28-فبراير-2017

مشهد انهيار مبنى في مراكش (الأناضول)

عند كل حادث انهيار منزل فوق رؤوس قاطنيه، لا بد أن يترك خلفه ضحايا ومآس لا تنتهي. وفي المغرب تتكرر هذه الحوادث القاسية، وليس آخرها انهيار مبنى في مراكش قبل أيام قليلة، مخلفًا قتلى ومصابين، ليتجدد السؤال الذي يطرحه المغاربة عند كل فاجعة مماثلة، إلى متى ستنهار المباني الآيلة للسقوط؟

لم يجد المسؤولين  المغاربة حلولًا ناجعة تنهي من "أزمة" انهيارات المنازل المتكررة في مدن عدة

وعلى الرغم من حوادث سقوط مباني، والتي غالبًا ما تتسبب في قتل وتشرد عائلات فقيرة وتترك ذكريات أليمة، لم يجد المسؤولين المغاربة بعد حلولًا ناجعة، تنهي من "أزمة" انهيارات المنازل في مدن مغربية عدة. لا سيما أن المغاربة يتذكرون جيدًا، حوادث عديدة تتعلق بانهيارات منازل فوق روؤس قاطنيها، سواء بمدينة الدار البيضاء، أو مراكش أو  فاس، بالإضافة إلى مدن مغربية أخرى.

 وأدى حادث مراكش الأخير في منطقة باب تاغزوت  إلى وفاة طفلين "4 و6 سنوات"، وإصابة عمتهما التي نقلت في حالة حرجة إلى المستشفى. وشهدت الدار البيضاء وحدها 8 انهيارات بين 2009 و2014 أدت إلى مصرع 35 شخصًا، من بينهم 23 قتلوا في 2014 في انهيار ثلاثة مبان، بالإضافة إلى حوادث مفجعة بمدينة فاس، مثل حادثة انهيار مسجد فوق روؤس المصلين قبل سنوات.

أقرأ/ي أيضًا: المغرب.. نحو إلغاء مجانية التعليم العمومي!

يقول الحقوقي المغربي عبد الله اليوسفي لـ"ألترا صوت": "إلى حد الساعة، وبالرغم من القوانين التي تنص على غرامات مالية وعقوبات سجنية، إلا أننا مازلنا نسمع عن انهيارات مباني،  خصوصًا عند هطول الأمطار الغزيرة، والتي تتسبب في سقوط  المنازل والعمارات السكنية، أو المنازل القديمة والتي يعود أصلها قرن من الزمن"، مؤكدًا أن "ملف منازل الآيلة لسقوط بالمغرب، هو ملف معقد، و يظل جامدًا، ينتظر فقط فاجعة أخرى جديدة، حتى نسمع عن دينامية مسؤول وتغطيات صحفية مؤقتة فقط".

وأوضح أن "أسباب انهيارات المنازل بالمغرب، عديدة، لكن العامل الرئيسي، هو العنصر البشري، فعامل الرشوة مثلا مازال متفشي، بالرغم من وجود قوانين تنص على السجن لكل متورط، بالإضافة إلى  عامل آخر، وهو أنه بعض الأسر ترفض مغادرة المنزل الآيل لسقوط، خوفًا من التشرد، فبعض الأسر تفضل الموت على أن تتشرد".

يبقى ملف المباني الآيلة للانهيار جرحًا مفتوحا للعديد من العائلات المغربية الفقيرة أمام شح الخيارات

إلا أن زهرة، وهي سيدة في الستينيات من عمرها، لم تستطيع المكوث في منزل مهدد بانهيار، فضلت الانتقال للعيش في  منزل الأبناء وأحيانًا في منزل المقربين منها، خوفًا من أن تكون رقمًا آخر في لائحة ضحايا انهيارات المباني. التقتها "ألترا صوت" في حي "الهراويين" البيضاوي،  حيث غادرت منزلها  بدرب السلطان، لاسيما وأن السلطات المحلية، أكدت لها أن المنزل سينهار قريبًا فوق رأسها. تقول: "بعد مغادرتي للمنزل، خصوصًا بعد أن برزت بعض التشققات، أمسيت من دون مأوى، أتنقل من منزل لآخر، أحس أنني ضيفة ثقيلة على أبنائي، لكن لا أملك الخيار، حاولت العودة إلى المنزل مجددًا، إلا انه مقفل، من قبل السلطات، خصوصًا بعد حكم الإفراغ".

أقرأ/ي أيضًا: نساء التهريب المعيشي في المغرب.. "الإذلال" كمهنة

مشيرة إلى أن "أسرًا كثيرة تقطن بمنزل مهدد بانهيار لأنها تخاف من التشرد، لا سيما وأن السلطات تتنصل من مسؤوليتها بتعويض هذه الأسر بسكن آخر، فهم يعيشون الرعب كل يوم، خوفًا من انهيار المنازل فوق روؤسهم، إنها مأساة حقيقية".

وتشير التقارير الرسمية  إلى أن قرابة 50% من النسيج العمراني للمدن العتيقة بالمغرب، موجود في وضعية متدهورة، وأن 10% منها مهددة بالانهيار، كما أن النسب مرشحة للارتفاع بحلول موسم الشتاء، ومع استمرار عوامل الخطورة الأساسية كظاهرة توسيع المنازل الركيكة وعامل الرطوبة، وتفشي الرشوة وتغاضي بعض المسؤولين عن هذه المنازل، أو الخوف من التشرد.

قرابة 50% من النسيج العمراني للمدن العتيقة بالمغرب، موجود في وضعية متدهورة و10% منها مهددة بالانهيار

ووفقًا لمسؤولين مغاربة، فإن ظاهرة الدور الآيلة للسقوط تمس 31 مدينة عتيقة بالمغرب، و740 ألف أسرة أي 5.4% من المساكن في المدن، وعدد الأسر التي تسكن في هذه المناطق قد يصل إلى 100 ألف أسرة. وعلى الرغم من الحركية التي تدب في هذا الملف مع كل حادث يخلف حصيلة ثقيلة في الأرواح إلى جانب مشردين، إلا أن الجمود سرعان ما يعود ليطبع هذا الملف في انتظار كارثة جديدة.

وحسب الأرقام الرسمية يصل عدد المباني المهددة بالانهيار في مدينة الدار البيضاء إلى 4000 مسكن، ويبلغ عدد الأسر القاطنة فيها حوالي 72 ألف أسرة، أما عدد هذه المباني بالمدينة العتيقة لفاس، فإنها تقدر حاليًا بـ1700 بناية.

وبعد فاجعة انهيار عمارة "بركون" بالدار البيضاء،  سنة 2014، مخلفة عشرات من القتلى، عمل المسؤولون المغاربة عن سن ترسانة قانونية لمواجهة هذه الظاهرة،  تضم العديد من العقوبات السجنية والمالية، التي تردع مالكي البنايات في حالة رفضهم القيام بالإصلاحات الضرورية، كما تردع قاطني هذه البيوت إذا ما رفضوا إخلاءها تبعًا لأوامر السلطات. وأقر القانون  عقوبات بالسجن، في حق مالكي المباني المهددة بالانهيار، تصل إلى سنة سجنًا وغرامة مالية كبيرة، في حالة ثبوت تملصهم من القيام بإصلاحات لتلك المساكن.

ويؤكد القانون على مسؤولية مالكي البنايات المعرضة للانهيار إخبار السلطات المعنية بوضعيتها لاتخاذ التدابير اللازمة، علاوة على إخطار ساكنيها بضرورة إخلاء بيوتهم، تفاديا لوقوع أضرار تمس حياة السكان، بالإضافة إلى أن مسؤولية صيانة المباني الآيلة للسقوط تقع على ملاكه، سواء كانوا أشخاصًا عاديين أو اعتباريين، عموميين أو خواص، مشيرًا إلى "أنهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه انهيارها أو تهدمها الجزئي، إذا وقع ذلك بسبب عيب في البناء أو عدم الصيانة أو التلاشي.

أقرأ/ي أيضًا:

مسيحيو المغرب.. حياة الخفاء

المغرب.. جدل بعد وصف الفلسفة بـ"الزندقة والانحلال"