08-ديسمبر-2015

عمر عبد اللات/ الأردن

"أشتقُّ منكِ شوارعي"

* جبرا إبراهيم جبرا

كيف يمكن أن نُعيد قراءة ما نكتبه اليوم على وسائل التواصل الاجتماعية في المواقع والمدونات؟ كيف سنعيد قراءته لاحقًا؟ واليوم من الذي يقرأ؟ هل تنتج البلاغة على المساحة المتاحة لنا رنينًا في الشوارع أو على المقاهي؟ 

هل من الممكن أنّ كاتبًا كنت أقرأ له قضى تحت التعذيب في سجون للنظام السوري أو في مقار الشرطة المصرية؟ 

في إحدى المرات قرأت مقالًا على صفحات صحيفة "اتحاد الكتاب العرب" يتهم كاتبُه عبد الوهاب البياتي بادعاءات طوباوية أمام الروس والأوروبيين عن شِعره الذي يتغنى به صيادوا الأسماك في دجلة والفرات، وعن الجماهير التي انتفضت لتنقذه من حبل المشنقة، عن العشاق القرويين الذين يهدون قصاصات من شعره لحبيباتهم. بغض النظر عن صحة الاتهام ذاك، هل علينا اليوم أن ندعي مثل هذا الادعاء لا ليأخذنا الغرباء على محمل الجد، بل لنحاول البحث عن جدوى لهذا الإنتاج الذي نتداوله بيننا على مساحات التواصل؟ 

قد نسأل أنفسنا عنه قد نقول شيئًا في المقهى، على الرصيف، لكن بالتأكيد فإن صيادي السمك في الفرات، والمتظاهرين في سوريا، والعشاق في شوارع القاهرة؛ لم يقرأوا شعري ونصوصي، لن ينتفض أحد إن حُكمت بالإعدام، وربما تداول نعوتي رفاق في تلك المساحات التي أنشر فيها الآن في زوايا مختلفة، قد تنتفض صورتي لوهلة وترحل. إذًا سأسأل مجددًا ما الجدوى من البلاغة، ما البلاغة؟ وما الكتابة الآن؟

هل من الممكن أننا نعيد اجترار النقاشات القديمة ذاتها، وما الذي تغير في نصوصنا بعد موجة التغيير تلك، هل تسربت الثورات عبر الشقوق أم أخفت ما ظهر وأظهرت ما اختفى سابقًا؟ من الذي يكتب الآن هل هم أنفسهم من كتب البارحة أم كتاب جدد؟ ما الذي حدث للباقين، ماتوا؟ هل من الممكن أنّ كاتبًا كنت أقرأ له قضى تحت التعذيب في سجون للنظام السوري أو في مقار الشرطة المصرية؟ هل من الممكن أن شاعرًا يكتب باللهجة العامية أصبح جهاديًا الآن، من الذي يكتب هل هؤلاء كتاب جدد؟

كان علينا أن نقرأ ما كنا نكتبه قبل أمواج الثورات. نظرة سريعة لا أظن أنها تسعفني بملاحظة تغيير حقيقي. الكتابة الجديدة كانت جديدة قبل الثورات وتلك التي كانت قديمة بقيت كذلك. استخدام متغيرات ومصطلحات جديدة ليس تغييرًا بنيويًا في النص العربي اليوم. بالتأكيد لا يعني ذلك عدم وجود تغيير، الأمر ببساطة أننا لم نغير شيئًا في أنفسنا حتى يغير الله ما في تلك المساحات البيضاء التي تتوالد كمتوالية هندسية، دون أن تخلق فضاءها المفتوح.

الكتابة الجديدة كانت جديدة قبل الثورات، وتلك التي كانت قديمة بقيت كذلك

وتسأل هل الفضاءات التي يخلقها النقاش مفتوحة حقًا أمام جميع الشباب؟ هل يهتم شباب موريتانيا بنقاشنا اليوم على صفحات التواصل في سوريا؟ كيف نعيد ربط النقاشات تلك بأسئلة أوسع تتسع حقًا لحقيقة وجود روافد متنوعة لما نقول؟ ما الذي ستنتجه فضاءات مغلقة أمام عدد محدود -مهما كان كبيرًا- من المهتمين ففي النهاية المعادلة هنا غير معقدة. إنه منتج صفري مع الخارج وفي أحسن الأحوال هو منتج لم يتدخل الخارج به. وبالخارج الآن أقصد من هم خارج هذه الدوائر المغلقة، تلك الدوائر تعيد تعريف التعميمات الاجتماعية على أنفسها لتكون تلك التعريفات أقل تركيزًا ستكون استعارات مضحكة كأن يسمي قائد مليشيا عراقية نفسه بنابليون بونابارت.

من العراق قرأت: "ما زلت أركض دون أوب نحو بابك ما زلت" صدى تلك الكلمات ما زال يرن حتى اللحظة، عدا أن العبوة الناسفة التي قتلت عمار عبد الرزاق، كاتب تلك الكلمات، لم تواجهها المظاهرات في العراق وفي سوريا ومصر. من السهل نسيان الأسماء والكلمات، في المقاهي وفي الشوارع حين لا تغير تلك الأسماء خطوط الشوارع وشكلها، حين لا تحطم غربتها، وحين لا نعود نشتق منهم شوارعنا تسكعنا وتشردنا، فسينسون ما نقول وما نقرأ.

اقرأ/ي أيضًا:

"الخوف في منتصف حقل واسع".. قصص غارقة في دمائها

قصة الشعر الافتراضية