24-أبريل-2022
سي أن أن بلس

خدمة سي أن أن بلس أغلقت بعد شهر فقط من إطلاقها (CNN)

لم تكد شبكة سي أن أن تعلن عن انطلاق خدمتها الجديدة في مجال البث، والتي أطلقت عليها اسم "سي أن أن+"، حتى قررت إغلاقها بالكامل، في فضيحة هزّت أركان قطاع البثّ عبر الإنترنت وأثارت العديد من الأسئلة حول مستقبله.

كلفت هذه الخطوة الشبكة  300 مليون دولار أمريكي تم إنفاقها في تطوير الخدمة وبنائها وتوظيف الكوادر اللازمة لنجاحها واستقطاب الأسماء التي تضمن الاهتمام بها محليًا وعالميًا

وكما يطيب لنا أن نتخيّل في مثل هذه المشاريع العملاقة، فإن هذه الخطوة قد عنت خسارة 300 مليون دولار أمريكي على الأقل في تطوير الخدمة وبنائها وتوظيف الكوادر اللازمة لنجاحها واستقطاب الأسماء التي تضمن الاهتمام بها محليًا وعالميًا. فقد استقطبت كريس والاس، وأليسون رومان، وآودي كورنيش وإيفا لونغوريا وغيرهم الكثير في شتى المجالات الترفيهية، من الطعام والتغذية وحتى التقنية ومسائل البيئة، مع التركيز على استهداف فئات عمرية أصغر تعتمد بشكل كامل على الهاتف المحمول في تلقي الأخبار وهضم المحتوى.

سي أن أن بلس

لقد وصفت وول ستريت جورنال ما جرى في 29 آذار\مارس، وقت إطلاق الخدمة، بأنه "يوم من التاريخ"، يرهص بتحوّلات هائلة في قطاع الأخبار والاستثمار في مجال البثّ عبر الإنترنت، في ظل حالة الموت السريع للتلفاز. وكان من المتوقّع أن يكون إطلاق سي أن أن+ مدويًا، وأن يكون دفعة كبيرة مذهلة تقنع بجدوى الاستثمار فيه والترويج لمستقبله. لكنّه الآن صار شيئًا من الماضي، وتجربة من التاريخ.

لكن ما الذي جرى ولماذا أغلقت سي أن أن بلس؟ 

شعرت سي أن أن مثل العديد من المؤسسات الإعلامية الأخرى بأهمية الدخول في عالم البث عبر خدمة قادرة على التواصل بشكل مباشر مع المستخدمين وبناء علاقة معهم وتقديم محتوى مخصوص يناسب احتياجاتهم وتفضيلاتهم. لقد أدركت إدارة سي أن أن ضرورة أن يكون لها موطئ قدم في هذا المجال في ظل تراجع الاهتمام بالتلفاز وتضاؤل فرصه في أن يكون ساحة للمنافسة على المستخدمين.

من هنا تبلورت فكرة سي أن أن+ (سي أن أن بلس)، وهي خدمة للبث المدفوع، مثل نتفليكس، مقابل 6 دولارات شهريًا، وهي خدمة تبثّ محتوى مختلفًا بشكل جذري عمّا هو موجود على قنوات الشبكة. فهو محتوى مصنوع بشكل حصري ومخصوص لهذه الخدمة المدفوعة، وهو ليس بمحتوى إخباري جامد، بل يتناول الأخبار الخفيفة ويركز بشكل خاص على الترفيه. فلو كنت تبحث عن متابعة خبر عاجل من أوكرانيا مثلًا، فلن تجده على سي أن أن+. بعض الأمثلة على المحتوى المصنوع حصريًا لخدمة "سي أن أن+" قبل الإعلان عن وفاتها، برنامج يومي للإعلامي "وولف بليتزر"، وبرنامج آخر لبرايان ستيلتر. ثمة برنامج يحاكي فكرة "نادي القراءة"، وبرنامج آخر عن "التربية والأمومة". أما كريس والاس، فكان له برنامج مقابلات مع مشاهير أمريكيين متقاعدين دخلوا مرحلة الشيخوخة. هذه المفارقة في المحتوى عمّا يعرض على التلفاز، تتعلق بجانبين، الأول هو رغبة الشبكة في تقديم محتوى جديد بالكامل يغري المستخدمين بجدوى دفع مبلغ شهري مقابل الاطلاع عليه. أما الثاني، فهو الالتزامات المرتبة على الشبكة مع الشركات المشغلة للقناة عبر الأقمار الصناعيةK وهي الشركات التي تدفع لسي أن أن مبالغ ضخمة مقابل استضافه شبكتها، وهذا ما يجعل سي أن أن مقيدة فيما يتعلق بإمكان تكرار نفس المحتوى على خدمة أخرى. فجوهر المحتوى في سي أن أن هو الأخبار والأخبار العاجلة والتحليل الإخباري والحوارات السياسية، وفي حال فكرت في نقل هذا المحتوى ذاته وتوفير عرضه على تطبيق منفصل على الهاتف أو الأجهزة المحمولة الأخرى، فإن ذلك سيعني خرقًا واضحًا لالتزاماتها مع كبار شركائها، وهو أمر لا يسع سي أن أن الإقدام عليه.

وهذا يعني أنّه مهما تحدث المختصون بتشاؤم حول مستقبل التلفاز في المستقبل القريب، فإن الإيرادات التي تحققها هذه الشبكات، مثل سي أن أن، هي ما يضمن حتى الآن بقاؤها وتطوّرها، وهو ما يعني أن القطاع ما يزال ضخمًا ومحصنًا أمام الانهيار المفاجئ بين ليلة وضحاها كما يصوّر البعض، وهو ما يعني كذلك ضرورة حماية هذا القطاع وتعزيز جدوى استمرار الاستثمار فيه. لكن، ورغم ذلك كلّه، أصرّت إدارة سي أن أن على الخوض في مجال البث المدفوع على أية حال، واستثمار مئات الملايين من الدولارات في هذه المغامرة، والتي تبلغ بحسب تقديرات وول ستريت جورنال، أكثر من 300 مليون دولار، كما كان من المقرر استثمار أكثر من 750 مليون دولار أخرى خلال السنوات المقبلة من أجل الوصول بهذه الخدمة إلى المستوى المأمول لها.

في ردّه على سؤال وول ستريت جورنال عن مقدار التحمّس داخل سي أن أن لهذا المشروع، قال الصحفي جو فلينت، المختص بشؤون الإعلام والترفيه، إن الفكرة كانت ضخمة، وكان ثمة تفاؤل واسع حيالها، لكن سادت في الوقت ذاته حالة من الارتباك والحيرة بشأن فرص نجاحها، خاصة لكونها مدفوعة، بحوالي 6 دولارات شهريًا.


مقالات قد تهمك

باختصار: كيف ولماذا ستقيّد الصين فترات لعب الأطفال على الإنترنت؟

باختصار.. ما الذي تعنيه خسارة نتفليكس 130 مليار دولار من قيمتها؟


في الوقت ذاته، فإن رياح التغيير كانت على وشك أن تهبّ على شبكة سي أن أن، في الوقت الذي كانت فيه تتجهّز لإطلاق مشروعها الجديد المتمثل في "سي أن أن+"، حيث كان من المقرر أن تنتقل ملكية "سي أن أن"، وشركتها الأم "وارنر ميديا"، إلى مالك جديد، هو شركة "ديسكفري"، وهي الشركة التي تعود لها ملكية مشاريع إعلامية هامة، بعضها في مجال البث المدفوع، مثل "فوود نيتوورك"، و"HGTV"، و"ديسكفري شانيل".

فقد ترافق إطلاق "سي أن أن +"، في موعدٍ متأخر كثيرًا عمّا كان مخططًا له، مع عملية الاندماج مع شركة أخرى، وهو ما أثار قدرًا هائلًا من الفوضى، بين الحرص على إتمام الصفقة، والرغبة في إنجاح مشروع جديد قد لا يلاقي الدعم اللازم ضمن هذه الترتيبات الجديدة، خاصة وأن "ديسكفري" لم تبد قناعة كاملة بمشروع "سي أن أن+". وقد اعتقدت الإدارة في "سي أن أن" بأن الاستعجال في إطلاق هذه الخدمة سيعزّز من فرص القبول بها وتبنّيها من قبل المالك الجديد قبل إتمام الصفقة، وأن ديسكفري ستتعامل معها باعتبارها واحدًا من مشاريع الشبكة التي ينبغي الحرص على سمعتها واستمراريتها. إلا أنّ ما حصل هو العكس تمامًا، إذ لم تبد شركة "ديسكفري" أي اهتمام بالمشروع، وتنصّلت منه، خاصّة وأنّه لم يحقق أي زخم ملحوظ خلال الشهر الأول من إطلاقه، وبل وتعثّر بشكل واضح قبل الوصول إلى قاعدة واسعة من المستخدمين.

فالتعامل مع خدمة "سي أن أن+" مربكة. فالتطبيق ليس موجودًا على متجر التطبيقات بشكل مباشر، بل يجب أن تحصل عليه عبر موقع الشبكة، حيث تقوم أولًا بالاشتراك بالخدمة، قبل أن تتمكّن من عرض المحتوى على تطبيق سي أن أن. وبحسب بعض التقديرات، فإن عدد المشتركين لم يتجاوز 100 ألف مشترك في الولايات المتحدة.

كريس ليشت
كريس ليشت الرئيس الحالي لشبكة سي أن أن الأمريكية (NPR)

هكذا، وبعد بضعة أيام فقط على إطلاق خدمة "سي أن أن+"، انتقلت ملكية الشبكة إلى المالك الجديد، والذي قرّر أن يرفع يده عنها ويقدم على هذه الخطوة الصادمة في إغلاقها بشكل كامل، والتركيز على المشاكل العديدة الأخرى التي بدت أكثر إلحاحًا وأهمية في "سي أن أن". وهذه على وجه التحديد كانت رؤية المدير الجديد لشبكة سي أن أن، كريس ليشت، والذي قرّر منذ البداية أن يتخلص من هذا العبء قبل أن يتولى مهامّه كمدير جديد على رأس الشبكة. كما أن شركة ديسكفري نفسها، ورئيسها التنفيذي الحالي ديفيد زاسلاف، لا تؤمن كثيرًا بتحوّل شبكات الإخبار إلى عالم البث، ولا بدّ أن لدى زاسلاف تصورات أخرى عبر كيفية الاستفادة من محتوى سي أن أن وإعادة تدويره في "ديسكفري"، والتي لها هي الأخرى خطط في مجال البث المدفوع أكثر بكثير من النطاق الذي مثلته "سي أن أن+".