29-مايو-2016

يعاني المسرح المغربي من غياب "السوق الفنية

إن الحديث عن المسرح المغربي قديمًا عندما كان الجمهور يقف بالطوابير أمام دور العرض رجالًا ونساء بهندامهم الأنيق، لم يعد سوى حديث "نوستالجي" نتخيل فيه الناس بهندامهم الأنيق وحجزهم للمقاعد الأمامية وإن تخلفوا عن الحضور يوم فرضت إسبانيا وفرنسا تأسيس المسرح من ضمن بنياتها الثقافية الاستعمارية.

بات الحديث عن المسرح المغربي عندما كان الجمهور يقف بالطوابير أمام دور العرض حديثًا نوستالجيًا

وقد فرضت تلك المرحلة مسرحًا مغربيًا دوره أن يمرر أيديولوجيته في التحرر والاستقلال لينشغل ذات المسرح بعد 1956 (استقلال المغرب) بقضاياه الاجتماعية الراهنة، وينزع عن هذا القالب في مرحلة السبعينيات بعد أن انشغل في تمرير خطابه التحرري من تعسف النظام الملكي وتضييقه للحريات، فنشأ في المغرب ما يُسمّى بمسرح "الهواة" استطاع أن يطرح أسئلة يسارية وهوياتية عربية جديدة، مرّبيًّا جمهورًا واعيًا متفاعلًا مع ما يطرحه، وقد تأثر حينها بتقنيات المسرح الغربي الجمالية في العرض والكتابة والسينوغراف.

اقرأ/ي أيضًا: أيوب عمريش.. سندباد المسرح في الجزائر

هذا التناول التاريخي لتحولات المسرح المغربي، تحدث عنها السينوغراف أنس العاقل خلال ندوة "جمهور المسرح المغربي" نظمتها جمعية "مسرح المدينة الصغيرة" ضمن مشروعها "التوطين المسرحي" الذي تعمل عليه بفعاليات مكثفة طوال ثلاث سنوات بمدينة تطوان، شمال المغرب. 

وبالنظر إلى الفترة التي لحقت التسعينيات لم تكن لصالح المسرح المغربي وإن شهدت البلاد انفتاحًا ديمقراطيًا نسبيًا، فقد تحول لمسرح تجاريّ بحت مبني على "الهزل والضحك"، العاقل يجد أن "وسائط الاتصال الحديثة مثل التلفزيون زاحمت وجود المسرح، وخلقت جمهورا كسولًا يفضل الثقافة الاستهلاكية السريعة، مثل جمهور كرة القدم. لم يساعد ذلك المسرح الذي انشغل بالخطاب التنظيري بدلًا من الابتكار الركحي على ترويج نفسه وأصبحت علاقته بالجمهور متدنية وضعيفة". 

آنيًّا، يعاني المسرح المغربي من غياب "السوق الفنية، حيث لم يعد الإعلام المكتوب يواكب العروض المسرحية وقصور دور التلفاز في الترويج لها ومنافسته أيضًا فضلًا عن انتشار وسائل الاتصال الحديثة واعتكاف المسرحيين عن قراءة المجتمع بطريقة ذات رؤية تطرح مشكلاته وتعالجها، لكن المسرح لم يعد قادرًا حتى على إحداث التمايز الاجتماعي"، كما أشار العاقل في ختام حديثه. 

أنس العاقل: المسرح لم يعد قادرًا حتى على إحداث التمايز الاجتماعي

من ناحيته، أكد على الكاتب المسرحي الزبير بن بوشته على "أزمة جمهور المسرح المغربي" قائلًا: "لا زلنا نشهد مسرح بلا جمهور"، ورغم أن وزارة الثقافة تدعم إنتاج عروض بقيمة ألفين يورو أو أكثر إلّا أن الجمهور لا يتعدى عشرة أشخاص. أزمة حقيقيّة يعاني منها المسرح المغربي بسبب، ووفق بن بوشته: "فقدان شبكة توزيع العروض المسرحية، وعدم وجود قاعات متخصصة لها برامج مسرحية خاصة وفريق عمل خاص، ضعف الإدارة المسرحية للفرق، والظروف البائسة التي يعيشها المسرحيون أثناء تنقلهم بالعروض، وفقدان التوازن بين عملية إنتاج العمل المسرحي وترويجه". 

اقرأ/ي أيضًا: بيتر دنكليج.. لا أعرّف نفسي بناء على حجمي

حالة واضحة من اليأس يعيشها المسرح المغربي بعدما ضخت أموال هائلة خلال السنوات العشرين الأخيرة من أجل النهوض به دون نتائج بارزة، وظلّ الإبداع المسرحي حالة نجاح فردية خاصة، لذلك قامت وزارة الثقافة المغربية بتغيير سياسات الدعم وتوجيهها إلى برامج تسمى بـ"التوطين المسرحي"، وهو أساسًا تقليد غربي، ويعني أن الفرقة المسرحية تكثف عملها بمكان ما سعيًا إلى أهداف معينة. وأصبح "التوطين المسرحي" حاليًا من أهم المشاريع المسرحية المغربية التي تهدف إلى فكّ العزلة عن المسرح وتربية جمهور له في المدن اللامركزية، إذ يقدم فيه الدعم للجمعيات المسرحية، منها جمعية "مسرح المدينة الصغيرة" التي اختارت مدينة تطوان، شمال المغرب، مدينة مستهدفة في مشروعها المسرحي المستمر لثلاث سنوات. 

ويعطي الكاتب العام للجمعية، أحمد السيباع، عن برنامج "التوطين" توضيحًا أوسع، قائلًا: "نحاول من البرنامج إخراج المسرح من عزلته بالاقتراب من الجمهور وإنتاج مسرحيات شبيهة ببيئته وتاريخه كي يتفاعل معها، ونركز فعالياتنا في تنظيم الورشات المسرحية وإنتاج أعمال مسرحية وكتب وعقد ندوات فكرية". متابعًا: "يتسم "التوطين" بكونه يتركز في قاعة واحدة وموجه نحو فرقة واحدة وتتعامل مع نفس الجمهور، كما يركز البرنامج على بناء النصوص المسرحية والرؤية الإخراجية وكافة عناصر العرض المسرحي والتنويع في المواقف بين درامية رصينة وكوميدية ساخرة بما يثير شغف الجمهور ويحفزه على القدوم".

يعيش المسرح المغربي حالة يأس بعد أن ضُخت أموال هائلة خلال السنوات العشرين الأخيرة من أجل النهوض به

ونظمت "مسرح المدينة الصغيرة" أولى برامجها في تطوان، استمرت لثلاثة أيام، حيث ناقشت الندوة الفكرية موضوع "الجمهور المغربي وعلاقته بالمسرح"، ثم مناقشة كتاب "قصر البحر- صخور سوداء" للمسرحي محمد زيطان، يتحدث فيه عن مرحلة ما بعد استقلال المغرب، انتقل فيها الصراع مع المستعمر إلى صراع طبقي الذي خلق شخصيات دكتاتورية تتحكم بطائفة كبيرة من الشعب، فالمؤلف وفق المسرحي أحمد بن ميمون الذي قدم قراءة في الكتاب ركز على "مفهوم الحرية الفردية والثمن المدفوع من أجلها، وتطرق إلى الأعراف والتقاليد الاجتماعية المعتدة بنفسها والسلطة والغطرسة التي اتسمت بها تلك المرحلة". 

وفي تعريفه بالكتاب، قال زيطان: "يشير "صخور سوداء" بعنوانه إلى المسرح التعبيري الذي يمتزج فيه العبث. شخصيات هذا العمل ملموسة ويمكن أن نصادفها يوميًا، وقد تصورت الشخصيات من موقع فوقي ازدوج فيها الأدب مع المسرح" مقدمًا نصه على أنه "نص مشاهَد قبل أن يكون مقروءًا أو على الركح"، ونصّ "مختصر غير متروك للهندسة الإخراجية". وفي محطة الكتب الأخيرة، ناقش الناقد أحمد الجرطي كتاب "تمثلات النقد الثقافي في المسرح العربي" لباحثه عادل القريب والصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.

اقرأ/ي أيضًا:

حمزة نمرة.. راوٍ يتجول بالأغاني

"وجهة سفر".. براويز معلقة للثورة