14-مارس-2016

المحارب الأمريكي الذي ادعت الشائعات أن له 1300 ابن

عندما يجعل الإعلام أحد أقدم المحاربين القدماء في الولايات المتحدة، ساعيًا للبريد، ويحول قصته من بطل حرب معمر كان قد تعرض للسرقة إلى فحل كان أنجب 1300 طفل من نساء قريته، من بطل دافع عن أرضه إلى نكّاح يدور على نساء القرية لإفراغ سائله المنوي في أرحامهن ويرحل. نعلم حجم الخداع الذي نعيشه، ونعلم كيف يمكن أن يضلل الغالبية من سكان المعمورة بسهولة ويمكن التلاعب بعقولهم "الهشة" التي تتلقى المعلومات كما يتلقى جهاز الحاسب النظام البرمجي الذي سيعمل عليه.

 الغزو "المعلوماتي" الذي يتعرض له الجمهور يوميًا، يغرقهم في تفاصيل متجددة ليبقى عاجزًا عن مواكبة صحة هذه الأخبار

فهذا الخبر انتشر في ساعات قليلة في جهات الأرض الأربعة... مجلات وصحف ومواقع تلفزيونات مشهورة منها موقع الأخبار الشهير التابع لتلفزيون "روسيا اليوم".

اقرأ/ي أيضًا: كواليس النصب باسم الرئيس

يقول الخبر الذي نقل على لسان محقق خاص اسمه "سيد روي" إن رجلين من ولاية تينيسي الأمريكية لا يعرفان بعضهما طلبا منه الكشف عن الوالد البيولوجي لكل منهما، في العام 2001، فذهل المحقق بعد إجراء تحليل الحمض النووي الذي أثبت أنهما شقيقان من الأب ذاته، وهكذا بدأ الكشف عن السر الذي أصبح مهمة شخصية بالنسبة له على حد ما نقلت عنه وسائل الاعلام، اكتشاف الحقيقة المروعة، دفعه لجمع الآلاف من عينات الحمض النووي وشهادات على مدى خمسة عشر عامًا أثبتت في نهاية المطاف عبر تحليل الحمض النووي أن ساعي بريد متقاعدًا يبلغ من العمر 87 عامًا قد أنجب أكثر من 1300 طفل غير شرعي.

لا بل إن "مختلق الخبر" نقل على لسان العجوز البالغ من العمر 87 عامًا الذي لا يزال مجهولًا إلى اليوم ما يلي: "ليس لدي أي شيء أخجل منه لقد كانت فترة الستينيات من أجمل فترات حياتي، وكان لأغنيات جوني كاش دور كبير في التأثير على مشاعر السيدات".

ليعود المحقق ويخبرنا بأن أحدًا من أبناء الرجل لم يبد أي رغبة في رفع دعاوى قضائية ضده وأضاف أن مجمل الأبناء سعداء بمعرفة الحقيقة ولا أحد يحمل ضغينة تجاه الأب.

الخبر الذي كان مصدره مجلة "وورلد نيوز دايلي ريبورت worldnewsdailyreport " وكتب في 27 شباط/فبراير 2016، وكاتب الخبر اسمه "بوب فلانغان Bob Flanagan" تلقفته وسائل الإعلام العربية قبل يومين بعد أن قام موقع أخبار قناة "روسيا اليوم" بترجمته لنجده بعد ساعات على عشرات المواقع العربية.

 السخيف بالخبر أنه لم يذكر اسم الرجل، لكنه قام بنشر صورته، فقمت بالبحث عن الصورة على موقع محرك البحث الشهير "جوجل" فكانت النتيجة أن نتائج البحث قادتني إلى خبر نشره التلفزيون الأمريكي الشهير abc News في 2 آب/أغسطس 2012 عن حادثة الاعتداء على واحد من أقدم المحاربين القدماء المشاركين في الحرب العالمية الثانية والذي لا يزال على قيد الحياة ويدعى "بن لودلو سينور Ben Ludlow Senior" عمره 97 سنة، في "ستراتون بمقاطعة نورث بيرث في الولايات المتحدة، وفيه أن للرجل أربعة أجيال من أبنائه وأحفاده إذ لديه 5 أولاد، 21 حفيد من الجيل الأول، 39 حفيد من الجيل الثاني، و3 أحفاد من الجيل الثالث.

اقرأ/ي أيضًا: الجرجاوي..الصعيدي الذي فتح اليابان

لكن وسائل الإعلام جعلته فحلًا يوزع البريد والسائل المنوي لينجب 1330 ولد، لكن المحقق متأكد من أنهم أكثر من ذلك العدد، ليزيد التشويق ليبقى خيال المتلقي مفتوحًا.

هذا الغزو "المعلوماتي" الذي يتعرض له الجمهور يوميًا، يغرقهم في تفاصيل متجددة ليبقى عاجزًا عن مواكبة صحة هذه الأخبار. ويبدو أن مثل هكذا أخبار يكون الهدف الأساسي منها لغايات ترمي لمعرفة ميول الجماهير، ككقياس سرعة انتشار هكذا أخبار أو سرعة تلقيها والتفاعل معها، إضافة إلى معرفة سرعة التأكد من كذب الخبر وسرعة نشر هذا التكذيب والأهم هل المعلومات التي تؤكد عدم صحة الخبر تصل بذات السرعة ولجمهور الناس العريض الذي تلقف الخبر، وهنا مربط الفرس لا سيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن هذه الشبكة العنكبوبية ذات حدين، إذ يمكنها أن تقدم لك الخبر والخبر الملفق وتتيح لك في حال شككت بما تتلقاه أن تبحث إن كنت صبورًا وحريصًا على التدقيق فيما تقرأه، إذ يوفر لك محرك البحث على "صور جوجل" إمكانية للتأكد من المعلومات فالصور تقودك مباشرة إلى مصدر الخبر، في حين أن كثرة المعلومات "المكتوبة" وتناقلها يمكن أن يشوش على مصدر الخبر الأصلي، يمكن للمتلقي وعلى أي جهاز إلكتروني ومنه الموبايل أن يفتح الصورة مباشرة ويدخل إلى قائمة الخصائص ويذهب إلى أمر "البحث في صور جوجل" يصل إلى مصدر الصورة بدقائق.

فإن كان خبر مختلق بالكامل، كخبر هذا الفحل التسعيني، أحدث كل هذا التأثير، فكم من المعلومات التي علينا مراجعتها ومراجعة أثرها علينا، تضخها يوميا محطات التلفزة ووسائل الإعلام حتى الشهيرة منها.

اقرأ/ي أيضًا:

ريبيكا لي..الطالبة التي غيرت وجه الطب في أمريكا

زواج الواحات..طقوس مصر الشعبية