25-مايو-2016

حمزة نمرة

أقدم برنامج "ريمكس" الذي يقدمه الفنان حمزة نمرة على "التلفزيون العربي" على فعل شجاع سبقه إليه كثيرون، لكن الفارق الحقيقي بينه وبين من سبقوه هو أن نمرة أسس لبرنامجه كمشروع ثقافي، وليس مجرد تجربة قابلة للنجاح أو الفشل.

في برنامجه "ريمكس"، يختار حمزة نمرة نموذجًا شعبيًا عربيًا لم يحظ بالاهتمام الكافي

يختار حمزة نمرة نموذجًا شعبيًا معبرًا عن مكون ثقافي أساسي في ثقافة نبتت في الأرض العربية، لكنها لم تحظ بالاهتمام الكافي، ثم ينقله من محليته إلى ما يناسب الخطاب العام، أي أنه يجعل الأغنية الشعبية التي لا حظ لها إلى صوت موسيقيّ، يحظى باهتمام المارة في الشوارع من الصغار والكبار.

اقرأ/ي أيضًا: نجيم بويزول.. ما يغنيه المهاجرون

يغير نمرة في معظم تفاصيل الأغنية حتى يستطيع ضبطها على إيقاع ملفت للنظر والسمع، ويستوقف المارة ويسترعي انتباههم. من ذلك مثلًا أن نمرة حط رحاله في مدينة خنيفرة الأمازيغية في المغرب، ليصل إلى بيت محمد رويشة أحد أشهر أعلامها، ويلتقي بأسرته ويعزف على عوده التقليدي. العود الذي كان يحمله رويشة، أو "لوتار" المصنوع من الخشب وله صوت قوي مميز، وكان يُصنع في خنيفرة على عين رويشة نفسه، ويتابع تصنيعه ويرشد صانعه حتى يتقن الصنعة.

يعود حمزة إلى لندن ليفكر في فكرة تعرض أغنية رويشة "إناس إناس"، التي تعني بالأمازيغية "قل له"، ويعكف على إخراج جديد لها مع فرقة غربية، يمزج موسيقى الريجي التي كان بوب مارلي أستاذًا لها مع أغنية رويشة، وينجح في صبها في النهاية في قالب يجذب المستمع الغربي الذي يعرف الإيقاع ولا يفهم الكلمات، ويلفت نظر المستمع العربي الذي يُعجب باللحن الغربي ولا يفهم الأمازيغية. في النهاية، يخلق حمزة نمرة حالة رائعة وملفتة للنظر من أغنية رويشة ممزوجة بإيقاع غربي جيد.

في حلقة ثانية، يظهر الفنان في بيت تطل شرفاته الداخلية على أرض رخامية في وسطها نافورة ماء، ويتعلق بأعمدتها اللبلاب هنا وهناك، وهو ما يسمى "الرياض" في الجزائر، والذي يمكن أن يكون بيتًا أو قصرًا، أو حتى نُزلًا.

يتحدث حمزة مع أحد أهم شيوخ "المالوف" في الجزائر، والمالوفه موسيقى عربية أندلسية، وهي أيضًا الموسيقى المغريبة الكلاسيكية بشقيها الديني والدنيوي، أما مادتها المغناة فهي غالبًا المدائح أو الموشحات أو الأزجال. أما كلمة "شيخ" في هذا الفن فهي تشير إلى من يحفظ الشعر، ويتبحر فيه ويغني المألوف. الفرقة المصاحبة للشيخ تعزف على العود، والدربوكة (الطبلة)، والرق، والكونترباص والناي، وهي موسيقى تبدأ بموال.

من المهم أن يكون لهذا الغناء صورة أخرى تصل إلى الناس

كان من المهم أن يكون لهذا الغناء صورة أخرى تصل إلى الناس، تتميز بأداء سريع وموسيقى جديدة تعيد تقديمها، من هنا أدخل نمرة عنصريْ الهيب هوب والراب إلى الأغنية، فكانت "يا ناس جرتلي غرايب" ووظف فيها موضوع الصداقة كموضوع جديد وعصري، وكتيمة غنائية. 

اقرأ/ي أيضًا: عمر سليمان..أسعد شخص في العالم

إحدى المحطات المميزة لـ"ريمكس"، كانت في الأردن مع فرقة "الحنّونة" التابعة لجمعية الحنونة الفلسطينية، والتي تُعنى بكل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني. من أجمل العناصر التي برزت كانت البحث خلف التراث لتزيين الواقع، فكانت الحنّونة (الوردة الحمراء) التي تغطي الأرض بلونها بهجة الغناء والسعادة بالوعي بأهمية التراث وأهمية تقديم الأصيل منه.

حضر نمرة عروض الحنونة الفلسطينية الشيقة، ثم وقع اختياره على أغنية "يا ظريف الطول"، وهي أغنية تحكي عن فتاة تتغزل في فتى بظرف طوله وحسن طلته، وتريد منه البقاء في البلاد وألا يغادرها، وألا يذهب ليعيش في أرض أخرى ليتملكها وينسى أرضه. الكلمات هادئة لكن لها معان إنسانية بعيدة.

يحط حمزة رحاله من جديد في لندن، حيث يلتقي بفرقة فلسطينية تعيش هناك اسمها "47 سول"، وهي تعني روح الـ47، وحين سألهم عن المعنى قالوا إنها أيام كان التنقل فيها بين أرجاء البلاد حرًا وممكنًا.

حين يصبح للأيام القادمة ماضيًا، سنتذكر أنه إلى جوار الحروب كان ثمة هامش وحّد هذه الجغرافيا

استخدمت الفرقة الطبلة الشرقية الشامية المعروفة، ممزوجة بموسيقى غربية سريعة تعتمد على الروبوت السريع، خرجت في النهاية رائعة وملفتة وجذبت أنظار العرب المقيمين في لندن، وهي جالية كبيرة جدًا. رقص على إيقاع الدبكة الفلسطينية العجوز والطفل، والغربي والعربي. كان الحنين والبهجة سيدا الموقف. غنى الشباب بالعربية وبالغربية لونًا فلسطينيا أصيلًا في أحد شوارع لندن.

اقرأ/ي أيضًا: دراما الثورة السورية (2).. الولادة من الخاصرة

قد يرى البعض أن ما يفعله حمزة نمرة هو تشويه للتراث وإخفاء لمعالمه واستهانة به وتغييب لحقيقته. وقد يرى البعض الآخر أنه تسلل إلى منطقة في عمق التراث العربي وأخرجها إلى خارج حواجزها الجغرافية، لكي يعيد تناولها من جديد بسياقات جديدة عصرية لكنها مسموعة وملفتة للنظر ومثيرة للجدل وجديرة بالانتباه. 

ويبقى من وراء كل ذلك أن كثيرًا منا لم يكن يعرف محمد رويشة ولا مدينة الخنيفرة، ولا فرقة الحنونة، ولا موسيقى المألوف، وقد عرف شيئًا عن كل شيء بعد مشاهدته لحلقات حمزة نمرة. 

تلك الأغاني الحيّة حكايات ناس وأمكنة، ونمرة راوٍ أدواته الغناء والموسيقى، هكذا سيكون على ذاكرتنا أن تستعيد، حين يصبح للأيام القادمة ماضيًا، أنه إلى جوار الحروب والفظاعات كان ثمة هامش صغير وحّد هذه الجغرافيا.

اقرأ/ي أيضًا:
 
أيوب عمريش.. سندباد المسرح في الجزائر

شوقي بوزيد يصرخ.. ماما أفريقيا