09-سبتمبر-2018

ماكس ويبر/ روسيا

بكبسة زر فقد الكاتب ما كتبه خلال أربع سنوات. حدث هذا بعد يومين من وفاة أخيه بمرض خبيث، وبعد أسبوع من وفاة صديقة عزيزة بالمرض نفسه. كان ذلك في الشهر الثامن من السنة السابعة لخروجه من بلاده.

كانت نكبة ونكسة معًا، بل نكبات. فأن تفقد أعز ما تملك لا يشبه الموت، بل هو أصعب من الموت، لأن الإنسان حين يموت يرتاح ولا يشعر بشيء كما يقال، فيما هو يعاني من آلام الفراق والفقدان والخسارات حينما يموت أحبته.

فقد الكاتب الذي تجاوز سني الشباب مئات الأفكار وعشرات المقالات، وكتاب مذكرات عن حياته في بلد أجنبي حيث يقطن كان يعده للنشر، يوميات وومضات شعرية ومئات الصور... إلخ، فقدها في تلك الكبسة اللعينة ذلك اليوم الألعن.

في بيت صديقه الذي يزوره منذ أيام بدأت القصة، فقد كان يعاني من بطء تلفونه فطلب منه المساعدة مدّ يده مناولًا إياه، أمسك صديقه بتلفونه وخلال نصف ساعة أعاده إليه متجدد الشباب سريع الخطا.

بعد يومين، رجع الى بيته في الجنوب شاكرًا صديقه على حسن الاستضافة، وبعد يومين من عودته إلى بيته لاحظ وجود أيقونة لتشغيل الموسيقى على شاشة تلفونه فأراد حذفها، وبكبسة زر أعتمت الشاشة ولم تضئ بعد ذلك.

محاولات متوالية دون نجاح، بعد يوم واحد يكتشف أن التاب لا يمكن شحنه. سارع إلى شاب سوري تعرّف عليه في كورس اللغة وكانت الكارثة. لم يكتشف الأمر إلا بعد أيام، فقد حرق ذلك الشاب الذي يدعي صداقته التاب قصدًا أو عن خطأ. ربما انتقامًا منه لأنه أحرق له قبل أيام مكبر صوت صغير، لا يتجاوز سعره عشرة يوروهات بينما كان يلهو به.

بعد أيام أو شهور على مأساته يكتب الكاتب لنفسه ما يلي: "دع ما وضعته وأضعته. لا تلح في استعادة ما سرق منك. ما فلت منك هو نقص فلا تشغل بالك في استعادة النقص. لا تضعف أمام حنينك إلى مخلوقاتك التي ذهبت. أنت هنا، هذا يكفي".

بعد شهور وقد خف شعوره بالكارثة، يعود الكاتب لما كتبه قبلًا ويقرأ، فلا يدري أيضحك أم يبكي! لكن شعورًا لزجًا لسائل دافئ أصابه بالذهول، فنهض كالملسوع حين أعتقد أنه دم، وأسرع إلى حوض الحمام وبصق فامتلأ الحوض بمزيج مخاط ورذاذ أحمر.. أحمر.

بعد سنة واحدة وشهر، يستعد الكاتب لفقد ما كتبه خلال سنة. مرة أخرى من جديد. بطارية الموبايل التي يحتفظ عليه بكل كتاباته خلال عام في طريقها إلى الموت. يبدو أن فيروسًا ما تسلل إلى الجهاز وبدأ بالتهام البطارية في أسوأ وقت يمر به الكاتب، حيث لن يتمكن من شراء جهاز جديد إلا بقرض أو معجزة.

السلام على ما كتبت أيها الكاتب، والرحمة لكل الأفكار والمقاطع المستلقية في ملف صغير.

وداعًا.. وداعًا يا أخواتي الأفكار، وداعًا يا أصدقائي المقاطع والشذرات والأشعار.. وداعًا نلتقي بعد شهور أو سنين في عالم آخر حيث لا يفنى شيء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فوزٌ أكيد ورغبات خاسرة

للقلب حروبه الخاصة