29-سبتمبر-2020

رحل أمير الكويت عن عمر ناهز 91 عامًا (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

نعى الديوان الأميري في دولة الكويت سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (91 عامًا) في خبر مقتضب نشر عبر وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، عصر اليوم الثلاثاء، وقال الديوان الأميري في خبر نعيه "ببالغ الحزن والأسى ينعى الديوان الأميري إلى الشعب الكويتي والأمتين العربية والإسلامية وشعوب العالم الصديقة وفاة المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت".

ووفقًا لما تداولته وسائل إعلام عديدة حول السيرة الذاتية للأمير الراحل، فإنه ولد في الكويت يوم 6 حزيران/يونيو من العام 1929، وهو الولد الرابع لأمير الكويت العاشر أحمد الجابر المبارك الصباح (1885-1950)، حيث حكمت عائلته دولة الكويت منذ منتصف القرن الـ18، وتلقى الأمير الراحل تعليمه في المدارس الكويتية، وأشرف على تعليمه كذلك مدرسون خصوصيون.

تولى الأمير الراحل أول منصب حكومي في سن الـ25 عندما عينه الأمير الـ11 للكويت عبد الله السالم الصباح (1895-1965) عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا في عام 1954، التي تقابل في يومنا الحالي مجلس الوزراء، مما ساهم بتنقله في مناصب حكومية مختلفة خلال الأعوام التالية، وصولًا لتعيينه بمنصب وزير الخارجية اعتبارًا من عام 1963 حتى عام 2003، عندما أصبح رئيسًا لوزراء دولة الكويت، وليكون بذلك أطول وزير خارجية يبقى في منصبه على مستوى العالم لفترة تقارب 40 عامًا.

لم يكن من المتوقع أن يتولى صباح الأحمد منصب أمير البلاد، نظرًا لأن المتعارف عليه في الكويت أن يكون هناك تناوب على منصب الأمير بين فرعي الأسرة الحاكمة، بعدما تولي الأمير الـ14 للكويت سعد العبد الله السالم الصباح (1930-2008)، غير أن تدهور حالته الصحية دفع بمجلس الأمة لعقد جلسة سرية بعد تسعة أيام من توليه المنصب في عام 2006، جرى خلالها التصويت بالإجماع على استلام صباح الأحمد مقاليد الحكم، ويكون بذلك الأمير الـ15 للبلاد.

وشهدت البلاد خلال فترة توليه منصب وزارة الخارجية أكبر أزمة عصفت بالبلاد في تسعينيات القرن الماضي، عندما قرر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين غزو الكويت في عام 1990، وقام باحتلال البلاد قرابة سبعة أشهر، قبل أن تساعد القوات الأمريكية مدعومة بحلفاء الكويت في استعادة المساحات التي سيطرت عليها العراق في عام 1991.

ووفقًا لعديد التقارير التي تحدثت عن مسيرة صباح الأحمد في الحكم، فإن أبرز المشاكل الداخلية التي واجهته خلال فترة حكمه، تمثلت بارتدادات موجة الربيع العربي التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط عام 2011، حيثُ قام الأمير على إثرها بإصدار قرار يمنح كل كويتي ألف دينار كويتي، ما يعادل (3559 دولار أمريكي)، بالإضافة لقسائم طعام مجانية. غير أن هذه الخطوة لم تمنع بعض الكويتين من التظاهر في الشوارع، بعدما برزت تقارير صحفية تتحدث عن شراء مرشحين للبرلمان الكويتي أصوات الناخبين بدعم من الحكومة، وظهور شائعات تتحدث عن تورطهم باختلاس أموال من خزانة الدولة، تخللها اقتحام المتظاهرين البرلمان لفترة قصيرة، ورغم ذلك حافظ الصباح على حالة من التوازن مع السماح بالاحتجاجات، وهو ما يشكل حالة نادرة في دول الخليج.

كما تخلل فترة حكمه حصول المرأة الكويتية على حق توليها منصب القضاء وحق السفر لوحدها من دون إذن ولي أمرها، إضافة لتعرض رئيس مجلس الوزراء لاستجواب برلماني الأمر الذي شكل سابقة في تاريخ الكويت السياسي خصوصًا ودول الخليج عمومًا، شهدت على إثرها تقديم رئيسي وزراء استقالتهما استجابة للضغوط الشعبية.

وعلاوةً على ذلك عمل على إجراء تعديلات على النظام الانتخابي ليكون نظامًا ذا صوت واحد، بهدف تقليل سطوة الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية، وهو ما أدى لمقاطعة المعارضة الانتخابات البرلمانية عامي 2012-2013 قبل أن تعود للمشاركة في عام 2016، لكن فترة حكمه لم تختلف عن سلفه من أمراء الكويت من ناحية أنه لم يقدم حلًا للكويتين البدون المحرومين من الجنسية منذ استقلال الكويت في عام 1961.

أما على صعيد السياسة الخارجية فقد برز صباح الأحمد خلال الأزمة الدبلوماسية التي نشبت داخل مجلس التعاون الخليجي بين قطر من جهة، والإمارات والسعودية والبحرين من جهة أخرى اعتبارًا من عام 2014، بعدما ساقت الدول الثلاثة مزاعم مرتبطة بتمويل قطر للجماعات الإرهابية، وتدخلها بشؤونهم الداخلية عبر التقارير التي كانت تنتجها شبكة الجزيرة الإخبارية، حيث قاد جولات من المفاوضات تنقل فيها بين العواصم الخليجية لإنهاء الشقاق بين الدول المختلفة.

كما لعب الأمير الراحل دور الوسيط مرةً أخرى بين الدول عينها، حين أقدمت الدول الثلاثة بالاشتراك مع مصر على قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل نهائي مع قطر، زادت عليها بفرضها لحالة حصار اقتصادي في عام 2017، ونقل عنه حينها اعتقاده أن "الحكمة سوف تسود" في نهاية المطاف بين الفرقاء الخليجيين، وينقل عنه رفضه لمقترح سعودي بغزو قطر حينها، فضلًا عن لعبه دور الوسيط لإنهاء الخلاف الدبلوماسي بين سلطنة عمان والإمارات، عقب اكتشاف مسقط خلية تجسسية إماراتية تعمل على أراضيها عام 2011.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية على لسان الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كريستين ديوان قولها إن الأمير الراحل "يمثل الجيل الأكبر من القادة الخليجيين الذين اعتمدوا الاعتدال وانتهجوا حسن العلاقات مع نظرائهم الملوك".

وأضافت ديوان بأن صباح الأحمد "مما لا شك فيه أنه عانى من عدم الاحترام والتقدير من الأمراء الأصغر سنًا في المنطقة ممن يمسكون بزمام الأمور، وهم أكثر تهورًا"، وهو الأمر الذي يبدو أنه إشارة للصعود المفاجئ لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى جانب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. 

في حين أشارت ديوان في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أن رحيل صباح الأحمد "سيترك شعورًا بالخسارة نظرًا لدور صباح الأحمد البارز كدبلوماسي وكوسيط إقليمي وكشخصية جامعة في الداخل"، لافتةً إلى أن الكويتيين كانوا "يكنون له التقدير لقدرته على إبقاء الإمارة خارج النزاعات والتنافسات الإقليمية".

وأضافت الباحثة المختصة بالشأن الكويتي موضحةً أن "قيادة الكويت ستعطي الأولوية للاستقرار على كل من الجبهة الداخلية والسياسة الإقليمية"، مشيرةً إلى أنه "سيكون التركيز (في الفترة الراهنة) على الجبهة الداخلية (و) سيكون هناك الكثير لإدارته محليًا ومن المتوقع إجراء انتخابات برلمانية في الشهرين المقبلين".

وفي معرض إجابتها على إمكانية حدوث تحول في الموقف الكويتي من رفضها الانضمام لموجة تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع تل أبيب بقيادة الإمارات والبحرين، أشارت ديوان إلى أنه "لا يوجد أي مؤشر على أن القيادة المستقبلية سترغب في تغيير موقف الكويت"، من حيث أن التطبيع مع إسرائيل أمر مرفوض شعبيًا على نطاق واسع في الكويت.

وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الأسرة الحاكمة عقدت اجتماعًا لترتيب بيت الحكم، مشيرةً إلى أن المادة الرابعة من قانون توارث الإمارة في الكويت تنص على أنه إذا "خلا منصب أمير البلاد نودي بولي العهد أميرًا، فإذا خلا منصب الإمارة قبل تعيين ولي للعهد مارس مجلس الوزراء اختصاصات رئيس الدولة إلى حين اختيار الأمير"، حيث من المتوقع أن يتولى الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح الأخ غير الشقيق للأمير الراحل منصب الإمارة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اتصالات أمريكية بُعمان والبحرين.. وموقف كويتي "لن يتغير" ضد التطبيع

تقدير موقف: مجلس التعاون الخليجي بعد قمة الكويت