29-أكتوبر-2018

الشّاعر السوريّ المغيرة الهويدي (فيسبوك)

ألترا صوت – فريق التحرير

"وكان البيت أخي السابع"، هو عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشّاعر السوريّ المغيرة الهويدي، الصادرة حديثًا عن "دار ممدوح عدوان للنشر"، وهي الثانية بعد مجموعته "الحب لا يغادر البلاد" الصادرة سنة 2015 عن (الدار العربية للعلوم ناشرون). وفي هذه المجموعة، يبدو الهويدي وكأنّه يكتب مُخاطبًا نفسه قبل القارئ، وتبدو الكتابة هنا وكأنّها أُنجزت في حالة الوحدة والصمت والعزلة. أو قد تكون ترجمة لما قد يراهُ المرء، أو ربّما الشاعر تحديدًا، في وحدته، من صورٍ وذكرياتٍ وأزمنةٍ مضت، ومشاعر تصعد وتخفت وفقًأ لدقّة الصورة المستعادة، ووضوح ملامحها.

يبدو شعر المغيرة الهويدية ترجمة لما قد يراهُ المرء، أو ربّما الشاعر تحديدًا، في وحدته

لا تختلف المواضيع المطروحة في المجموعة عمّا سبق وأن طرحه الهويدي قبلًا في مجموعته "الحب لا يغادر البلاد"، أي الحب والوحدة والخوف والحرب. وحضور هذه المواضيع معًا في المجموعة لا يأتي لارتباطها ببعضها البعض فقط في يومنا هذا، وإنّما لارتباطها بحياة الإنسان اليومية، ويمكن القول هنا حياة الإنسان السوريّ تحديدًا، والذي اختبر ولا يزال يختبر الحب والحرب، الوحدة والخوف، الضجر والغربة، في آن معًا.

اقرأ/ي أيضًا: "سجين السماء".. جزء جديد من رباعية "مقبرة الكتب المنسية"

ولذلك، من الممكن أن تُقرأ القصائد باعتبارها، بشكلٍ أو بآخر، نوعًا من الترجمة لحالة التوتر والتشتت التي لا ينفكّ يختبرها المواطن السوريّ، والمنبعثة بطبيعة الحال من العلاقة بينه وبين هذه المشاعر التي تحضر كلّها دفعةً واحدة. هكذا، تظهر القصائد في بعض الأحيان وكأنّها كُتبت وفقًا لاستجابة الشِّعر لضغوطات الحالة النفسية المُعاشة، لا وفقًا لشروطه وتقنياته، وهذا ما يخلق عادةً تفاوتًا في جودة القصائد، دون أن ينزع منها خصوصيتها إطلاقًا.

[[{"fid":"103858","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"وكان البيت أخي السابع","field_file_image_title_text[und][0][value]":"وكان البيت أخي السابع"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"وكان البيت أخي السابع","field_file_image_title_text[und][0][value]":"وكان البيت أخي السابع"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"وكان البيت أخي السابع","title":"وكان البيت أخي السابع","height":343,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

يُمكن للقارئ ملاحظة التوتّر الحاصل، أو التخبّط والتداخل بين شعورٍ وآخر، وامتزاجهما معًا تمهيدًا لفقدانهما وظيفتهما، وخلق شعورٍ إضافي أو أكثر؛ من خلال تداخل المفردات التي تُشير إليها في قصيدة واحدة. وهذا التداخل لا يُمكن أن يكون من قبيل المصادقة، وإن جاء مرّاتٍ، وفي عدّة قصائد، من بابها. يكتب المغيرة الهويدي: "وعندما لم تتسع هذه البلاد لنا/ حملنا حقائبنا ومضينا إلى السفح/ وأخذنا معنا ما يكفي لنعيش كي نحب؛ / كفاف يومنا ممّا يلهث وراءه العالم/ العالم الذي لم تؤذه كلّ هذه الحروب/ وآذته ورقة صنوبر طرفَتْ عينه".

في مجموعته الجديدة، لا تختلف المواضيع المطروحة عمّا سبق وأن طرحه الهويدي في مجموعته "الحب لا يغادر البلاد"

يحضرُ الحبّ بكثافةً في القصائد الأولى من المجموعة، إن كان ذلك بحضور المفردة بعينها، أو ما يمكن أن يشير إليها. ويأخذ صفاتٍ مختلفة مُنحت لهُ بفعل الحرب، كذكرى، أو جرح، أو خيطٍ رفيع يجمع الحاضر بما مضى، أو البعيد بما هو قريب، والغائب بمن لا يزال حاضرًا. "لأنّنا لم نتصافح/ لأنّ أكفّنا كانت تقبضُ على أشياء تافهة/ ولأن الحرب أصابت البلاد بعطبٍ/ وأخذت وقوفنا الأخير هناك/ لأنّ خللًا جعل الضوء ينطفئ ويشتعل:/ تفضلين القبلة مضاءةً أو مطفأة؟". يقول في قصيدةٍ أخرى: "كلّ يوم تعبرني الحرب/ تزرع بدلًا من أغنياتك ألغامًا/ تجعل من أصابعي "ديناميتًا" وقنابل/ وتصنع من شعري مشانق/.../ كلّ يوم أعود إليك مثقلًا بالموت/ مهزومًا أو منتصرًا/ بضحايا وقتلة يتسللون عبر زفيري إلى حائط مطبخك/ يلعقون رائحة طعامك، ملاعقك وصحونك/.../ كلّ يوم تحدّثين جارتك عن مهمتك الأصعب: إزالة آثار الحرب".

اقرأ/ي أيضًا: صدور العدد 34 من سياسات عربية

المغيرة الهويدي كتب يومًا على صفحته في "فيسبوك" يقول إنّ وجعنا أكبر من الأدب. ولكنّه لا يكفّ عن محاولة تفريغه أو نقله إلى القارئ على الأقل. لا سيما إن كان هذا الوجع بمدينته "الرقّة" التي تعيش جحيمًا حقيقيًا منذ سنواتٍ طويلة. وللرقة بدورها حضورها القوي في مجموعته هذه. "عندما تعبر بدراجة هوائية زقاقًا في الرقة/ تستطيع أن ترى عباءة حَبر في كلّ حوش/ معلقةً على حبل الغسيل/ وتستطيع أن تراها/ تغلق الحنفية/ وتمشي إلى الشاي/.../ في حوشهم أشجار زيزفون/ يحبّ أهل الرقة هذه الشجرة/ حبّهم للشاي/ لم أسمع أنّ أحدًا منهم يحبّ أشجار البرتقال أكثر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 

ماركس والطبيعة البشرية

"الديوان الإسبرطي".. أسئلة واحدة أزمنة مختلفة