25-أبريل-2017

من عشوائيات القاهرة (محمود حمص/أ.ف.ب)

كيف يبدو المجتمع المصري من الداخل، على الأقل في العشر سنوات التي أدت إلى الثورة؟ كيف تبدو طبقاته الاجتماعية؟ وكيف تتوزع؟ وأين تبرز مظاهر التمايز فيه؟ وماهي آليات الفساد في هذا المجتمع؟ وكيف تغلغلت وتحكمت فيه؟.

في القاهرة يوجد 16 حياً عشوائيًا، خاصة في حلوان والبساتين (دار السلام) والكثير منها يحمل أسماء تعبر عن نشأتها التاريخية

ما نقدمه في هذا الموضوع هو قراءة توضيحية لعمق المتناقضات الموجودة في المجتمع المصري وما أدى إلى الأزمات الحقيقية التي تعانيها الطبقة الوسطى اليوم، وما أسماه دكتور محمود عبد الفضيل "رأسمالية المحاسيب"، التي تكونت في التسعينيات، والتي أدت إلى ترسيخ آليات الفساد ونتج عنها تزاوج المال والسلطة في مصر، وتكوّن مجتمعات الصفوة. على مدى جزءين، سوف نقدم لكم هذه القراءة التي اعتمدت إحصائيات وأرقام وتقارير عن "عمق" المشكلة المصرية الاقتصادية والاجتماعية من الداخل.

اقرأ/ي أيضًا: العشوائيات في مصر.. أرقام ومعلومات

التوزيع السكاني.. إحصائيات مهمة

منذ أول تعداد سكاني في مصر (تعداد النفوس) الذي كان عام 1882 وصولًا إلى تعداد عام 2006 ازداد عدد السكان في مصر بشكل ملحوظ. إلا أن أهم الحقائق التي يمكن أن نتناولها بشأن السكان في مصر هي أن غالبية السكان يعيشون في الريف إذ يبلغ سكان الريف في مصر حوالي 57% من مجموع السكان أي حوالي 41 مليون نسمة.

ومع بداية عصر الانفتاح، الذي قاده السادات، أصبح هناك تداخل كبير بين الريف والمدينة إذ تداخلت المناطق الريفية مع الحضرية، فهناك الكثير من القرى التي توسعت وازداد عدد سكانها إلى نحو 100 ألف نسمة وأصبح نمط الحياة فيها يقترب من النمط الحضري. ووفقًا لدراسة قامت بها "مجلة الإيكونوميست" عن مصر عام 2010 ، فإن ثلاثة أرباع المصريين يعيشون في المناطق الحضرية.

وتم تقسيم الطبقة العاملة في مصر إلى فئتين: عمال التشغيل والإنتاج، وعمال الخدمات والمهن العادية. أما المزارعون فبلغوا حوالي 6 ملايين نسمة ممن يوفرون أهم مصادر الغذاء للمصريين في القطر كله بخلاف الاستيراد. ويبلغ عدد المشتغلين بالمنشآت الصغيرة أو متناهية الصغر 92% من جملة الطبقة العاملة في مصر، بينما المنشآت الكبرى لا تزيد نسبتها عن 1% من إجمالي المنشآت كافة.

وفي هذه النقطة يلتقي ما أسماه الدكتور عبد الفضيل بمثلث البؤس في مصر، حيث يشكل العاملون في غير القطاع الحكومي 30 مليون شخص، والعاملون بالمهن غير النظامية 10 ملايين شخص، وسكان المناطق العشوائية الذين تقدر أعدادهم بنحو 12,2 مليون نسمة، أي تجتمع العشوائية والبطالة والفقر وهي أضلع المثلث الذي أشار إليه، وهو ما يُعطي مؤشرًا على الازدواجية التي يعيشها الاقتصاد المصري.

ففي العاصمة المصرية، يتداخل الخط الفاصل بين الريف والمدينة بشكل بات من المستحيل تبينه، فلا سكان العاصمة من أهل الحضر تمامًا ولا أهل الريف فيها يسكنون بطابع وطريقة الريف، وذلك يعود للأحزمة الريفية التي تحاصر المدينة من العشوائيات.

العاملون بالمهن غير النظامية أو من تسميهم الإحصائيات "العاملين خارج المنشآت" هم الباعة الجوالون والأشخاص الذين يؤدون خدمات شخصية منزلية للعائلات والأفراد، و الذين يقومون بتيسير وسائل النقل، والمهمشون من الحمالين والبنائيين وغيرهم، وكل هؤلاء خارج الدورة الإنتاجية للمجتمع ويقعون في قعر الخدمات الاجتماعية، هذا إن حصلوا عليها، ولا تملك حولهم الدولة أي إحصائيات رسمية دقيقة.

اقرأ/ي أيضًا: الدولة لم تسمع بعشوائيات نواكشوط بعد!

المناطق العشوائية

تروي القاهرة قصة ثلاث مدن: الأحياء الراقية، المدينة التقليدية القديمة والأحزمة الجديدة العشوائية، أو "ريف المدينة"

في القاهرة يوجد 16 حياً عشوائيًا، خاصة في حلوان والبساتين (دار السلام)، والكثير منها يحمل أسماء تعبر عن النشأة التاريخية لتلك الأحياء مثل: "عشش المظلوم، أرض المهاجرين، عزبة الصفيح، منطقة العمال".

أما بالنسبة لمنطقة الجيزة، فهي تعتبر المنطقة الحضرية الثانية من حيث كثافة المناطق العشوائية بعد القاهرة، وهي إما على هيئة عزب قديمة النشأة أو في صور تقسيمات عشوائية جديدة على الأرض الزراعية المتاخمة لحدود الكردون (المساحة) السكنية لمدينة الجيزة.

ومن الملاحظ أن مجتمع العشوائيات ينتشر فيه الاقتصاد العرفي، الذي يتكئ على الأنشطة غير المنتظمة أو الهامشية أو الطفيلية، والسكان ليس لديهم دخل منتظم ولا مسارات مهنية محددة، وتعاني تلك المناطق من تدهور كبير في الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية.

هؤلاء السكان يعتبرون أفقر فقراء المدن وهم في الكتابات السوسيولوجية الحديثة يسمون بالمهمشين في الأرض وقد جسد فيلم سارق الفرح للمخرج المبدع داوود عبد السيد حياة هؤلاء حيث لا يوجد لهم مصدر دائم ومتجدد للكسب وليس أمامهم سوى "تسول الرزق"، والحياة بالنسبة لهم شقاء دائم أو أحلام مهمشة ورغم ذلك فهم يسعون لاختلاس لحظات الفرح من بين براثن الحياة اليومية القاسية ولو للحظات قصار وبكل الصخب والضجيج الذي يليق بتلك اللحظة المفرحة القصيرة التي لا تدوم طويلًا.

وهكذا لم تعد القاهرة تحكي قصة مدينتين بل تروي قصة ثلاث مدن: المدينة العليا، التي تضم الأحياء الراقية، والمدينة التقليدية القديمة التي تمتد للعصور الوسطى، ويفصل بينهما مجرى النيل، والأحزمة الجديدة العشوائية، التي يُمكن أن يطلق عليها "ريف المدينة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الغجر في العراق.. الصعود إلى الهاوية

منازل لا تشبه منازلنا..