24-يناير-2017

جدل بعد تضمين رأي شيخ يسفه الفلسفة ضمن كتاب مدرسي في المغرب (فاضل سنا/أ.ف.ب)

لم يكن تغيير محتوى مقررات مادة التربية الإسلامية بالمغرب في الموسم الدراسي الحالي، سوى ليلقى تضاربًا في الآراء، بين مرحب ورافض له. وفي هذه الأيام، جدل آخر أرخى بظلاله على ما ورد في كتاب ذات المادة لمستوى السنة الأولى بكالوريا/ثانوية عامة، إذ تضمن موقف أحد علماء المسلمين، ويدعى "ابن الصلاح الشهرزوري" (توفي سنة 643 الهجرية)، يبدي فيه موقفه عندما سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة بقوله إن "الفلسفة أسُّ السّفَة والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان".

مدرسو الفلسفة في المغرب مستاؤون من موقف ورد في كتاب للتربية الإسلامية تضمن اعتبار الفلسفة من "السفة والانحلال"

اقرأ/ي أيضًا: مناهج التربية الإسلامية في المغرب.. نحو المراجعة

مدرسو الفلسفة غاضبون

مدرسو الفلسفة في المغرب أعلنوا عن غضبهم من موقف العالم "ابن الصلاح"، الوارد في صفحات مادة التربية الإسلامية، إذ يرون أن رأيه ينم عن "تسفيه" للفلسفة وحقوق الإنسان والمكتسبات الإنسانية.

"الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة" أفادت عبر بيانٍ، حصل "ألترا صوت" على نسخة منه، أنه "بالرغم من التقدم المحدود في إصلاح منهاج مادة التربية الإسلامية فإنه لا يزال في حاجة ماسة إلى إعادة التصويب وخاصة في حديثه الفج عن الفلسفة الراشدة والإيمان الحق؟ كما أن المداخل الصوفية الجيدة التي تم تبنيها لتدريس مادة التربية الإسلامية: كالتزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة قد تم إفراغها من مضمونها الروحاني وتم ملؤها بمضامين ذات بعد وهابي ظاهر وباطن".

وحمّل ذات البيان وزارة التربية مسؤولية توريط نفسها في الدفاع عن كتب يغلب عليها طابع "وهابي خطير"، و"هي كتب لا تحترم مبادئ الوسطية والاعتدال والتسامح التي دعت إليها التوجيهات الملكية ومنهاج مادة التربية الإسلامية بشكل عام".

وطالب أساتذة الفلسفة عبر بيانهم بـ"سحب هذه السلسلة من الكتب" معتبرين إياها "مسيئة للفلسفة والعلوم وحقوق الإنسان والطفل ومكتسبات الحضارة الإنسانية"، معربين عن استعدادهم لفتح حوار مجتمعي لإنهاء هذا الجدل.

اقرأ/ي أيضًا: "الدارجة" المغربية بديلًا للعربية في المغرب؟

وزارة التربية ترد

في الوقت الذي يسجل فيه مدرسو الفلسفة حضور ما اعتبروه خطابًا يكرس "العنف والتطرف" و"تسفيهًا" للفلسفة في بعض مضامين التربية الإسلامية المعتمدة مغربيًا، ترد وزارة التربية الوطنية وتؤكد في بلاغها أن "الخيارات التربوية المتعلقة بالمنهج الجديد لمادة التربية الإسلامية تسعى لترسيخ الوسطية والاعتدال، وأن البرنامج الجديد للتربية الإسلامية في التعليم الثانوي التأهيلي يتضمن قضايا تفرضها السياقات الثقافية والاجتماعية الوطنية والدولية".

واستغربت وزارة التربية من ردود الأفعال التي "اختزلت عملية المراجعة الشاملة التي خضعت لها الكتب المدرسية في نص واحد، كما تم إصدار أحكام مسبقة على هذه المراجعة انطلاقًا من هذا النص في تجاهل تام للتغييرات العميقة التي مسّت منهج تدريس هذه المادة".

كان الملك المغربي، قد أمر في شباط الماضي، بمراجعة مناهج وبرامج تدريس مادة "التربية الإسلامية" في مستويات التعليم المغربي

وردًا على الجدل القائم حول إدراج موقف العالم "ابن الصلاح الشهرزوري" من الفلسفة في صفحات إحدى كتب التربية الإسلامية، قالت الوزارة إن "الأمر يتعلق بنص واحد مضمّن في كتاب منار التربية الإسلامية"، مضيفة أن "الكتاب يقدم هذا النص بأسئلة توجيهية لدفع التلاميذ إلى إجراء مقارنات بين محتوى هذا الموقف العنيف والموقف الآخر الذي يعتبر العقل والتفكير من أدوات الوصول للحقيقة".

ولفتت الوزارة إلى أن "هذا الكتاب قد سعى إلى تمكين التلاميذ، وتحت إدارة الأستاذ (ة) من تنمية تفكيرهم النقدي وتطوير كفاية الحجاج وفق خيارات تربوية واضحة ومضبوطة في إطار يمكن من التعاطي مع قضايا تثير حساسيات بطريقة تربوية هادئة، عوض ترك تلك المواضيع دون تأطير، حيث تكون عرضة لاستغلال لا تربوي لتمرير مواقف متطرفة، الدين السمح المعتدل بريء منها".

جمعية مدرسي الفلسفة من جهتها، ترى أن "الأمر لا يتعلق بنص واحد ضمن كتاب واحد، بل بالكتب الثلاثة لمنار التربية الإسلامية"، ذات البعد الذي وصفته بـ"الوهابي" شكلًا ومضمونًا. كما أن نص السلفي "ابن الصلاح الشهرزوري" لم يقدم في سياق بيداغوجي يهدف إلى إثارة النقاش بل جاء كاستنتاج وخلاصة لتأييد المواقف المتطرفة من الفلسفة والمنطق"، حسب ذات الجمعية.

عبد الكريم سفير، الكاتب الوطني للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، أفاد لـ"ألترا صوت"، أن"هناك مشكلة بيداغوجية وديداكتيكية في التدريس القائم على التلقين والحشو، وغياب التفكير والنقد، وسيادة الحفظ والتكرار والعنعنة في مادة التربية الإسلامية كما في باقي المواد الأخرى، فيغيب الفهم والحجاج والتحليل والمناقشة والنقد والتركيب والإبداع".

وكان الملك المغربي محمد السادس، قد أمر في شباط/فبراير 2016، بمراجعة مناهج وبرامج تدريس مادة "التربية الإسلامية" في مجموع مستويات التعليم المغربي، بغية "إعطاء أهمية أكبر للتربية والتنشئة على القيم الإسلامية السمحة"، و"تكريس التسامح والاعتدال"، وذلك عقب دعوات حذرت من انتشار "الثقافة الدينية التكفيرية".

جدير بالذكر أن وزارة التربية الوطنية بالمغرب قد حذفت سورًا تتضمن آيات قرآنية تحث على "الجهاد" في مناهج التربية الإسلامية الجديدة للتعليم الإعدادي، ويتعلق الأمر بحفظ وفهم سورة الفتح، وتم تعويضها بسورة الحشر لكونها مليئة بآيات "التزكية".

اقرأ/ي أيضًا:

فتاوى المغرب.. كل شيء يثير الضجيج

المناهج الدينية المصرية بحاجة إلى مناهج!