27-يناير-2022

نتفليكس غير قلقة من المستقبل (Getty)

لا بدّ من الإشارة إلى أن نتفليكس لم تخسر 130 مليار دولار من قيمتها في يوم واحد، ولا في أيام، كما تتداول بعض وسائل الإعلام عربيًا وعالميًا. ما حصل هو أن شركة نتفليكس فقدت 25% بالمئة من قيمتها السوقية في يوم واحد، هو يوم الجمعة الماضية، 21 كانون الثاني/يناير، بعد أن أعلنت الشركة في تقريرها السنوي أنها قد حققت في العام 2021 معدّل نموّ هو الأبطأ منذ العام 2015. كما ألمحت الشركة إلى أن العام 2022 لن يكون أفضل حالًا، بل وقد يكون أسوأ عام في مستوى النتائج منذ عقد كامل على الأقل، بحسب تقرير بلومبيرغ

تراجعت قيمة أسهم الشركة بنسبة 43% بشكل تراكمي عبر الأشهر القليلة الماضية، مسجّلة خسائر في قيمتها السوقية وصلت إلى 130 مليار دولار أمريكي على الأقل

فقد تراجعت قيمة أسهم الشركة بنسبة 43% بشكل تراكمي عبر الأشهر القليلة الماضية، مسجّلة خسائر في قيمتها السوقية بلغت زهاء 130 مليار دولار أمريكي على الأقل

ولم تعان نتفليكس وحدها في العام 2021 ضمن قطاع البث التدفقي (Streaming)، إذ تراجعت كذلك أسهم شركة روكو (Roku) بنسبة 9 بالمئة، إضافة إلى شركة ديزني بنسبة 7 بالمئة، وشركة ديسكفري بنسبة 5 بالمئة. إلا أن حجم الخسائر التي تكبدتها نتفليكس لم تسجّل في أية شركة أخرى عاملة في القطاع.

إلا أن التقلب في أسعار الأسهم لا يعني الكثير بالضرورة، في نظر الشركة على الأقل كما يظهر من تعاطي قيادتها الهادئ مع الموضوع. فقد بلغت القيمة السوقية لنتفليكس أعلى مستوى لها على الإطلاق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بسبب حالة الزخم العالمي الهائلة التي حققها مسلسل "سكويد غيم" الكوري. فنجاح المسلسل عالميًا كان إشارة التقطها المستثمرون، يفهم منها أن نتفليكس تحظى بوجود كبير في كوريا الجنوبية، أحد أهم الأسواق العالمية لاستهلاك محتوى الإنترنت المدفوع وإنتاجه، وأن الشركة قادرة على تحويل أعمالها المحلية إلى ظواهر عالمية، وهو ما أنعش قيمة الشركة. أما اليوم، وعلى وقع التقارير عن تضاؤل حجم النموّ للشركة، تراجعت قيمة الأسهم وهوت القيمة السوقية للشركة، إلى حضيض غير مسبوق منذ عقد من تاريخها على الأقل.


انقر هنا للاطّلاع على ملّف متكامل من المقالات والمراجعات لمسلسل "سكويد غيم" الكوري


فهل هذا التراجع الكبير يعني أن طبيعة أعمال الشركة قد تغيرت حقًا في غضون ثلاثة أشهر؟ الجواب قطعًا لا، وذلك لأن نتفليكس قد أضافت ثمانية ملايين مشترك جديد في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2021، وذلك بفضل طرحها المستمر للمزيد من الأفلام والعروض والمسلسلات، بالإنجليزية والإسبانية والكورية، والعربية أيضًا. (لقراءة نقاش نقديّ حول آخر فيلم عربي على نتفليكس اطلع على هذا المقال هنا)

إلا أن آخر تقرير لشركة نتلفيكس، يسلّط الضوء على حقيقة بدأ المستثمرون بالالتفات إليها بشكل متزايد مؤخرًا:

نتفليكس مقبلة على فترة جديدة من تباطؤ النموّ.

لقد أضافت نتفليكس خلال الأعوام الخمسة الماضية 130 مليون مشترك في خدمتها، بمعدل 26 مليون مشترك ومشتركة سنويًا. لكنّها أضافت 18 مليون مشترك جديد فقط في العام الماضي، وتشير توقعاتها إلى أن الرقم قد يتراجع مجددًا في العام 2022. وهذا تراجع غير بسيط، ويقوّض صورة الشركة كلاعب لا يمكن منافسته في سوق البثّ التدفقي، وأنها فردوس سرمدي للاستثمار، لا يمكن أن يطرأ عليه تغيّر كبير في مسيرة النموّ المستقبلي.

فقد سوّقت نتفليكس نفسها على أنها عملاق لصناعة المحتوى، دائم النموّ والتطوّر، وأنها تقترب في ذلك من شركات كبرى راسخة، مثل جوجل أو فيسبوك. فهي شركة تستقطب عشرات الملايين من المشتركين والعملاء سنويًا، في نمط يتوقّع له الاستمرار، مع تحوّل الناس المتزايد من خدمة البث التلفزي إلى خدمة البث عبر الإنترنت. وقد كان لنتفليكس أن تبرهن على هذه الصورة بالفعل خلال العقد الماضي، محققة نموًا مطردًا عامًا تلو العام، حتى تخطت عتبة 200 مليون مشترك، وهو ما انعكس في الزيادة التي كسبتها على قيمة أسهمها، والتي ارتفعت بنسبة 6,000 بالمئة خلال العشرية الماضية التي انتهت في كانون الأول/ديسمبر 2021.

غير أن نتفليكس تعترف اليوم بأنها تعاني من تباطؤ في النموّ، دون أن تقدّم أي تفسيرات مباشرة للسبب وراء ذلك. قد يكون الأمر مرتبطًا بجائحة كوفيد-19، أو قد يعزى للمنافسة المحتدمة وظهور خدمات جديدة في قطاع البث التدفقي. وقد يكون كل ذلك معًا، كما قد تكشف التحليلات والتسريبات عن أسباب جديدة أخرى. فكبار المدراء في الشركة يعرفون بالتأكيد أكثر مما بوسعهم التصريح به بشكل مباشر اليوم بشأن هذا التراجع في قيمة شركتهم، رغم أن إدارة نتفليكس معروفة بكونها تتمتع بقدر كبير من الشفافية والوضوح بشأن ما تعرفه وما ترغب بأن يعرفه الناس حولها.

لكن حالة عدم اليقين هذه مصدر قلق إضافي للمستثمرين. ولربما يكون من الأفضل لهم لو خرجت نتفليكس بتفسير لما حصل، لأن ذلك قد يطرح حلولًا محتملة للمشكلة التي تعاني منها.

لقد عانت نتفليكس من نتائج مالية سيئة في الماضي، لكنها لا تقترب بحال من الخسائر التي تكبدتها مؤخرًا، خاصة وأن تراجع قيمة الأسهم يوم الجمعة الماضية، كان أكبر هبوط في يوم واحد سجّلته الشركة في تاريخها.

نتفليكس غير قلقة من المستقبل، وذلك لإيمانها بأن قطاع الترفيه يتوسّع ويتزايد الطلب عليه مع استمرار التحوّل إلى خدمات البث التدفقي عوضًا عن خدمات الكابل 

ومع ذلك، لا يبدو على كبار التنفيذيين في نتفليكس علامات انزعاج وقلق، على الأقل علنًا. فهم لا يزالون يؤمنون باستراتيجيتهم طويلة المدى، وتكرار نفس الفكرة التي استخدمتها الشركة لسنوات للتأكيد على مستقبلها الناجح، وهي الفكرة التي تقول بأن قطاع الترفيه قطاع ضخم، والعملاء يتحوّلون من خدمة الكابل إلى خدمات الاشتراك البثّي، وأن هذا النمط لا يمكن وقفه ولا عكس اتجاهه.

 

*هذا التقرير مترجم بتصرّف عن بلومبيرغ

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الموجة الكورية تغزو الإنجليزية: 26 كلمة جديدة تدخل قاموس أكسفورد في عام 2021

رسميًا.. "سكويد غيم" المسلسل الأعلى مشاهدة على الإطلاق من نتفليكس