17-أغسطس-2015

فلسطينيون بين أنقاض مخيمهم في اليرموك (الأناضول)

تنوعت المدن التي اختارها الكتاب المشاركون في سوريا: تجربة المدن المحررة، لتشمل "مخيم اليرموك، زملكا، دوما" في أطراف العاصمة دمشق، وبلدة "بنش" في ريف إدلب، وحي "بابا عمرو" و"حمص القديمة" في مدينة "حمص"، إضافة لمادة بحثية بعنوان: "تضامنيات المقاومة التسلطية"، وأخرى تحدثت عن سياسة الهدن التي فرضها النظام السوري على المعارضة المسلحة في عددٍ من المناطق الواقعة على أطراف دمشق.

الخلاف بين الكتائب المسلحة هي أولى المشاكل التي واجهها مخيم اليرموك بعد سيطرة الجيش الحر عليه

الكتاب الذي أعده وحرره الصحفيان السوري صبر درويش واللبناني محمد أبي سمرا، يتناول تجارب المدن والمناطق التي سيطرت عليها قوى المعارضة السورية، منذ بداية 2012، وكيفية إدارة القوى الاجتماعية المختلفة للشؤون الخدمية والمدنية للمدن.

يتحدث متولي أبو ناصر، في الفصل الأول من الكتاب، عن تجربة مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، وبداية مشاركته في الثورة عن طريق احتضانه للنشطاء، وعقد الاجتماعات، وتأمين المشافي الميدانية للمصابين في المظاهرات، وفيما بعد، مشاركته في المظاهرات الاحتجاجية، إلى أن أعلن "الجيش الحر" بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2012 تواجده في أطراف المخيم بشكلٍ رسمي، ليرد النظام السوري بفرض حصارٍ خانقٍ عليه.

تبدو أولى المشاكل التي واجهها المخيم بعد سيطرة "الجيش الحر" عليه "الخلاف بين الكتائب المسلحة"، ومن ثم فقدان تلك الكتائب للحاضنة الشعبية، نتيجة العديد من الممارسات مثل "سرقة البيوت والمحال التجارية"، و"اعتقال بعض الناشطين وأعضاء من تنسيقية اليرموك على يد عناصر الرابطة الإسلامية، بذرائع تتعلق باللباس أو عزف الموسيقى وغيره". 

أما بالنسبة للعمل المدني في المخيم، فقد توقفت معظم المؤسسات الإغاثية مثل "الأونروا" عن العمل المدني، ونجح القطاع التعليمي في الاستمرار وتعليم الأطفال، أيضًا من المشاكل التي واجهها المخيم، كانت مشكلة التأخر في تشكيل مجلس محلي يشرف على الشؤون الخدمية، وكان أهمها نسبة التمثيل التي اقُترحت "أن تكون حصة السوريين من المجلس المحلي 5 أعضاء و2 من الفلسطينين"، قبل أن يتم الإعلان عنه بعد فترة، ورفض جميع الأهالي له، مما ساهم في فشل إدارته للمخيم، ليتسارع انكفاء العمل المدني بشكل ملحوظ بعد فرض سياسة الحصار على المخيم، وبدء الكتائب المتطرفة بالتوسع داخله.

شارك صبر درويش في بحث توثيقي، سرد من خلاله تجربة مدينة زملكا، في ريف دمشق، مستعرضًا تطور الحِرَّاك فيها من العمل المدني إلى العمل المسلح، وكيف أصبحت تدير شؤونها اليومية بعد انسحاب النظام السوري، إلى أن بدأت الإشكاليات تظهر على السطح، والتي كان منها انضمام كتيبة "سيف الإسلام" إلى "لواء الإسلام" بقيادة زهران علوش التي ظهر عليها منذ التشكيل ملامح ذات "طابع إسلامي متشدد، يكاد يتطابق مع طبيعة لواء الإسلام السلفي والمتشدد بدوره"، وهو ما دفع "باتجاه حدوث انشقاقات داخل الكتيبة"، ليتم تشكيل كتيبة "شهداء الشام" ذات الطابع الوطني – المعتدل، إلا أن ذلك الانشقاق ألقى بتداعياته السلبية على تجربة المدينة، نتيجة تلقي الأولى للدعم من "لواء الإسلام" وبسط نفوذها في المدينة، وانحسار الدعم والتمويل للثانية.

من التجارب التي خاضتها المدينة كان تأسيسها لهيئة قضائية يشرف عليها حقوقيون سوريون، وكانت تستمد أحكامها من القانون السوري، إلا أن فرض كتيبة "سيف الإسلام" مرجعيات دينية مثل "المشايخ" عليها، ساهم في تحولها التدريجي من هيئة حقوقية مدنية إلى هيئة شرعية، ويمكن اعتماد تجربة الهيئة الحقوقية، من ضمن نماذج عمل المؤسسات المدنية التي تناولها البحث، وخلص درويش في نهايتها إلى أن تجربة مدينة زملكا "انحرفت فيما بعد، لتصبح هذه المؤسسات انعكاساً لتوازنات القوى العسكرية للمعارضة في المدينة"، مضيفًا أنه "ليست التجربة السابقة استثناء، بل يمكن القول إنها كانت القاعدة في أغلب تجارب المدن المحررة". 

أحد أهم الأشكال التي أوصلت تجارب المدن المحررة إلى الفشل كان دخول المال السياسي

أما الصحفي عبسي سميسم فتحدث في بحثه عن تجربة بلدة بنّش، وتأتي أهمية هذه المدينة، كونها منذ عام ونصف على انسحاب النظام السوري منها "لم تشهد حتى الآن وجود نوىً لمؤسساتٍ مدنية حقيقية تدير شؤونها"، فبلدة بنش التي تعد من أوائل "المدن المحررة"، كذلك كانت من المناطق الأولى المنادية بـ "الإمارة الإسلامية"، بعد تراجع العمل المدني بشكل تدريجي.

كما حاولت تأسيس لجان عمل مدني، مهمتها تلبية الشؤون الخدمية للناس، إلا أن هذه اللجان اصطدمت، بالزعامات العائلية، وافتقادها للمشروعية من قبل المواطنين، لتفشل بعدها المحاولة المدنية الثانية، ويبدأ المشروع السلفي بالظهور، وكان أهمها "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام"، بالتوازي مع الظهور السلفي في المدينة، نشأ تحرك مدني حمل اسم "الجمعية السورية للعمل المدني في بنّش"، إلا أن التجمع لم يستطع ممارسة عمله الذي كانت يطمح  إليه، كتشكيل مجلس مدني في المدينة، بعد اصطدامه بالعديد من العوائق، التي فرضتها "الزعامات المحلية" و"غياب الدعم والثقة".

وتناول الكاتب حازم السيد دور الإعلام في دعم مسار الثورة السورية منذ البداية، والتعقيدات التي واجهتها بعد استخدام النظام للسلاح ضد المعتصمين في ساحة العاصي في مدينة حماة، وتطور العمل المسلح تدريجيًا، بعد تجربة حماة لحمل السلاح من قبل المتظاهرين، لتكون أولى "المدن المحررة" البلدات والمناطق الريفية، ما جعل المجتمع المدني يصطدم بـ"المساحة الجغرافية الصغيرة" و"التركيبة الديموغرافية المتجانسة"، هذان العاملان أوصلا التجربة المدنية في صيغتها المشكلة حديثًا "المجالس المحلية" إلى حدود الفشل وجعلت من "سيادة التضامن الاجتماعي وجعل البنى البطريركية، كالعائلة والعشيرة والآليات التي تساهم في تثبيتها كالمحسوبية والشللية والاستزلام، هي ما يحدد عمل هذه المؤسسات الناشئة". 

ويرى السيد في نهاية البحث أن أحد أهم الأشكال التي أوصلت بتجارب "المدن المحررة" إلى هنا، كان دخول المال السياسي، وتلاعب الدول الإقليمية، التي ساعدت "البنى البطريركية" على "تأسيس ديمومتها عبر الالتقاء بالمقدس الديني الذي يضمن لها فرصة ذهبية في التحول من دينامية لمقاومة الدولة التسلطية إلى نواة بديلة عنها".

في حين تحدث البحث ما قبل الأخير في الكتاب، عن تجربة مدينة حمص التي حملت اسم "عاصمة الثورة"، واتخذ طريف العتيق من تجربة حي بابا عمرو "نموذجًا للبحث، فالحي كان من الأحياء التي شاركت وبزخم كبير في المظاهرات في بداية عام 2011، واحتضن لاحقًا "المنشقون عن الجيش"، ليخرج مع نهاية العام عن سيطرة النظام الذي فرض طوقًا عسكريًا حوله، هذه التحولات في الحي، جعلته يصمد 28 يومًا في ظل الحصار الخانق دون "طعام، ماء، كهرباء.. إلخ"، وكان من نتائج الحصار انسحاب "كتيبة الفاروق" من الحي، والتي انهت بذلك أولى تجارب "المناطق المحررة"، ويرى العتيق بأن التجربة الثانية الممثلة بخروج "حمص القديمة" التي تضم 14 حي عن سيطرة النظام السوري، حاولت تلافي الأخطاء المرتكبة في تجربة حي بابا عمرو، إلا أن المدينة فرغت من السكان بعد استهداف قذائف الهاون والطيران المروحي في قصفها.

 ويصل العتيق في النهاية إلى أن لهذه التجارب إيجابيات مثل "حماية قاطني المناطق المحررة من حملات الدهم"، وجعل "المجتمع المدني أمام مسؤولياته الحقيقية في رعاية وتسيير الشؤون المختلفة"، وكان هناك سلبيات من ضمنها "عدم القدرة على تنحية المدنيين عن الصراع" ودخول مقاتلين أجانب أيضًا على ساحة الصراع".

في الفصل الأخير من الكتاب يعود صبر درويش، مرة أخرى، ليكتب عن تجربة "المدن المحررة" مع الهدن التي فرضها النظام، فالنظام اعتمد في تعامله مع المناطق الخارجة عن سيطرته على أطراف دمشق، سياسة الانسحاب من المنطقة، وبدء عملية القصف اليومية، إلى جانب الحصار ومنع خروج ودخول السكان إليها، وأضاف إليها درويش "سياسة تجفيف منابع الدعم" أو "التقليل من حجم المساعدات المالية والعسكرية لكثير من التشكيلات المعارضة"، لتتعرض "الفصائل المسلحة" لضغط من الأهالي الذين يمثلون "الحاضنة الشعبية" لها، من أجل قبول "الهدنة" مع النظام السوري، بعد انهيارها اقتصادياً وعسكرياً، وبروز ظاهرة "الفساد الذي كان استشرى داخل خلايا قوى المعارضة، وتحديداً الرسمية منها".