24-نوفمبر-2015

من مظاهرة طلابية معارضة ضد السلطة مايو 2014 (Getty)

شكلت جامعة الأزهر، منذ مطلع العام الدراسي 2013/2014، وعلى مدى ما يقرب من عامين دراسيين، أزمة للنظام الحاكم في مصر. فالمظاهرات ذات الصبغة السياسية، والتي شكلت حركة "طلاب ضد الانقلاب"، المقربة من جماعة الإخوان، عمادها، والاشتباكات الدموية التي وقعت بين المتظاهرين والشرطة، والتي أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى وتوقيف عدد كبير من الطلاب، لم تتوقف في مختلف فروع الجامعة خلال هذه الفترة.

الوضع الاستثنائي لجامعة الأزهر مستمد من كونها معقلًا هامًا للتيار الإسلامي والمتعاطفين معه في مصر 

ورغم ما بشر به العام الدراسي الجديد (2015/ 2016) من انعدام في المظاهرات والاشتباكات واستتباب للأوضاع في جامعة الأزهر، إلا أن طلاب الجامعة يعيشون أوضاعًا استثنائية لا يعيشها نظراؤهم من طلاب الجامعات الأخرى. هذا الوضع الاستثنائي، المستمد من كون الجامعة معقلًا هامًا للتيار الإسلامي والمتعاطفين معه في مصر، فاقم من معاناة الطلاب الذين فقدوا، خلال العامين الماضيين، العشرات من زملائهم بين قتيل وجريح وموقوف كجزء من ثمن الصراع السياسي الذي اندلع في مصر منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، في الثالث من تموز/يوليو 2013. التقى "ألترا صوت" بعض هؤلاء الطلاب للوقوف على أوضاعهم والاستماع إلى صوتهم.

"المدينة الجامعية ليست حقًا للطلاب"

للعام الثاني على التوالي تواصل إدارة جامعة الأزهر إغلاق أبواب مدينة البنين الطلابية فرع القاهرة، في وجه الطلاب. الأمر الذي ألقى بظله على الأوضاع المعيشية للمئات من طلاب الأقاليم الذين يدرسون في فرع الجامعة بالقاهرة، والذين اضطروا إلى استئجار مساكن خاصة أو إلى السفر والعودة يوميًا من بلادهم إلى القاهرة.

إدارة جامعة الأزهر، في بياناتها الرسمية، أرجعت سبب إغلاق المدينة الطلابية إلى إجراء أعمال صيانة وإنشاء مستشفى للطلاب في المدينة، لكن التصريحات الإعلامية لرئيس الجامعة، الدكتور عبد الحي عزب، أظهرت أن إغلاق المدينة في وجه الطلاب جاء لأسباب أخرى، ففي تصريح له قال عزب إن "الطالب الذي كان يعرف أن زميله في الغرفة يمارس الشغب ولم يبلغ عنه هو المتسبب في تأخر فتح المدينة الجامعية حتى الآن"، مؤكدًا أن المدينة الجامعية "ليست حقًا للطالب بل هي منحة من الدولة"، وفي تصريح آخر اشترط عزب "عدم وجود أي تظاهرات من قبل الطلاب المشاغبين حتى يفتح أبواب المدينة".

الطلاب يعانون

"أسكن مع خمسة عشر شخصًا في مسكن واحد مكون من ثلاث غرف وصالة وحمام. معارفي الواسعة مكنتني من الوصول إلى هذا المسكن، يبحث أصدقائي عن مسكن منذ فترة واضطروا إلى السفر والعودة يوميًا من مدينتهم إلى القاهرة"، هكذا روى لنا (ع.ا) الطالب في كلية الطب بجامعة الأزهر ظروفه المعيشية بسبب إغلاق مدينة الطلاب. ويضيف: "ننام كل اثنين على سرير واحد، في كل غرفة أربعة أفراد، وفي الصالة ثلاثة أفراد، أحيانًا كنا نتبادل ساعات النوم. لم نكن نستطيع النوم جميعًا في وقت واحد". أما عن استعمال الحمام فيقول: "كل ما يدور في مخيلتك وأكثر كان موجودًا". وعن كيفية مذاكرته في مثل هذه الأجواء فيقول (ع.ا): "أعمل في صيدلية إلى جانب الدراسة، وكنت أضطر إلى المذاكرة في مكان عملي".

(م.م) الطالب في جامعة الأزهر، اضطر، في بداية العام الدراسي وقبل إيجاد مسكن، إلى السفر والعودة يوميًا من مسقط رأسه في الشرقية إلى مقر الجامعة في القاهرة، في مسيرة تستغرق ما يقرب من ساعتين ذهابًا ومثلهما إيابًا، محتملًا القطارات المصرية المعروف عنها أنها لا تنتظم في مواعيدها المقررة، حسبما يقول.

استغلال حاجة الطلاب

اتهم رئيس جامعة الأزهر اتحاد الطلاب بتنظيم المظاهرات المناهضة للسلطة وتعطيل العملية التعليمية 

يعاني طلاب جامعة الأزهر المضطرون إلى استئجار مساكن قرب مقر دراستهم في القاهرة، من استغلال أصحاب المساكن لوضعهم الصعب بسبب إغلاق مدينة الطلاب، إذ يقوم أصحاب هذه المساكن بمضاعفة أسعار الإيجار، ولا يجد الطلاب إلا الإذعان ودفع المقابل المادي المبالغ فيه ومحاولة تعويضه عن طريق زيادة عدد الطلاب الذين يقطنون في المسكن.

محمد سامح، الطالب في كلية التجارة بجامعة الأزهر، يقول: "قبل إغلاق المدينة الجامعية كان إيجار المساكن القريبة من الجامعة في حدود ألف وخمسمائة جنيه، لكن بعد إغلاق المدينة تضاعفت الأسعار بسبب ارتفاع الطلب ووصل سعر إيجار المسكن إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف جنيه". (ع.ا) يدعم نفس الرواية قائلًا: "بعد إغلاق المدينة تضاعفت الإيجارات، وخاصة في الأماكن القريبة من الجامعة". 

انتخابات طلابية "مشروطة"

اتخذت إدارة جامعة الأزهر قرارًا بتجميد نشاط اتحاد طلاب الجامعة منذ مطلع العام الدراسي 2013/ 2014، واتهم رئيس الجامعة في حينها، أسامة العبد، اتحاد الطلاب، الذي شكل المنتمون إلى جماعة الإخوان أغلب أعضائه، بتنظيم المظاهرات المناهضة للسلطة وتعطيل العملية التعليمية.

ورغم انتهاء جميع الجامعات المصرية من إجراء انتخابات الاتحادات الطلابية، بعد تأجيلها على مدى عامين، في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، إلا أن جامعة الأزهر فقط كانت الاستثناء، فلم تجر فيها انتخابات ولا حتى تم تحديد موعد لإجرائها.

وبهذا تصبح الجامعة الأكبر في مصر، والتي ينتسب إليها 297 ألف طالب، بحسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلا اتحاد يدافع عن حقوق الطلاب ويعبر عن آرائهم ويوفر متنفسًا شرعيًا لممارسة الأنشطة المختلفة ولإخراج طاقات الطلاب المكبوتة.

المتحدث الإعلامي لجامعة الأزهر، الدكتور أحمد زارع، صرح أن "موعد انتخابات اتحاد الطلاب داخل الجامعة سيتحدد عقب الانتهاء من إجراء الانتخابات الطلابية في الجامعات الأخرى، مشيرًا إلى أن رئيس الجامعة، الدكتور عبد الحي عزب، سيشرف ويقيم الأداء في الجامعات الأخرى بنفسه للاستفادة من التجربة وتلافي الأخطاء".

لكن يبدو أن رئيس الجامعة، الدكتور عبد الحي عزب، له رأي آخر، إذ قال في تصريحات إعلامية إن "عودة الاتحادات الطلابية مشروطة بالتعاون معه وعدم الانغماس في الصراعات السياسية".

الطلاب ينتقدون الوضع

"كنت أنوي الترشح لانتخابات اتحاد طلاب كلية الإعلام، وغاضب جدًا من عدم إجراء انتخابات طلابية في جامعة الأزهر مثل غيرها من الجامعات. كنت أريد أن أخدم طلاب الكلية والجامعة قبل تخرجي"، هكذا تحدث إلى "ألترا صوت" الطالب في كلية الإعلام بجامعة الأزهر، هشام زيان.

أما آية محمد، الطالبة في كلية الشريعة والقانون فتقول: "عدم إجراء انتخابات طلابية في جامعة الأزهر تعسف وحرمان للطلاب من حقهم في اختيار من يمثلهم، وهذا يمنح المسؤولين فرصة لتركيز السلطة في يدهم واختيار ما يتماشى مع ميولهم السياسية".

وتقول الطالبة في كلية التجارة بجامعة الأزهر، آلاء محمد: "إن ضغط الدراسة وكثرة عدد المواد المقررة، أديا إلى عدم اهتمام الطلاب بأي نشاط طلابي بما في ذلك اتحاد الطلبة، لكن أرى أن أهمية اتحاد الطلبة تكمن في تشجيعه للطلاب على التعرف على ممثليهم والمشاركة في الأنشطة التي تقام في الجامعة وأن يكون للطلاب رأي مسموع".

الجامعة التي استعصت على الدولة

رغم انتهاء جميع الجامعات المصرية من إجراء انتخابات الاتحادات الطلابية إلا أن جامعة الأزهر كانت الاستثناء

الناشط في الحركة الطلابية في جامعة الأزهر (ع.ص) تحدث إلى "ألترا صوت" شارحًا أسباب عدم إجراء انتخابات طلابية في جامعة الأزهر مثل غيرها من الجامعات، قائلًا: "السلطة الحاكمة في مصر، عبر أجهزتها الأمنية، شكلت في كل الجامعات، خلال الفترة الماضية، أذرعًا طلابية تتبعها وتؤيد قراراتها داخل مجتمع الجامعة كبديل للحركة الطلابية، ثم اتخذت قرارًا بإجراء انتخابات الاتحادات الطلابية بعد تعطيلها لمدة عامين، وأصدرت من القرارات واتخذت من الإجراءات ما يضمن أن يفوز الطلاب التابعون لها بالانتخابات، لكن في جامعة الأزهر الوضع كان مختلفًا، فلم تستطع السلطة الحاكمة أن تشكل ذراعًا داخل المجتمع الطلابي يستطيع خوض الانتخابات بنجاح بسبب وضع الجامعة الاستثنائي".

وأضاف (ع.ص)، عند سؤاله عن سبب فشل السلطة الحاكمة في تشكيل ذراع طلابي داخل جامعة الأزهر رغم نجاحها في غيرها من الجامعات: "كانت هناك محاولات لتشكيل مثل هذا الكيان، أبرزها كان تنظيم معسكر طلابي في شرم الشيخ لاستقطاب الطلاب وتشجيعهم على خوض انتخابات الاتحاد تحت راية الدولة، لكن لم يلق هذا الطلب آذانًا صاغية من الطلاب".

ويتابع (ع.ص) حديثه قائلًا: "بعد فشل محاولة تكوين ذراع طلابي تابعًا للدولة في جامعة الأزهر، قررت إدارة الجامعة عدم إجراء انتخابات طلابية والاستعاضة عن ذلك بتنشيط إدارة رعاية الشباب التابعة لها لتكون بديلًا للاتحاد. وتحاول هذه الإدارة حاليًا فعل ذلك عن طريق تنظيم رحلات للطلاب، وتنظيم مسابقات في كل الكليات وفي مختلف التخصصات. وأعتقد أنه لن تجرى انتخابات طلابية في جامعة الأزهر ما لم تنجح الدولة في تكوين كيان طلابي تابع لها في الجامعة".

يقول الطالب في جامعة الأزهر (ك.ب)، خلال حديثه معنا: "الجميع يعلم أن طلاب جامعة الأزهر يعانون ماديًا ومعيشيًا بسبب ما فرضته عليهم ظروف جامعتهم الاستثنائية، ولكن إلى متى سيظل هذا الوضع؟".

اقرأ/ي أيضًا: 

الفصل التعسفي..سلاح السلطة في وجه طلاب مصر

اتحاد طلاب مصر..الطريق المفتوح ل"شباب السيسي"

جامعة الأزهر.. "عزبة" عبد الحي عزب!