21-ديسمبر-2023
جانب من المنتدى

جانب من المنتدى (الترا صوت/ Getty)

عُقد الأسبوع الماضي "المنتدى العالمي الثاني للاجئين" في جنيف، الذي يعد أكبر تجمع دولي معني باللاجئين في العالم.

يُعقد المنتدى مرة كل أربع سنوات، وقد صُمِّم لدعم تنفيذ الأهداف المنصوص عليها في الميثاق العالمي بشأن اللاجئين من خلال تخفيف الضغوط على البلدان المضيفة للاجئين، وتعزيز اعتماد اللاجئين على أنفسهم، وزيادة الوصول إلى حلول البلدان الثالثة، وتحسين الظروف في البلدان الأصلية من أجل العودة الطوعية والآمنة.

اجتمع في المنتدى أكثر من 4200 شخص يمثّلون 168 وفدًا حكوميًا عالي المستوى، بالإضافة إلى 427 وفدًا يمثّل المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، وشارك فيه أكثر من 10 آلاف شخص عبر الإنترنت من 120 دولة، وتفتق عن أكثر من 1600 تعهد، تتضمن تعهدات بمليارات الدولارات لدعم قضايا اللاجئين خلال السنوات القادمة.

مر المنتدى مرور الكرام دون أية إشارة تُذكر للتهجير القسري لأكثر من 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة

إلى هنا الأخبار جيدة والأهداف نبيلة والمخرجات الحقوقية المنمقة لا خلاف عليها! ولكن، جاء هذا المنتدى على وقع شهرين ونصف من الإبادة الجماعية المستمرة بحق أهلنا في غزة. الإبادة الجماعية الأولى في تاريخ البشرية التي تُبث مباشرةً على مرأى ومسمع العالم وعلى مدار الساعة. شهران ونصف من الإجرام الصهيوأمريكي بمباركة ومشاركة الغرب والشرق والإخوة العرب المتصهينين.

قصفٌ شيطاني يستهدف المدنيين في حرب على الأطفال والنساء والرجال. حربٌ على الأطباء والصحفيين والأكاديميين، وعلى المدراس والمساجد والكنائس والجامعات والمستشفيات.

شهران ونصف وأهلنا في غزة يخوضون الجحيم وسط صمت مطبق من العاملين في مجال حقوق الإنسان! وقد تابعت خلال الأسابيع الماضية على منصة "LinkedIn" تحضيرات وترتيبات وتصريحات عشرات من الزملاء العاملين في مجال حقوق الانسان والتهجير القسري واللجوء، حول المنتدى والاستعدادات له والقضايا التي سيناقشونها خلاله.

عشراتٌ ممن اعتبرت بعضهم أصدقاء لسنوات لم ينبسوا ببنت شفة عما يحدث في غزة طوال الأسابيع الماضية، ومر منتداهم "العظيم" مرور الكرام دون أية إشارة تُذكر للتهجير القسري لأكثر من 1.8 مليون فلسطيني،  ما زالوا يعيشون في العراء تحت القصف العشوائي في ظل حصار خانق يمنع عنهم الماء والغذاء والدواء، فلم أسمع سوى تصريح مجتر من المفوض العام لـ"الأونروا" فيليب لازاريني، بينما حشر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي اسم غزة ضمن مجموعة أزمات أخرى، وكأنه كُتب على الفلسطيني والعربي عمومًا أن يعيش دون أية حقوق في هذا العالم الجائر، حتى حُرم من الحق في الإشارة لمعاناته.

أذكر أن هؤلاء الزملاء أنفسهم استنفروا خلال الأسبوع الأول من حرب روسيا على أوكرانيا من أجل وقف الحرب ومساعدة اللاجئين الأوكران، وهو الفعل الأخلاقي الصحيح في أية حالة مشابهة. فخلال أسبوع أو اثنين، عُقدت عشرات الاجتماعات عن بعد، وصُمِّمت عشرات البرامج على عجل، وأُطلقت التصريحات المنددة، وصيغت ونُشِرت الرسائل الغاضبة والمطالبات بموقف حازم من الاعتداء الروسي. ولكن عندما تعلق الأمر بغزة والعدوان الصهيوأمريكي، صمتوا صمت المقابر!

لم أعتب يومًا على السياسيين والتجار، ولكن عندما يصل الأمر إلى الحقوقيين الذين لطالما أشبعوني تنظيرًا بالقيم والأخلاق والحقوق الغربية، فالموضوع يختلف تمامًا. بالتأكيد لن أنكر أنني كنت مدركًا طوال الوقت لمستوى معين من الازدواجية في المعايير يمكن التعايش معه في سبيل الخير الأكبر، فبعد كل هذه السنوات من العمل في هذه الأوساط يستلزم أن تكون أعمى البصر والبصيرة حتى لا تستشعر ذلك، ولكن لطالما حافظوا على مستوى معين في أقلها المواقف الكلامية المائعة والخطابات المسرحية المنددة بالجرائم وتقديم المساعدات حتى لو كانت في حدودها الدنيا، ولكن في العدوان على غزة لم يتخذوا حتى موقفًا صوتيًا مائعًا!

لم يعد أيًا من هذا مهمًا، فما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، وغزة تغير العالم. ومن خلال حديثي مع زملاء إقليميين، فإن الجميع يسجل الملاحظات ويتابع الردود والمواقف، كما بدء التفكير بنماذج عمل جديدة، وأتمنى أن يستمر الزخم والتفكير خارج الصندوق والعمل المشترك إن أمكن لاستبدال هذه المنظومات التي سيطرت لسنوات على هذا المجال، والتحوّل نحو المحلية والإقليمية وتقليل التدخل والسيطرة الغربية، وهو ما جعلته تضحيات أهلنا في غزة واجبًا قد يحتاج لسنوات من العمل، ولكن لا بد من البدء به الآن.