إلى زخمها، الذي عرفته في الثمانينيات والتسعينيات، مؤخرًا وتحديدًا بعد الثورة. أما خلال سنوات حكم بن علي فقد سيطرت منظمة "طلبة التجمع"، نسبة للتجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم حينها، على الانتخابات وتم حظر نشاط الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي يسيطر عليه الطلبة الإسلاميين، والتضييق على الاتحاد العام لطلبة تونس، الذراع الطلابية لليساريين.  

الاتحادان في صراع متجدد..

يتنافس في انتخابات هذا العام كل من الاتحاد العام التونسي للطلبة والاتحاد العام لطلبة تونس وقائمات مستقلة أخرى، يشاع أن بعضها يعود إلى "طلبة التجمع" والبعض الآخر طلبة مستقلون اختاروا النشاط بعيدًا عن التنظيمات النقابية الكبرى. ويتداول أيضًا مشاركة الاتحاد العام لطلبة تونس بأكثر من قائمة في الكلية الواحدة، وهو ما يفسر بعدم اتفاق الفصائل اليسارية المتنوعة على ممثلين وتشتتهم في أكثر من جامعة.

في هذا السياق، يعلق غسان بوعزي، رئيس الاتحاد العام لطلبة تونس المؤتمر 26، لـ"ألترا صوت": "استغلت منظمات نقابية ما حصل من تشتت في قائمات الاتحاد خلال السنة الماضية لإعلان فوزها لكننا هذه السنة نشارك بقائمات موحدة بنسبة 95 في المئة تقريبًا، هناك بعض الاستثناءات في بعض الكليات الكبرى التي تتميز بحركية كبيرة ووقع الاختلاف حول تحديد أسماء موحدة تمثل الاتحاد العام لطلبة تونس فيها ولكننا سعداء بما حققناه هذه السنة وبذلنا جهدًا كبيرًا لتكون القائمات في أغلبها موحدة". لكن أنصار الاتحاد العام التونسي للطلبة ينفون ذلك ويؤكدون أن بعض المؤسسات تشهد مشاركة حوالي 10 قائمات، وتمثل كل قائمة فصيلًا يساريًا مختلفًا.

ويشارك في انتخابات هذا العام الاتحاد العام التونسي للطلبة، محسوب على الإسلامين، بـ374 مترشحًا للتنافس على 529 مقعدًا في 149 مؤسسة جامعية من مجموع حوالي 200 مؤسسة، وتقدر نسبة المترشحين الإناث عنه بحوالي 40 في المئة (149 مترشحة)، وسيكون شعاره "صوتوا لأنفسكم"، حسب تصريحات رئيس لجنة الانتخابات بالاتحاد نضال بن سعيد. بينما يشارك الاتحاد العام لطلبة تونس في 180 مؤسسة تعليم عالي تقريبًا وتقدر تمثيلية المرأة في قائماته بحوالي 47 في المئة، كما أعلن رئيس المنظمة لـ"ألترا صوت".

عن ما يميز برنامجهم الانتخابي، يقول نضال بن سعيد، رئيس لجنة انتخابات المجالس العلمية عن الاتحاد العام التونسي للطلبة، لـ"ألترا صوت": "نسعى لتدعيم مكانة الطالب في المحيط الجامعي وإصلاح منظومة التعليم. الطالب التونسي مهمش ولا يشارك بفاعلية ولا يسمع صوته وبذلك صار سلبيًا ويسيطر آخرون على مستقبله". ويضيف: "قمنا بتوزيع بيانات قطاعية مختلفة منها بيان خاص بالقطاع الطبي، بيان القطاع شبه الطبي، الهندسة، طلبة نظام إمد، وغيرها. ويهتم كل بيان بالقطاع في حد ذاته وبمشاغله، وبالمحتوى البيداغوجي المقدم وابتعدنا عن البيانات الكلاسيكية العامة، لكننا سنواصل نشاطنا في كل ما يتعلق بالخدمات الجامعية ومشاكلها".

أما الاتحاد العام لطلبة تونس فسيرتكز برنامجه هذه السنة على قسم وطني "له بعد إستراتيجي" وبعد آخر قطاعي حسب الكلية والاختصاص. يقول غسان بوعزي، رئيس المنظمة، لـ"ألترا صوت": "في علاقة بما هو وطني سنهتم بإصلاح التعليم وتشريك الطالب في اللجان التي تنكب على هذا المشروع الآن وسنواصل نشاطنا في كل ما يتعلق بالخدمات الجامعية ومنها الترفيع في قيمة المنحة المقدمة والمطالبة بتوفير السكن لمدة ثلاث سنوات للطلبة والطالبات وتمكين الطالب من بطاقة تمكنه من العلاج بسعر مجاني أو رمزي والتنقل في كل وسائل النقل العمومي كما سنهتم بالأنشطة الثقافية والرياضية وتركيزها في مختلف المؤسسات".

من جهة أخرى، يتفق الطرفان على دعوة الطلبة للإقبال على التصويت في الانتخابات وتحسين نسبة المشاركة التي عادة ما تكون ضعيفة. ويتفقان أيضًا في الدعوة لتوفير الظروف الملائمة لإجرائها. وعن توقيت الانتخابات، يرى بوعزي: أن "التوقيت مناسب". ويوضح: "كنا طالبنا في سنوات ماضية أن تعقد الانتخابات في بداية السنة الجامعية في شهر تشرين الأول/أكتوبر أو تشرين الثاني/نوفمبر ليتمكن ممثل الطلبة المنتخب من العمل مدة سنة كاملة لتحقيق تعهداته إزاء الطلبة". نضال بن سعيد، عن الاتحاد العام التونسي للطلبة، لا يمانع أيضًا في عقدها في التاريخ الحالي ولكنه يخشى قلة الإقبال إذ تجرى الانتخابات الطلابية يوم جمعة بعد أسبوع من الامتحانات في بعض الأجزاء الجامعية وقبل يومين من الراحة في جامعات تونس عادة وهو ما قد يعني عودة الطلبة إلى مدنهم وقراهم مبكرًا والتغيب عن المشاركة في الانتخابات.

لا تزال نسبة المشاركة بسيطة في انتخابات الطلبة بالجامعات التونسية إذ لم تتجاوز السنة الماضية 25 في المئة

ولا تزال نسبة المشاركة بسيطة في انتخابات الطلبة بالجامعات التونسية إذ لم تتجاوز السنة الماضية 25 في المئة. ويقدر عدد الطلبة المرسمين بالجامعات التونسية بحوالي 319 ألف طالب وطالبة، نسبة الإناث منهم هي حوالي 61 في المئة. ويفسر البعض ضعف المشاركة بعدم ثقة الطلبة في المسار الانتخابي بصفة عامة وقلة صلاحيات المجالس العلمية وإمكانيات الإصلاح والتغيير المتاحة لها.

أفرزت نتائج انتخابات الطلبة، خلال السنوات القليلة الماضية، فوزًا لطلبة اليسار في أغلب كليات الآداب والعلوم الإنسانية ومعاهد الفنون، فيما يسيطر الطلبة الإسلاميون غالبًا في الكليات العلمية مع وجود بعض الاستثناءات. ويحتد الصراع في كليات بعينها لرمزيتها التاريخية وسعي الطرفين منذ سنوات الثمانينيات للسيطرة عليها وقد تعرف الانتخابات عنفًا في بعض هذه الكليات، وهو ما أدى خلال سنوات ماضية إلى مغالطة النتائج النهائية أو قطع العملية الانتخابية برمّتها.   

انتخابات تحت أعين "أنا يقظ"

لن يغيب المجتمع المدني التونسي عن مراقبة هذه الانتخابات. وسيكون ممثلًا بمنظمة "أنا يقظ"، التي تراقب سير انتخابات الطلبة للسنة الرابعة على التوالي، بعد حصولها على موافقة وزارة التعليم العالي. وتخصص "أنا يقظ"، هذه السنة، 400 طالب متطوع لتأمين عملية المراقبة بمختلف المؤسسات التربوية في كل محافظات البلاد.

و"أنا يقظ" هي منظمة رقابية تونسية غير ربحية ومستقلة، تأسست بعد انطلاق الثورة وتحديدًا في آذار/مارس 2011. تضم المنظمة طاقات شبابية وتشتغل أساسًا في مواضيع على علاقة بدعم الشفافية والتصدي للفساد.

تخصص "أنا يقظ" أربعة مراقبين في الجامعات الكبرى ومراقبين اثنين في المؤسسات التعليمية الأقل عددًا والتي تكون فيها العملية الانتخابية أكثر هدوءًا، سيتابع مراقبو المنظمة سير التصويت وفرز الأصوات واحتسابها وأيضًا إعلان النتائج وذلك "أملًا في تعزيز الشفافية وثقة الطالب في النتائج"، حسب تصريحات ممثلي المنظمة. وتتكفل "أنا يقظ" بإعداد تقرير مفصل عن عملية المراقبة والإخلالات التي شابتها وتقدم توصياتها في الغرض إثر ذلك وهي عادة دأبت عليها خلال السنوات الأخيرة.

تأتي هذه الانتخابات في ظل حديث البعض عن توجه خطير نحو خوصصة التعليم العالي في تونس وغياب إجراءات عملية لمشكلة بطالة خريجي الجامعات وتواصل تدهور الخدمات الجامعية (السكن الجامعي، الأكل الجامعي، نقل الطلبة، الأنشطة الثقافية داخل المؤسسات التعليمية..) إضافة إلى تنامي ظاهرة التعصب الديني داخل الجامعات.

ودعت وزارة التعليم العالي، في بلاغ لها منذ أيام، إلى الإعلان عن النتائج مباشرة عقب انتهاء عمليتي التصويت والفرز. وتعلن الوزارة عادة عن أسماء الطلبة الفائزين دون تحديد المنظمة النقابية التي ينتمون لها أو ذكر نسبة تمثيل كل منظمة في المجالس العلمية للجامعات وهو ما يثير لخبطة ويسمح لطرفي النزاع الأبرز، الإتحاد العام التونسي للطلبة والاتحاد العام لطلبة تونس، أن يعلنا كلاهما عن الفوز و"اكتساح الجامعة التونسية"، هكذا تعوّد التونسيون خلال السنوات القليلة التي تلت الثورة. ولا تظهر المعطيات الأولية أن انتخابات طلاب تونس سنة 2015ـ2016 ستبدل هذا المعطى.

اقرأ/ي أيضًا:

الجامعة التونسية..تاريخ من النضال والصراع

طلاب تونس وحلم الجامعة الخاصة