18-أبريل-2023
كتاب من السماء لـ شو بينغ

كتاب من السماء لـ شو بينغ/ الصين

استمعتُ مؤخرًا إلى حلقة جميلة من بودكاست "كتبيولوجي"، وقد جاءت لتسليط الضوء على مصطلح "نقد النقد"، ومحاولة تقريبه لأذهان المهتمين بالأدب والنقد من غير المتخصصين.

بعد أن استمعتُ إلى الحلقة ذهبتُ -كباحثة غير متخصّصة في الأدب والنقد- إلى التبحّر أكثر في المصطلح من أجل فهمه بشكل أفضل واكتشاف حدوده.

قادني بحثي في المصطلح إلى تعريف جميل له للكاتب والناقد المصري جابر عصفور، والذي يُعرفّه على أنّه "نشاط معرفي ينصرف إلى مراجعة الأقوال النقدية، كاشفًا عن سلامة مبادئها النظرية، وأدواتها التحليلية وإجراءاتها التفسيرية".

نقد النقد هو من أكثر الممارسات ارتباطًا بحقل النقد، فهو يقوم على دراسة ورصد الرؤى والمواقف النقدية للنقاد، وتفكيكها، وتفحّص المقولات وتطبيقاتها، والكشف عن جدوى المناهج النقدية

يُوضّح عصفور في تعريفه السابق بأنّ نقد النقد هو مصطلح حديث لظاهرة قديمة، وهو ممارسة كانت متجّذرة منذ القديم في أعماق الدراسات الأدبية والنقدية، ومرتبطة بها.

فنقد النقد هو من أكثر الممارسات ارتباطًا بحقل النقد، فهو يقوم على دراسة ورصد الرؤى والمواقف النقدية للنقاد، وتفكيكها، وتفحّص المقولات وتطبيقاتها، والكشف عن جدوى المناهج النقدية، ومدى إمكانية اقتراح بدائل منهجية.

نقد النقد -كما تُقدّمه معظم التعريفات- هو ممارسة مساءلة تابعة للنقد وتالية له، فالنقد هو مساءلة للنصوص الإبداعية وتفكيكها ومراجعتها، ونقد النقد هو مساءلة الخطاب النقدي ومراجعة مناهجه ونظرياته، واستنطاق وتفكيك أسسه وموجّهاته.

فكما أنّ النصوص الإبداعية بحاجة إلى من يقرأها وينقدها ويقيمها وهي مهمة الناقد، فإنّ النصوص النقدية -التي تُكتب لنقد النصوص الإبداعية- بحاجة إلى من يَقرأها وينقدها ويُقيمها وهي المهمة التي يضطلع بها ناقد النقد.

دفعني بحثي في المصطلح نحو العودة إلى جذوره عربيًا، ووجدتُ أنّه فِعلًا، كانَ هناك مؤلّفون في الثقافة العربية والإسلامية مارسوا نقد النقد في متن كتبهم قبل بروز مصطلحه في الحيز الاصطلاحي العام، ومن هؤلاء الآمدي في كتابه "الموازنة بين أبي تمام والبحتري"، والجرجاني في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه".

فالعرب عرفوا مصطلح نقد النقد بعد فترة زمنية من بروز نظرية النقد وتطوّر مناهجها في العالم الغربي، وكانت ترجمة كتاب تزيفتان تودروف البارز "نقد النقد: رواية تعلّم"، هي الإيذان الفعلي لمعرفة الثقافة العربية والنقد العربي بهذا المصطلح، حيثُ بدأ تطبيقه على الدراسات النقدية العربية بشكل منهجي.

إبان بحثي في المصطلح، تذكّرتُ أنّني في مرة من المرات كنتُ أقرأ رواية لكاتب عربيٍّ ما، وقد استمتعتُ كثيرًا بقراءة الرواية، وكان رأيي الانطباعي عنها إيجابيًا، وبعد الانتهاء من قراءتها قرّرتُ الذهاب إلى قراءة بعض المراجعات والكتابات النقدية التي كُتبت فيها، لأرى إذا ما كانت هذه المراجعات والكتابات تَدعَم رأيي الانطباعي عنها أم تُناقضه.

كما أنّ النصوص الإبداعية بحاجة إلى من يقرأها وينقدها ويقيمها وهي مهمة الناقد، فإنّ النصوص النقدية -التي تُكتب لنقد النصوص الإبداعية- بحاجة إلى من يَقرأها وينقدها ويُقيمها أيضًا

تذكّرتُ إصابتي بالصدمة من كمّ الآراء السلبية التي كُتبت في الرواية، وملاحظتي بأنّ تلكَ الآراء كانت في أغلبها قادمة من مراجعات كتبها أشخاص بعيدين عن تخصّص النقد، واعتمدوا فيها على النقد الانطباعي، وهو النقد الذي يَستند إلى الذائقة الخاصة في تقييم الأعمال الأدبية، بعيدًا عن اتباع المناهج النقدية الأكاديمية المتخصّصة.

وفي هذه اللحظة، خطرَت على بالي فِكرة طريفة، وهيَ أنّني يُمكنني كقارئة عادية غير متخصصة في النقد أن أمارس شَكلًا من أشكال نقد النقد فأصرّ على رأيي الانطباعي حولها في مقابل كلّ تلك الآراء الانطباعية السلبية، فكّرتُ بأنّه يُمكنني البدء بكتابة مراجعة في الرواية أؤكّد فيها على رأيي الانطباعي حولها، وأفنّد فيها بقية الآراء السلبية حولها من ناحية القوة والضعف.

لا أعرف مدى وجاهة فكرتي الطريفة هذه حول إمكانيتي كقارئة عادية ذات رأي نقدي انطباعي، أن أمارسَ نقد النقد على آراء غيري النقدية الانطباعية الأخرى، لكنّ ما أعرفه أنّ نقد النقد هو ممارسة يمارسها المتخصصون من أجل تطوير وإثراء الكتابة النقدية المنهجية على المستويات الأكاديمية الرسمية، وأفترض أنّ ممارسته من قبل غير المتخصصين يُمكنها أن تُساهم في تطوير وإثراء طريقتهم في تقديم آرائهم النقدية الانطباعية وكتابتها.