09-يناير-2022

(Getty Images)

هذه عمليات سرقة محيرة، يغيب فيها الدافع المقنع والمباشر، المعنوي أو المادي، ذلك أنها وقعت في قطاع الثقافة والنشر، حيث لا طمع بمال ولا عوائد ضخمة مقارنة بالقطاعات التجارية الأخرى، كما أنّه لم يترتّب على هذه السرقة أية منفعة مباشرة لصالح السارق. هذه الحادثة بالتحديد، تتعلق بقيام أحدهم بسرقة نصوص كتب غير منشورة، على مدى عدة سنوات، دون أن يعرف أحد أين انتهت تلك المسوّدات وكيف تمّ التصرّف بها. وفيما يلي عرض مستفاد بتصرف من نيويورك تايمز، عن تفاصيل هذه الجريمة التي شكلت صدمة لقطاع النشر العالمي وما يزال التحقيق بشأن أبعادها جاريًا حتى الآن. 

سرق فيليبو بيرنارديني قدرًا كبيرًا من المعلومات التي قد يرغب أي ناشر باستخدامها لصالحه

حدثت هذه السرقات ومحاولات السرقة هذه عبر سلاح بسيط، وهو البريد الإلكتروني، حيث استهدف السارق الذي ينتحل صفة الناشر، كتابًا ومحررين ووكلاء ومستكشفي المواهب الأدبية، بحثًا عمّا قد يكون لديهم من مسودات من روايات وكتب أخرى.

وقد تكشّف اللغز أخيرًا، بعد أن قام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي باعتقال فيليبو بيرنارديني، والذي يعمل إداريًا مغمورًا في مجال حقوق الملكية الفكرية، ويبلغ من العمر 29 عامًا، وهو موظف في شركة سيمون آند شوستر(Simon & Schuster) للنشر في المملكة المتحدة. وقد اتهم هذا السارق الشابّ بتهم "انتحال الهويات، والاحتيال ومحاولة الاحتيال على مئات الأشخاص" خلال السنوات الخمس الماضية، وحصل بذلك على مئات من مسودات الكتب غير المنشورة. 

بيرنارديني الذي اعتقل فور وصوله إلى مطار جون كينيدي الدولي، اتهم بالاحتيال الرقمي وانتحال الهوية في محكمة دائرة جنوب نيويورك. وقد قال المتحدث باسم المحكمة أن بيرنارديني لم يوكل محاميًا حتى الآن.

من جانبه قال متحدث باسم شركة سيمون آند شوستر في بيان إن دار النشر "شعرت بالصدمة والارتعاب من التهم التي يواجهها السيد بيرنارديني وقد تم إيقافه عن العمل حتى الحصول على مزيد من المعلومات بشأن القضية.

استهدف برنارديني أعمالًا غير منشورة لمارغريت أتوود وإيثان هوك (nytimes)

وأضاف قائلًا "إن حفظ حقوق الملكية الفكرية لكتابنا" هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا ولقطاع النشر بأكمله ونحن سعداء بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في هذه الحوادث ويوجه التهم ضد الجناة المحتملين. مضيفًا أن شركة سيمون وشوستر ليست متهمة في هذه القضية. 

ووفقًا للائحة الاتهام، قام برنارديني سعيًا للحصول على المسودات غير المنشورة، بإرسال رسائل بريد إلكتروني ينتحل فيها هويات أشخاص حقيقيين يعملون في مجال النشر، مثل محرر معين على سبيل المثال، وذلك باستخدام عناوين بريد إلكتروني مزيفة. وقد قام بإضافة تغييرات طفيفة للغاية على أسماء نطاقات دور النشر مثل penguinrandornhouse.com بدلًا من penguinrandomhouse.com، أي بكتابة “rn” بدلًا من “m". ونصت لائحة الاتهام على أنه سجل أكثر من 160 اسم نطاق احتياليًا، انتحل عبرها هويات عاملين وشركات في قطاع النشر.

واستهدف برنارديني كذلك شركة استكشاف مواهب أدبية في نيويورك. وقد أعد صفحات دخول مزيفة تحث ضحاياه على إدخال أسماء المستخدم وكلمات السر الخاصة بهم، مما منحه قدرة على الوصول إلى قاعدة بيانات الشركة.

غير أن بيرنارديني، رغم ذكائه وسة حيلته، خلّف بعض الآثار الرقمية، أثناء حذفه للقبه من جميع حسابات منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر ولينكد إن، حيث وصف نفسه بأنه "شغوف بالكلمات المكتوبة واللغات". وفقًا لحسابه على لينكد إن، فقد حصل على بكالوريوس اللغة الصينية من جامعة كاتوليكا في ميلان، ونقل إلى الإيطالية مذكرات كاتب القصص المصورة الصيني راو بينجرو، بعنوان "قصتنا". وحصل كذلك على درجة الماجستير في النشر من جامعة كلية لندن وقال عن نفسه "إن حريص على أن يستمتع الناس بقراءة الكتب في جميع أنحاء العالم وبجميع اللغات".

اقرأ/ي أيضًا: كارمن مولا والاستعاريّون الثلاثة.. تكسّب أدبي باسم المرأة أم حيلة مشروعة؟

كثير ممن تلقوا رسائل التصيد التي أرسلها لاحظوا أنه أيًا من كان مرسلها فهو بالتأكيد ضليع في هذا المجال. فقد قام باستخدام اختصارات شائعة مثل “ms”  لإشارة إلى كلمة manuscript، أي مسوّدة الكتاب، وكان على علم بالمراحل المختلفة التي يمر بها الكتاب حتى يصل إلى مرحلة النشر. كانت هجمات التصيد الإلكتروني التي قام بها واسعة النطاق وشملت عاملين في مجال النشر في الولايات المتحدة والسويد وتايوان ودول أخرى، لدرجة أن البعض يعتقد أنها لا يمكن أن تيكون خلفها شخص واحد فقط. 

لسنوات طويلة، حيرت هذه الهجمات العاملين في مجال النشر. فقد استهدفت كتبًا لكتاب مرموقين ومشاهير مثل مارجريت أتوود وإيثان هوك، وكذلك أعمالًا ومجموعات قصصية لكتاب ينشرون للمرة الأولى. وحين سرقت هذه المسودات لم تظهر أي منها في السوق السوداء أو شبكة الويب المظلم. ولم تقدم أي مطالبات بالفدية. في الحقيقة تظهر لائحة الاتهام كيف نفذ بيرنارديني هجماته لكنها لا تنص على السبب الذي دفعه لفعل ذلك.

قد تكون المعرفة المسبقة بالمسودات ميزة يستفيد منها موظف في قسم حقوق الملكية في عمله، إذ تتنافس دور النشر لنشر أعمالها في الخارج على سبيل المثال، ومعرفة النصوص القادمة ومن يشتري ماذا وما الثمن الذي يتم دفعه، قد يوفر ميزة نوعية للشركات العاملة في هذا المجال.

لسنوات طويلة، حيرت هذه الهجمات العاملين في مجال النشر. فقد استهدفت كتبًا لكتاب مرموقين ومشاهير مثل مارجريت أتوود وإيثان هوك، وكذلك أعمالًا ومجموعات قصصية لكتاب ينشرون للمرة الأولى

تقول كيلي فاربر، وهي "صيّادة" مواهب أدبية "لقد عمل على سرقة قدر كبير من المعلومات التي قد يرغب أي ناشر باستخدامها لصالحه".

أما المدعي العام الأمريكي عن ولاية نيويورك داميان ويليامز فقال في إعلانه لنبأ الاعتقال "يمكن الآن عرض هذه القصة الحقيقية واستخلاص ما يلزم من العبر منها. أما بيرنارديني فيواجه الآن تهمًا جنائية فيدرالية جزاء أفعاله تلك".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كارمن مولا والاستعاريّون الثلاثة.. تكسّب أدبي باسم المرأة أم حيلة مشروعة؟

كتاب "ماذا تركت وراءك؟".. سيرة الألم اليمني

أدب من هذه الأرض