29-أكتوبر-2015

لكل شاب في أرض العراق مؤشر خطير على مستقبله (سبينير بلات/Getty)

يجد الشباب العراقي نفسه بعد 2003 متراجعاً بشكل كبير عن نظرائه في دول العالم، أو على الأقل دول الجوار، من ناحية الاستقرار بكافة تفرعاته، والاهتمام الحكومي، وضمان العيش الكريم، وإيجاد مستقبل حقيقي، لا يجبرهم على الانتماء لحزب أو جماعة مسلحة للحصول على حقوقهم.

الخراب الذي لاحق العراق بعد عام 2003 ودخول القوات الأمريكية للبلاد، وضع الشباب العراقي في مأزق جديد. مأزق الإنهيار الأمني، وفقدان وسائل الراحة، وغياب فرص العمل، بعدما عانوا قبل ذلك التأريخ من تقييد حريتهم ومراقبة سلطات نظام صدام حسين المخابراتي لهم.

يُشكل الشباب بحسب آخر إحصائية أعدتها وزارة التخطيط العراقية في وقت سابق، 20% من العراقيين، الذين تبلغ نسبتهم السكانية 36 مليون نسمة، أي ما يساوي 18 مليون و300 ألف شاب.

كان هؤلاء الشباب يعولون على مستقبل آمن، مستقبل خال من الحروب التي أكلت آباءهم المقربين منهم، لكنهم أصبحوا وقودًا جديدة لحرب مستمرة لم تنته حتى الآن. إبراهيم الفتلاوي، واحد من هؤلاء الشباب، لا يعرف أين سيكون في المستقبل. زواجه الذي نتج عنه ولادة طفلين، يقف الآن حجر عثرة أمام محاولة الهروب إلى بلاد أخرى. هكذا يحلم الفتلاوي، وربما مئات الآلاف مثله.

على العكس من الفتلاوي هناك المئات جازفوا بعوائلهم، لكن بطريقتين. بعضهم غادر برفقة زوجته وأطفاله عبر البحر، غير آبه لغضب الأمواج التي قد تُحيله إلى عالم البرزخ بأية لحظ. الآخر غادر وحده وترك عائلته بين أزيز الرصاص وأصوات المدافع، لعله يتمكن من لم شملهم مستقبلًا.

لا يحلم الشاب العراقي بأكثر من مدينة هادئة وفرصة عمل

لا يحلم الشاب العراقي بأكثر من مدينة هادئة، وفرصة عمل تُمكنه من توفير لقمة عيش كريمة، لذا يهاجرون، بدورهم، من العراق إلى تركيا واليونان ثم صربيا ومقدونيا وصولاً إلى دول أخرى. رحلة الموت هذه محفوفة بالمخاطر، ملغمة بالمصاعب، مؤطرة بالخوف، لكن، لا بُد منها.

حيدر سعد، فنان مسرحي شاب، وصل ألمانيا قبل أشهر ضمن وفد مسرحي، لكنه رفض البقاء هناك. كان يعتقد ان العراق قد يكون وضعه أفضل مما كان عليه، لكنه بعد أيام قليلة بدأ يجلد ذاته. ندِم حيدر كثيرًا لأنه لم يبق في ألمانيا، التي وصل إليها في رحلة قد لا تتكرر مستقبلًا.

عاد وغامر. لم يلق التحية على أي من أصدقائه قبل السفر إلى تُركيا، حتى المقربين منه. غادر بشكل مفاجئ. يبدو أن قرار الهجرة اتخذه في لحظة مجنونة لم يحسب لها سابقًا، فغادر العراق إلى تُركيا ثم اليونان وصولاً إلى دول أوربية أخرى.

لا يعرف أين حيدر الآن فوسائل الاتصال به انقطعت

لا يعرف أين حيدر الآن، فوسائل الاتصال به انقطعت، لكنه بالتأكيد سيكون بأمان، فلا مفخخات، ولا مدافع، ولا داعش، ولا جماعات مسلحة، ولا عصابات خطف، هو في أوروبا، الحلم الآن! كان يحلم حيدر بالعيش في بلد آمن، يُكون فيه أسرة صغيرة، أطفاله يتعلمون في مدارس حقيقية، يُمارس مهنته المسرحية بشكل طبيعي دون ضغوط. بسيطة كانت أحلام هذا الشاب المسرحي.

حاليًا في ظل عراق ما بعد 2003، لا توجد في بلاد الرافدين بيئة صالحة للعيش، خاصة للشباب، فهم الفئة الأكثر تضررًا من الوضع السيء. في أوقات الانتخابات يكون الشاب العراقي مُدللا من قبل الأحزاب السياسية، التي تسعى إلى إقامة نشاطات رياضية وثقافية، لكن، ما أن تُشكل الحكومة حتى ينتهي شهر العسل.

شباب صحفيون ومهندسون ومسرحيون، جازفوا بحياتهم في البحر من أجل الوصول إلى الحياة، أرادوا الخروج من العراق بعدما أيقنوا أنهم ليسوا سوى أعداد على هذه الأرض قابلة للنقصان. العراقيون الآن،  مُجرد أرقام تُزيد مقاعد مجلس النواب، وعلى إثر تلك الزيادة تزداد مشاكلهم.

إقرأ/ي أيضًا: ألمانيا تبهر السوريين.. لولا العائلة!

ليس الأمان وحده المعضلة التي لم تُحل بالنسبة للعراقيين، خاصة الشاب العراقي، فشباب إقليم كردستان العراق الذي ينعم بالأمن وكأنه خارج حدود العراق، يُفكر شبابه وبقوة بالهجرة إلى أوروبا. لم يكتف البعض بالتفكير فسارع لاستثمار موجة الهجرة الكبيرة التي حدثت أخيرًا.

سيروان بكر، شاب من محافظة أربيل، وهي عاصمة الإقليم وصل قبل أسبوعين إلى ألمانيا، بعد رحلة لا تقل خطورة عن رحلة العراقيين الآخرين، لكنه فضل الذهاب إلى هناك لبدء حياة جديدة غير الحياة التي قال عنها: "حياتنا قلقة ومرعبة، وأخشى تدهور الوضع الاقتصادي هناك".

لكل شاب في أرض العراق مؤشر خطير على مستقبله. أغلبهم متخوفون من عيش ما تبقى من أعمارهم تحت أزيز الرصاص، وفي شوراع غير آمنة، ومنازل قد تُصبح رُكاماً في أية لحظة، بفعل صاروخ طائش لا أحد يعرف مصدره، أو شاب يوضع في صندوق سيارة ويُصبح مصيره مجهولًا بفعل رأي خالف أصحاب السماحة والسعادة وبقية الألقاب الجوفاء.

إقرأ/ي أيضًا: الفلوجة.. استجداء الرحيل