04-يناير-2016

لم يعد التحصيل الأكاديمي رهين الحرم الجامعي (Getty)

باتت مواقع المساقات الجامعية الإلكترونية ومنصات التعليم الجماعي مفتوح المصادر عبر الإنترنت إحدى أحدث أشكال "التعلّم طويل الأمد" في عصرنا، أو ما يعرف بالإنجليزية بـ(Life-long learning)، والتي تستقطب أعدادًا متزايدة من الراغبين بالتعلم وإثراء معرفتهم.

جهاز حاسوب وتوفر خط الاتصال بالإنترنت هو كل ما يحتاجه المتعلم للالتحاق بالمساقات الإلكترونية، إذ تطرح دروسًا مجانية دون أية رسوم تذكر

 مهما اختلفت تخصصات المستخدمين واهتماماتهم، فإنهم حتمًا سيجدون المساق الذي يثير شغفهم، وذلك للتنوع الشديد في المساقات المطروحة. ولعل أشهر تلك المواقع التعليمية هو موقع كورسيرا وإيدكس عالميًا، وإدراك ورواق وعربيًا، على سبيل المثال لا الحصر.

إن فكرة تلك المواقع ببساطة هي تشكيل حاضنة للمساقات التعليمية المختلفة الصادرة عن أعرق الجامعات العالمية، وتوفيرها للمستخدمين بنظام إلكتروني تفاعلي سهل الاستخدام. إذ تسعى المواقع دومًا لتأسيس شراكات مع الجامعات المختلفة والمعاهد العلمية المرموقة، لإنتاج مساقات تعليمية مخصصة للطرح عبر الإنترنت.

جهاز حاسوب وتوفر خط الاتصال بالإنترنت هو كل ما يحتاجه المتعلم للالتحاق بتلك المساقات، إذ تطرح مجانية دون أية رسوم تذكر، باستثناء رسوم لاستصدار شهادة إتمام المساق مصدقة من الجامعة، في حال رغب المتعلم بذلك، والتي تعد رسومًا رمزية مقارنة بعراقة الجامعات المانحة للشهادة.

صفوف افتراضية وغرف نقاش

ليس هناك سقفٌ محدد لعدد الملتحقين بمساق ما، ولا وقت معين لمحاضرة المتعلم، إذ تطرح محاضرة تعليمية واحدة كل أسبوع، وبإمكان المتعلم مشاهدة المحاضرة في أي وقت خلال الأسبوع، على أن ينجز بعض الوظائف، ويؤدي امتحانًا أسبوعيًا قصيرًا، ويطّلع على المصادر التفاعلية الإضافية المفتوحة، كالكتب والمقالات والأفلام، والتي قد تكون متاحة مجانًا للملتحقين بمساق ما حصرًا.

وإلى جانب المهام الإلزامية السابقة، تُوفر تلك المواقع مساحة للنقاش بين المتعلمين، الذين يتشاركون الاهتمام والشغف ذاته، ومساحة أخرى لطرح استفسارات على محاضري المساق والتواصل معهم.

تشير بعض الجامعات وبصراحة إلى أن المساقات الإلكترونية المطروحة "لا تكافئ" المساقات الفعلية التي تـُدرس في قاعاتها على أرض الواقع -كمًا ونوعًا- كجزء من برامج البكالوريوس والماجستير، نظرًا لطابع الاختيارية في الالتحاق بالمساقات الإلكترونية، وكونها مساقات تطرح مستقلة دون أن تدرج ضمن برنامج درجة علمية ما، إلا أن ذلك لا ينفي الثروة المعرفية الهائلة التي يمكن للمتعلم جنيها من المساقات الإلكترونية المفتوحة.

تجارب إيجابية

ولاستطلاع آراء عينة من المتعلمين العرب، والسؤال عن تجربتهم مع منصات التعليم المفتوح، التـقى ألترا صوت عددًا ممن خاضوا تلك التجربة.

وليد عمر من فلسطين، حاصل على درجة الدبلوم في إدارة الأعمال، التحق بمساق "أساسيات المحادثة باللغة الإنجليزية" والذي طرحه المجلس الثقافي البريطاني عبر موقع إدراك، وعن ذلك يقول: "لقد كان مساقـًا ممتعًا ومفيدًا، لقد كانت تجربتي الأولى ولن تكون الأخيرة". ويضيف: "قبل ذلك، كنت أقضى أوقات فراغي في أمور أقل جدوى، أما الآن فوجدت ما يمكن استثمار الوقت به".

الطالب المدرسي زيد الصوصة أتـمّ مساقه الإلكتروني الأول قبل فترة قصيرة، لكنه سرعان ما التحق بمساقات مختلفة بعد ذلك. "تصميم المادة التعليمية والأسئلة ومقاطع الفيديو والتمارين متقن جدًا، وهذا يعد عنصر جذب للطلاب" يقول الصوصة. ويبدي الصوصة إعجابه بمدة المحاضرات القصيرة نسبيًا، مقارنة بحصصه المدرسية، والتي تقدر بأربعين دقيقة، بالإضافة إلى دوريتها، والتي تبلغ محاضرة تعليمية واحدة في الأسبوع الدراسي.

أما الشاب أنس طينة من سوريا، والحاصل على درجة البكالوريوس في هندسة البرمجيات، فقد تعرف على منصات التعلم الإلكتروني عندما عقدت إحدى المجموعات الشبابية في دمشق لقاء تعريفيًا بها، ومنذ ذلك الحين، التحق وأتم العديد من المساقات. "الذكاء بتقديري هو استذكار المعلومة في الوقت المناسب، وهذا ما لمسته خلال تعلمي عبر منصات التعليم الإلكترونية، وذلك بسبب الأسلوب التفاعلي المرئي الذي يساعد على الاستذكار" يقول طينة.

ويقبل الشاب طينة على المساقات القريبة من مجال اختصاصه، كمساق خاضه مع جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مساقات اللغة الإنجليزية، كمساق الكتابة الأكاديمية والتي قدمته جامعة بيركلي الأمريكية، ومساقات أخرى جذبت اهتمامه كمساق القانون الدولي الذي طرحته جامعة لوفان البلجيكية.

"الأمر المميز حقــًا أنه يمكنني تطبيق المعرفة أثناء التعلم، من خلال توفر مختبرات إلكترونية لمساقات البرمجة التي التحقت بها، وهو ما قد لا يتوفر في بعض جامعاتنا العربية" يقول طينة، ويتابع: "في جامعتي بسوريا لم نكن نعرف مدى صحة إجاباتنا بعد انتهاء الامتحان، أما هنا فالأمر مختلف كليًا، إذ يمكنك الاطلاع على إجاباتك، وخوض نقاشات مختلفة مع المتعلمين الآخرين".

يقدر الموقع العربي التعليمي إدراك عدد متعلميه بـ432 ألفًا ولا يتجاوز عدد المساقات الحالية والمنتهية 30 مساقًا

اللغة محددًا للمعرفة

كما هو حال المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، فإن واقع المساقات التعليمية المطروحة باللغة العربية لا يختلف كثيرًا، فهي ضئيلة من حيث الكم ودورية الطرح والإقبال مقارنة بمنصات التعليم المفتوح غير العربية. فعلى سبيل المثال، يقدر الموقع العربي التعليمي إدراك عدد متعلميه بـ432 ألفًا، ولا يتجاوز عدد المساقات الحالية والمنتهية 30 مساقًا، أما الموقع العربي الآخر "رواق" فلم تتجاوز عدد مساقاته التعليمية الحالية والمنتهية سقف 100 مساق. في المقابل، يوفر موقع كورسيرا باللغة الإنجليزية ما يزيد عن 1500 مساق تعليمي، ولديه أكثر من 16 مليونــًا من المتعلمين.

ومن الملفت للانتباه، وبحسب قراءات موقع (Alexa)، أن مصر والسعودية هما من أكثر خمس دول إقبالًا على موقع إيدكس التعليمي باللغة الإنجليزية، إذ يُصَنف الموقع في المرتبة 734 بالنسبة لمصر، و815 في السعودية، وهي قراءات مرتفعة نسيبًا تعكس إقبالًا جيدًا.

"المضمون الأكاديمي الرصين متوفر بالغالب عبر المواقع الإنجليزية، وهذا سبب توجهي لها دون المواقع العربية" يقول الشاب أنس طينة مرة أخرى، ويختم: "هذا يعكس واقع شبابنا واهتماماته، رغم أن تلك المواقع العربية نتجت عن مبادرات عظيمة، وتستحق كل الاحترام والتقدير".

هنا في تلك المنصات، لا رقيب مباشر على العملية الدراسية، ولا قيود تذكر على المتعلم، بل يتطلب الأمر جدية والتزام، ورغبة في إثراء المعرفة، فالعلوم المختلفة مفتوحة للجميع، والعلم لمن يريد.

اقرأ/ي أيضًا:
معتقدات خاطئة عن فيسبوك
" جوجل ويوتيوب" هل تتعاونان فعلًا مع إسرائيل؟