02-مارس-2023
العنصرية في تونس

أكد خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد الشهر الماضي حول المهاجرين إصرار الكثير من الأنظمة على استغلال المهاجرين واللاجئين ككبش فداء لحرف التركيز عن أزماتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الخطاب الذي وصفه حقوقيون بأنه "خطاب مغرق في العنصرية والكراهية" لم يشذ كثيراً عن نهج العديد من الطبقات الحاكمة والسياسيين في الدول العربية والغربية في استغلال أزمات اللجوء والهجرة للهروب من مشاكلهم الداخلية والخارجية، المشاكل التي في الغالب خلقتها هذه الطبقات الحاكمة شرقاً وغرباً عبر عقود من سوء الإدارة والفساد.

قد تختلف بعض الدوافع حول سلوك مثل هذا النهج من نظام لآخر، ولكن يمكن تحديد عدة دوافع رئيسية مشتركة أهمها محاولة الطبقات الحاكمة كالطبقة الحاكمة في لبنان صرف الانتباه عن إخفاقها لعقود في معالجة أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية الحادة، من خلال إلقاء اللوم على اللاجئين في هذه القضايا وتحميلهم مسؤولية الانهيار الحاصل في مختلف مفاصل الدولة، في محاولة من هذه الطبقة لتجنب تحمل المسؤولية عن دورهم في خلق هذ الازمات الهيكلية منذ تسعينات القرن الماضي. ويسهم نفس الدافع في تشكيل سياسات دول مضيفة أخرى في منطقتنا، ولكن قد تختلف في مستوى خطاب الكراهية وعلو الأصوات المناهضة لوجود اللاجئين والمهاجرين.

العنصرية في تونس

ومع عدم توقيع بعض الدول العربية على اتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1967 الخاصين بوضع اللاجئين، وعدم إقرارها لقوانين محلية تحمي اللاجئين، ترى هذه الأنظمة والطبقات الحاكمة في اللاجئين والمهاجرين أهدافًا سهلة لأنهم فئة مستضعفة شديدة الهشاشة، بدون حماية قانونية، وبدون أي غطاء اجتماعي أو سلطة سياسية. مما يسهل عملية إلقاء اللوم عليهم في مشاكل البلاد المختلفة وتعبئة المشاعر العامة ضدهم، وبالتالي جعلهم الهدف الأمثل لصب جام الغضب الشعبي عليهم، ويساعد في تشتيت انتباه الناس عن فشل وفساد الطبقة الحاكمة وقضاياها الأخرى.

بينما في خطابات بعض السياسيين في تركيا والدول الأوروبية ومع تصاعد المشاعر القومية والمشاعر المعادية للمهاجرين والحركات السياسية اليمينية المتطرفة، بات استغلال المخاوف والقلق بشأن التغيير الثقافي والهوية الوطنية وسيلة لحشد الدعم واكتساب السلطة السياسية. فإلقاء اللوم زوراً على اللاجئين خصوصاً غير البيض في أوروبا والسوريين في تركيا في العديد من المشكلات المجتمعية والاقتصادية، يُمَكن السياسيين من جذب الناخبين اليمينين وحشد تأييد المتطرفين.

اقرأ هنا: الرئاسة الغينية: انتهاكات شتى ضد جاليتنا بتونس إثر تصريحات صادرة عن أعلى سلطاتها

وللأسف لم يساعد الإعلام المتحيز وخصوصاً في أوروبا وبعض الدول العربية في مواجهة هذه السرديات المضللة، بل ساهم في تأجيج مشاعر الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين بشكل عام، من خلال الترهيب من خرافة التغيير الديمغرافي والثقافي والديني، وإثارة القصص والمبالغة فيها عن المخالفات التي قد يرتكبها اللاجئون، مع المبالغة في تصوير أثرهم على الاقتصاد وسوق العمل، بموازاة التقليل من شأن القصص المتعلقة بمساهماتهم في المجتمع أو الصعوبات التي يواجهونها في الحياة في بلد جديد. هذا النوع من التقارير المتحيزة الممنهجة ساهم بشكل كبير في تشكيل الرأي العام والمواقف السلبية تجاه اللاجئين والمهاجرين.

تتشابك مجموعة معقدة ومتداخلة من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعرقية التي تغري الأنظمة باستخدام اللاجئين والمهاجرين ككبش فداء في سبيل تعزيز سلطتها والحفاظ على الوضع الراهن مع تجنب معالجة المشاكل الهيكلية والأزمات الجذرية التي تواجهها. ولكن للأسف يمكن أن تكون عواقب هذا النوع من الاستغلال غير الأخلاقي وخيمة جداً على اللاجئين والمهاجرين، مما يؤدي إلى مزيد من التهميش لهذه الفئات المحرومة بالفعل، ويؤجج مشاعر العنصرية والكراهية ضدهم ويزيد من فرص تعرضهم للمضايقة والعنف في ظل انعدام الحماية، ويشدد عزلتهم ويقلل من قدرتهم على الوصول إلى العمل والتعليم والرعاية الصحية والعدالة والخدمات الأساسية الأخرى، وبالمحصلة يفاقم معاناتهم من القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.

يعاني اللاجئون والمهاجرون من مجموعة واسعة من التحديات، سواءً قبل مغادرة ديارهم أو بعدها

بشكل عام، يعاني اللاجئون والمهاجرون من مجموعة واسعة من التحديات، سواءً قبل مغادرة ديارهم أو بعدها. وغالباً ما يكونون قد ذاقوا الأمرّين حتى حطوا رحالهم في البلد المستضيف، ولديهم من المشاكل والصعوبات ما تنوء به الجبال، وبالتأكيد هم ليسوا بحاجة لتحميلهم وزر خطايا الطبقات الحاكمة والسياسيين في الدول المستضيفة.